استمع إلى الملخص
- التحديات الاقتصادية والسياسية: تعكس تحركات الأسهم مزيجاً من المرونة والارتباك بسبب السياسات الاقتصادية المنتظرة، مما أضعف ثقة السوق في تسارع اقتصادي وشيك، مع اعتبار الصراع الجمركي كحرب اختيارية تهدد التجارة.
- تقييمات السوق وتوقعات المستثمرين: بدأت السوق عام 2025 بتوقعات مرتفعة، مما صعّب مفاجأة المستثمرين إيجابياً. رغم نمو الأرباح، شهدت أسهم التكنولوجيا تراجعات، بينما يقود المتداولون الأفراد السوق عبر عمليات شراء عدوانية.
رغم تأجيل تطبيق أغلبها، مازالت تعرِيفات الرئيس الأميركي دونالد ترامب تلقي بظلالها على اقتصادات العالم، إذ يرى كثيرون أنها قد تعرقل النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة. ورغم أن سوق الأسهم الأميركية مازالت محتفظة بهدوئها، إلا أن الإعلانات المتتالية عن الدول المشمولة بالرسوم الجديدة ضاعفت مخاوف المستثمرين، في مختلف القطاعات والدول، وزادت من المخاطر في الأسواق.
وفي بيئة إخبارية صاخبة وسريعة التغير، كانت الأسهم الأميركية في نهاية تعاملات الأسبوع قريبة إلى حدٍ كبير من نقطة بدايته، رغم تراجعات الجمعة التي اقتربت من 1%، الأمر الذي مدد نطاقاً جانبياً استمر لمدة ثلاثة أشهر، تحرك خلاله مؤشر ستاندرد أند بورز 500 في نطاق لم يتجاوز 3% صعوداً أو هبوطاً عن مستوى إغلاقه في اليوم التالي للانتخابات الأميركية.
وظل المؤشر الأهم في السوق الأميركية قريباً من مستوى 6000، محاصراً بين تيارات متعارضة لسوق منقسمة بشدة، حيث تتحرك الأسهم والقطاعات في اتجاهاتها الخاصة بدلاً من التحرك كتلةً واحدةً. ويفسير ذلك سبب اختبار مؤشر التقلبات (VIX) لمستواه الأدنى الأخير، بالقرب من 15، خلال الأسابيع الأخيرة.
وتعكس التحركات الأخيرة للأسهم مزيجاً من المرونة والإرهاق والارتباك، رغم شعور المستثمرين بالراحة بسبب الأساس الاقتصادي القوي، إذ إنّه من غير المتوقع أن يتخلّى الإجماع العام بسهولة عن ابتهاجه بمزيج من السياسات "المحفّزة للنمو" المنتظرة. ومع ذلك، فإن المسار المتشعب لعملية صنع السياسات، التي تشمل تعرِيفات ترامب، والتشديد على الهجرة، وتقييد البرامج التنفيذية، وأخيراً حزمة الضرائب والإنفاق، قد أضعف ثقة السوق في تسارع اقتصاديّ وشيك.
وتلاشت إلى حد كبير العديد من التداولات النموذجية التي كانت تعتمد على "تجارة ترامب" والتي كانت تسعّر تحفيزاً قوياً للنمو في الاقتصاد الأكبر في العالم. وتراجع مؤشر روسيل 2000 للشركات الصغيرة إلى مستويات منتصف أكتوبر/تشرين الأول، وكما بدا واضحاً، فقد انخفض القطاع الصناعي المفضل للمستثمرين أيضاً مقارنة بالسوق الأوسع، وهو ما كان متوقعاً بسبب رسومٍ جديدة، أصابت أغلب مدخلاته.
وتَظهر الطبيعة الانتقائية لحركة الأسواق في التراجع المتزايد لنسبة الأسهم الكبيرة من شركات التكنولوجيا التي ما تزال في اتجاه صعودي تقني، إذ انخفضت تلك النسبة إلى أقل من 60%، وهو أدنى مستوى لها في أكثر من عام. لكن البعض رأى ذلك باعتباره دليلاً جديداً على قدرة السوق مؤخراً على التناوب المنتظم، والهجوم المستمر من المتداولين الأفراد الصغار بعد كل تراجع للأسعار. وما زال المؤشر على بعد أقل من 2% من أعلى مستوياته القياسية، حتى مع غياب الزخم الواسع وتماسك العديد من الأسهم الفردية.
وربما يكون من الصعب إنكار أن تقلبات التهديدات الجمركية كانت المحرك الأساسي لتدفقات التداول التكتيكي والمزاج العام، فوصل مؤشر ستاندرد أند بورز 500 إلى أدنى مستوى له الأسبوع الماضي بعد أقل من ساعة على جرس الافتتاح يوم الاثنين، عندما فُرضت تعرِيفاتٌ بنسبة 25% على كندا والمكسيك. ومن هناك، أدى ارتفاع إغاثي بنسبة 3% على مدى عدة أيام إلى رفع المؤشر إلى 6100 صباح الجمعة.
وحدث ذلك قبل أن يكشف استطلاع جامعة ميشيغان عن قفزة كبيرة في توقعات التضخم لسنة واحدة، وهي قفزة مرتبطة حتماً بمخاوف من تعرِيفات ترامب، ما دفع الأسهم إلى مزيد من الانخفاض بعد أن تعهد الرئيس ترامب بفرض "تعرِيفاتٍ مُتبادلة" على الدول التي تفرض رسوماً على البضائع الأميركية، وتراجعت الأسهم بنسبة 1% قبل إغلاق الأسبوع.
