تقلبات خليجية بالسندات الأميركية... السعودية والإمارات في اتجاهين متعاكسين

25 ابريل 2025
المستثمرون يتخوفون من تقلبات عوائد سندات الخزانة (يوهانس إيزيل/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أظهرت بيانات وزارة الخزانة الأميركية في 2025 تحولات في استثمارات دول مجلس التعاون الخليجي في سندات الخزانة، حيث انخفضت حيازات السعودية وارتفعت حيازات الإمارات، نتيجة لاختلاف السياسات المالية بين الدولتين.

- تزامنت هذه التحولات مع اضطرابات في الأسواق الأميركية، حيث تراجعت قيمة السندات طويلة الأجل وارتفعت العوائد، مما أثار مخاوف من ركود اقتصادي محتمل، ودفع إلى تحول نحو السندات قصيرة الأجل.

- بدأت دول الخليج في تقليل اعتمادها على السندات الأميركية وتنويع استثماراتها في قطاعات التكنولوجيا والطاقة المتجددة، ضمن استراتيجيات تنموية مثل رؤية السعودية 2030 وتعزيز مكانة الإمارات كمركز مالي عالمي.

 

تشير البيانات الصادرة خلال الأشهر الأولى من عام 2025 من وزارة الخزانة الأميركية إلى تحولات في حجم استثمارات دول مجلس التعاون الخليجي في سندات الخزانة الأميركية، مع بروز اختلاف واضح بين الدول حسب مراكزها الاستثمارية العالمية، خاصة السعودية والإمارات باعتبارهما الأكثر استثمارا في أدوات الدين الأميركية بين دول الخليج الست.
وأظهر تقرير الوزارة بشأن الدول الحائزة للسندات الدولية أن قيمة حيازات السعودية انخفضت إلى حوالي 126.4 مليار دولار في شهر فبراير/شباط الماضي، بانخفاض 481 مليون دولار مقارنة بشهر يناير/كانون الثاني.
وهذا الانخفاض هو الثاني تواليا على أساس شهري منذ بداية العام، بعد أن قلصت المملكة حيازتها في يناير بنحو 10.6 مليارات دولار، ليصل إجمالي الخفض خلال أول شهرين إلى 11.1 مليار دولار.

وعلى أساس سنوي، تقلصت الحيازات السعودية بنسبة 3.6% ما يعادل 4.7 مليارات دولار مقارنة بفبراير/شباط 2024، ما يعزوه مراقبون إلى إعادة توازن المحافظ الاستثمارية في ظل تقلبات الأسواق العالمية ومخاوف الدخول في حالة ركود اقتصادي.

في المقابل، ارتفعت الحيازة الإماراتية بمقدار 27.3 مليار دولار على أساس شهري، وبنسبة تصل إلى 29.5%، وهو أعلى مستوى تاريخي لها، ما يعكس اتجاها جارفا نحو زيادة الاستثمار في أدوات الدين الأميركية.
ومع ذلك حافظت السعودية على موقعها في المرتبة 17 ضمن قائمة أكبر الدول المالكة لأدوات الدين الأميركية، وفقا لتصنيف وزارة الخزانة، وتوزعت حيازاتها بين 104.7 مليارات دولار في أدوات دين طويلة الأجل، تشكل ما نسبته 83% من الإجمالي، و21.7 مليار دولار في أدوات قصيرة الأجل، بنسبة 17%.

اضطرابات الأسواق الأميركية

وجاء ذلك تزامنا مع سياق اضطرابات ملحوظة في الأسواق الأميركية، حيث شهدت السندات طويلة الأجل تراجعًا في قيمتها وارتفاعا في العوائد، مع قفز عائدات سندات العشرين عامًا إلى ما فوق 4.9% في إبريل/ نيسان 2025، ما يعكس مخاوف المستثمرين من تأثير السياسات التجارية والمالية الأميركية، لا سيما في ظل تجدد فرض تعريفات جمركية واسعة النطاق من قبل إدارة ترامب، الأمر الذي أثار قلقا من دخول الاقتصاد الأميركي في حالة ركود محتملة، حسب مراقبين.
وفي المقابل، شهدت صناديق السندات الحكومية الأميركية قصيرة الأجل تدفقات نقدية كبيرة، حيث لجأ المستثمرون إلى أدوات أكثر أمانًا وسيولة، مع زيادة في مشتريات هذه الصناديق بنحو 18.1 مليار دولار خلال إبريل فقط، ما يشير إلى تحوّل نحو الحذر في ظل حالة عدم اليقين، بحسب التقرير ذاته.

وتسلط تحليلات متخصصة الضوء على بدء أغلب دول الخليج في تقليل اعتمادها على السندات الأميركية كأداة استثمارية وحيدة، مع توجه بعض صناديق الثروة السيادية إلى تنويع محافظها بحثًا عن عوائد أفضل ومخاطر أقل، رغم أن الولايات المتحدة لا تزال الوجهة الاستثمارية الرئيسية بسبب ندرة البدائل الجاذبة سوى الذهب، وفقا لما أورده تقرير نشره "أرابيان غلف بيزنس إنسايدر".
كما أن المقترحات الأميركية التي تقترح فرض رسوم أو تعديل شروط حيازة السندات على الدول المستفيدة من الحماية الأمنية الأميركية قد تزيد من الضغوط على هذه الاستثمارات، مما قد يدفع دول الخليج إلى إعادة النظر في استراتيجياتها المالية والسياسية تجاه السوق الأميركية، حسب التقرير ذاته.
غير أن وقوف الإمارات في الاتجاه المعاكس يعكس اختلافًا في السياسات المالية والتوجهات الاقتصادية بينها وبين السعودية وباقي دول الخليج، إذ تميل السعودية، في ظل تقلبات الأسواق العالمية، إلى تقليل المخاطر وتنويع الأصول، بينما تستغل الإمارات استقرارها المالي لتعزيز استثماراتها في السوق الأميركية. وبينما تركز السعودية على إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني، تتموضع الإمارات كمركز مالي إقليمي يسعى لتعظيم العوائد من الاستثمارات الخارجية، بحسب إفادة خبيرين لـ "العربي الجديد".