تعرِيفات ترامب ومخاوف النمو
ومع ذلك، وبعيداً عن العناوين الرئيسية اليومية، يدرك المستثمرون، أو ينبغي أن يدركوا، أن التعرِيفات الجمركية التي ربما تُفرض نهايةً أو لا تُفرض، لن تكون العامل الحاسم في استمرار التوسع الاقتصادي والسوق الصاعدة، إذ لم يثبت في أي عام سابق أن ميزان التجارة في السلع كان عنصراً بالغ الأهمية في مسار الاقتصاد الأميركي.
وبدلاً من ذلك، يتم التعامل مع الصراع الجمركي من السوق باعتباره "حرباً اختيارية" قد تكون لها أهداف إيجابية في النهاية، لكنها تهدد في الوقت الحالي بإبطاء عجلة التجارة وإرباك الرؤساء التنفيذيين والمسؤولين عند اتخاذ القرارات الاستثمارية.
وبشكل أكثر وضوحاً، يمكن أن تؤدي حرب تعرِيفات ترامب إلى تفاقم نوع "مخاوف النمو" التي اعتاد السوق على اعتبارها احتمالاً، فتقرير الوظائف، يوم الجمعة والذي أظهر إضافة 145,000 وظيفة لشهر يناير، جاء ضعيفاً على مستوى العناوين الرئيسية، لكنه كان "جيداً" بشكل عام نظراً للمراجعات التصاعدية في كشوف المرتبات للأشهر السابقة، والاضطرابات الجوية، وانخفاض معدل البطالة. ولكن مع انخفاض معدل التوظيف في التقرير، ومكاسب التوظيف الضعيفة خارج قطاعي الخدمات والقطاع العام، فإن هذا يشير إلى سوق عمل بطيئة الحركة.
وشارك المؤسس المشارك لشركة 3Fourteen Research، وارن بايز، في مراقبة "مخاوف النمو" منذ فترة، إذ رصد قطاع الإسكان المكبّل، والمستهلكين المقيدين بأسعار الفائدة، وانخفاض السيولة المالية، التي قد تتفاقم بسبب بنك الاحتياط الفيدرالي غير الراغب في التيسير النقدي أكثر بسبب تأثير تعرِيفات ترامب المتوقّع على التضخم. ولفت بايز إلى أنه في السنوات التي تلي مكاسب تزيد عن 20% في مؤشر ستاندرد أند بورز، تميل مدفوعات أرباح رأس المال في الربيع التالي إلى زعزعة استقرار السوق بحلول أوائل الربع الثاني.
هل هناك مبالغة في التقييمات؟
يدور كل هذا في سوق بدأت عام 2025 مُسعّرةً لحدوث أشياء جيدة، مع ارتفاع توقعات المستثمرين، ما يجعل من الصعب على أرض الواقع مفاجأتهم بشكل إيجابي، فقد كان نمو الأرباح قوياً عموماً، مع تحقيق معدل التفوق المعتاد على التوقعات. وبحسب فينو كريشنا، المحلل الاستراتيجي في باركليز، فإن "متوسط الخسارة (-3.3%) بين الشركات التي أبلغت عن أرباح أقل من التوقعات لم يكن أسوأ بكثير من الفصول الأخيرة. ومع ذلك، كانت ردود الفعل في الأسهم أكثر حدّة، إذ كان متوسط حركة السعر بعد الإعلان عن الأرباح أقل بنحو نقطة مئوية واحدة من المتوسط طويل الأجل".
وتراجعت أسهم شركة ألفابت ، المالكة لمحرك البحث الشهير غوغل، بنسبة 9%، وأسهم أمازون بنسبة 4%، الأسبوع الماضي بعد نتائج قوية لكنها جاءت مع توجيهات مستقبلية ضعيفة، وخطط إنفاق رأسمالي مرتفعة بشكل كبير. وبصورة عامة، تفوقت أسهم مجموعة "العظماء السبعة" من عمالقة ناسداك على مؤشر ستاندرد أند بي 500 بفارق ست نقاط مئوية منذ ما قبل "خفض الفائدة المتشدّد" الذي أعلنه الفيدرالي في 19 ديسمبر/كانون الأول، ما جعل السوق أقل اعتماداً على تلك الأسماء.
ويجادل أنصار السوق الأوسع بأن الأسهم خارج هذه المجموعة المهيمنة تبدو أقل تكلفة بكثير، وهو ما يظهر بوضوح عند مقارنة نسبة السعر إلى الأرباح المستقبلية المتوقعة للسبعة الكبار وبقية السوق. ولا يزال المتداولون الأفراد الأكثر نشاطاً يقودون السوق عبر عمليات شراء عدوانية في الأسهم المفضلة لديهم، إذ كان حجم التداول بالدولار في أسهم بالانتير Palantir يوم الجمعة ضعف حجم تداول سهم آبل، رغم أن شركة آبل أكبر بـ13 مرة من حيث القيمة السوقية، وذلك دون صدور أي أخبار جديدة سوى الزخم السعري الجامح لسهم بالانتير، الذي ارتفع بنسبة 38% خلال الأسبوع و370% خلال العام الماضي.
وبحسب بنك جيه بي مورغان، أكبر البنوك الأميركية من حيث القيمة السوقية والأرباح، كانت معنويات المتداولين الأفراد يوم الأربعاء "الأعلى على الإطلاق"، حتى أعلى من ذروة "جنون الأسهم الميمية" في 2021.