سياستان لاستراتيجية واحدة

وفي هذا الإطار، يؤكد الخبير في مكتب استشارات بلندن، علي متولي، لـ "العربي الجديد"، أن الانخفاض السنوي في حيازة السعودية لأدوات الدين الأميركية هو الأدنى خلال عام ونصف، موضحا أن هذا التوجه يعود إلى عاملين رئيسيين: الأول تباطؤ أسعار النفط التي شهدت انخفاضا كبيرا ومفاجئا في الفترة الأخيرة، ما أثر سلبا على إيرادات المملكة ودفعها لإعادة تقييم استثماراتها الخارجية، والثاني هو تأثير التوترات التجارية العالمية، حيث إن أسعار الفائدة في الولايات المتحدة ظلت ثابتة لفترة طويلة، ما زاد من مخاطر الاستثمار في أدوات الدين الأميركية.
كما أن التوترات بين الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، والبنك الفيدرالي الأميركي أضافت مزيدا من عدم اليقين إلى الأسواق، ما جعل السعودية تبحث عن بدائل أكثر استقرارا لتنويع استثماراتها، حسب تقدير متولي.
على الجانب الآخر، يعزو متولي تسجيل الإمارات أعلى مستوى تاريخي لحيازاتها من السندات الأميركية، إلى توجه استراتيجي من جانب البلد الخليجي للتركيز على تعزيز مكانتها كمركز مالي عالمي.

ويرى متولي أن التباين في سياسات السعودية والإمارات يأتي ضمن إطار التوجه الخليجي العام نحو تنويع الاستثمارات وتقليل الاعتماد على النفط بوصفه مصدرا رئيسيا للدخل، ولكن بتفاصيل مختلفة، حسب حالة كل دولة، منوها إلى أن توجه دول الخليج العام هو العمل على تعزيز الاستثمارات في قطاعات مثل التكنولوجيا، والطاقة المتجددة، والبنية التحتية.
وضرب متولي مثالا بسلطنة عمان، التي تركز استثماراتها على التنمية الصناعية، بينما تستثمر قطر بشكل كبير في البنية التحتية، وتسعى البحرين والسعودية إلى تعزيز مساهمة القطاعات غير النفطية في اقتصادهما.
وفي ظل التوترات التجارية العالمية والمخاوف من الركود الاقتصادي، يتوقع متولي أن تواصل دول الخليج إعادة تقييم محافظها الاستثمارية، وأن تكون الأولوية للاستثمارات التي توفر عوائد مستقرة وتقلل من المخاطر المرتبطة بالتقلبات الاقتصادية، مؤكدا أن هذه الخطوة ضرورية لمواجهة التحديات الاقتصادية وعدم اليقين الذي تفرضه السياسات الدولية، خاصة مع استمرار التوترات التجارية والمخاوف من تأثيرها على الأسواق العالمية.

اختلاف الرؤى الاستثمارية

في السياق، يشير الخبير الاقتصادي والمستشار المالي، علي أحمد درويش، لـ "العربي الجديد"، إلى أن تخفيض السعودية لاستثماراتها في أدوات الدين الأميركية مقابل وصول الإمارات إلى أعلى مستوى تاريخي لها في هذا المجال، يمكن وضعه في إطار الاختلاف في "التكتيكات الاستثمارية" بين البلدين، وذلك على الرغم من انتماء كل منهما إلى نفس "الاستراتيجية".

ويوضح "درويش" أن تخفيض السعودية لاستثماراتها في أدوات الدين الأميركي يأتي نتيجة اعتبارات، منها الظروف الاقتصادية العالمية التي شهدت انخفاضا في قيمة الدولار، ما يؤثر بشكل مباشر على العملات الخليجية المرتبطة به، إضافة إلى حاجة المملكة إلى سيولة أعلى لدعم خططها التنموية ضمن رؤية 2030، التي تتطلب زيادة الإنفاق الداخلي على المشاريع الكبرى، وبالتالي يهدف تخفيض الاستثمارات في الأصول الأميركية إلى توفير سيولة إضافية للاستخدام المحلي.
في المقابل، يرى درويش أن تبني الإمارات لاستراتيجية مختلفة من خلال زيادة استثماراتها في أدوات الدين الأميركي يأتي في إطار استجابتها لارتفاع معدل العائد على هذه الأدوات، ما يوفر لها فرصا لتحقيق أرباح أعلى دون مخاوف من تأثير تراجع أسعار النفط نتيجة التنوع الاقتصادي الكبير الذي حققته، وخاصة إمارة دبي، حيث تعتمد عائداتها على قطاعات متعددة مثل السياحة، التجارة، والخدمات المالية، ما يجعلها أقل تأثرًا بتقلبات أسعار النفط مقارنة بالسعودية.
وهنا يشير درويش إلى أن المناخ الاقتصادي العالمي، وخاصة الحرب التجارية الجارية والركود الاقتصادي، يلقي بظلاله على الاقتصاد الخليجي ككل عبر انخفاض أسعار النفط عالميا، ما أثر بشكل مباشر على السعودية أكثر من غيرها، كونها تعتمد بشكل كبير على إيرادات النفط بما هو مصدر رئيسي للدخل حتى الآن.

المساهمون