استمع إلى الملخص
- تعود قضية الزين إلى مايو 2021، حيث وُجهت له وللقاضي منذر ذبيان تهم مشابهة، لكن المتابعة اقتصرت على ملاحقات تأديبية، مما يعكس بداية عهد جديد من المحاسبة.
- أكد الرئيس اللبناني جوزاف عون التزامه بعدم التدخل في القضاء والعمل على إقرار قانون استقلالية القضاء، مشددًا على أهمية المحاسبة الشاملة لمكافحة الفساد.
ضجّت الساحة اللبنانية، أمس الاثنين، بخبر إصدار قاضي التحقيق لدى الرئاسة الأولى لمحكمة التمييز، بيار فرنسيس، مذكرة توقيف وجاهية بحق القاضي المتقاعد عماد الزين، بجرائم تتعلق بتقاضي رشاوى مالية واستغلال السلطة، وهي خطوة تُعدّ من أبرز مؤشرات كسر الحماية التي لطالما حظي بها القضاة في لبنان لعقود طويلة، وأبعدتهم عن المساءلة والمحاسبة.
فبعد جلسة عقدها القاضي فرنسيس في قصر العدل ببيروت، أصدر قراره بتوقيف الزين، ليُقتاد مكبلاً بالأصفاد إلى المقر العام لقوى الأمن الداخلي، إذ جرى سجنه في غرفة خاصة، وأكدت مصادر قضائية أن توقيف الزين لن يكون الأخير في هذا الملف، بل ستتبعه توقيفات أخرى.
وتعود قضية الزين إلى مايو/أيار 2021، حين ادعى النائب العام التمييزي آنذاك، القاضي غسان عويدات، على القاضيين عماد الزين، الذي كان يشغل منصب قاضي تحقيق أول في البقاع، ومنذر ذبيان، بتهم قبول رشاوى ومنافع، والقيام بأعمال منافية للوظيفة القضائية، واستغلال السلطة لإعاقة تنفيذ القوانين والتدخل غير المشروع في عمل قضاة آخرين للتأثير على قراراتهم، إلا أن المتابعة اقتصرت حينها على ملاحقات تأديبية، بينما كان ذبيان قد أنهيت خدماته عام 2020 بناءً على طلبه وجرت تصفية حقوقه قبل صدور القرار.
وترى أوساط قانونية، في حديثها مع "العربي الجديد"، أن "توقيف الزين يُعدّ خطوة غير مسبوقة ومهمة للغاية، ففي حين اعتاد اللبنانيون على الاكتفاء بالملاحقات التأديبية بحق القضاة، نشهد اليوم توقيف قاضٍ سابق وسجنه فعلياً، وهو ما قد يشكل بداية لعهد جديد من المحاسبة، ورفع الحصانات عن شخصيات قضائية وسياسية، وكل من يعمل في الشأن العام ممن تورطوا في تلقي رشاوى أو أي قضايا فساد، بما في ذلك ما ينطبق على قسم الرئيس جوزاف عون".
وكان الرئيس اللبناني جوزاف عون قد تعهّد عند انتخابه رئيساً للجمهورية في 9 يناير/كانون الثاني الماضي، بعدم التدخل في القضاء، ورفض التدخل في عمل الأجهزة الأمنية أو توفير الحمايات والمحسوبيات، مشدداً على أنه "لن تكون هناك حصانة لأي مجرم أو فاسد"، وأن "العدل هو الحصانة الوحيدة التي يمتلكها كل مواطن".
وأكد عون حينها التزامه بالعمل مع الحكومة لإقرار قانون استقلالية القضاء بشقيه العدلي والإداري، إلى جانب تطوير النيابات العامة، وتفعيل هيئة التفتيش القضائي، وتبسيط أصول المحاكمات، وإصلاح السجون، وتسريع البتّ في الأحكام القضائية بما يضمن الحقوق ويعزز الحريات ويكافح الفساد.
وفي هذا السياق، تشير الأوساط القانونية إلى أن "الساحة القضائية في لبنان تشهد تطورات متسارعة، أبرزها ما يتعلق بملف انفجار مرفأ بيروت الذي عرف تحولات مهمة في الفترة الماضية، وسط توقعات بفتح ملفات أخرى وبدء محاسبة مرتكبين في قضايا متعددة، وهو ما يشكل بارقة أمل حقيقية لدى الرأي العام".
وفي السياق نفسه، اعتبر رئيس الدائرة القانونية في "رواد العدالة"، المحامي هيثم عزو، أن "ما حصل يُعدّ خطوة نوعية على صعيد المحاسبة الجزائية الذاتية في الجسم القضائي اللبناني"، مشيراً إلى أنها "المرة الأولى التي يجري فيها توقيف قاضٍ بتهمة تتعلق بمهامه الوظيفية"، وأضاف عزو في حديثه مع "العربي الجديد" أن "هذه الخطوة أتت بقرار من القاضي فرنسيس، المعروف بنظافة كفه وموضوعيته، وبدعم من رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود الذي وافق على تنفيذ المذكرة القضائية".
وألمح عزو إلى "إمكانية صدور سلسلة من التوقيفات بحق قضاة آخرين في هذا الملف أو ملفات أخرى، من ضمنها ملف انفجار مرفأ بيروت، وهو ما ظهر من خلال تصريحات منسوبة إلى مدعي عام التمييز تحدثت عن تخصيص مكان احتجاز خاص للقضاة الذين قد يُتّهمون في قضايا مختلفة"، وشدد على "ضرورة أن تشمل المحاسبة كل قاضٍ تثبت إدانته، سواء كان متقاعداً أو لا يزال في السلك القضائي، من أجل تطهير الجسم القضائي من ممارسات الفساد والتدخلات السياسية أو المصرفية التي شوهت صورته".
وفي ما يتعلق بالتشكيلات القضائية المرتقبة، رأى عزو أن "المهم هو أن تكون هذه التشكيلات قائمة على معايير الكفاءة والنزاهة، بعيداً عن المحاصصة التي ما زلنا نراها في التعيينات الأمنية، والتي تؤشر إلى استمرار مبدأ الترويكا"، وفي موقف له اليوم الثلاثاء، أكد الرئيس جوزاف عون أن "غياب القضاء العادل يفضي إلى غياب المحاسبة، وعند غياب المحاسبة لا تسود حتى شريعة الغاب، لأن للغاب شريعة، أما هنا، فقد غابت الشرائع كلّها"، وأضاف: "لا يمكن لأي إصلاح أن ينجح ما لم يكن هناك قضاء مستقل وآليات فعّالة للمحاسبة، فحين تغيب الرقابة تصبح القاعدة رشاوى وفساداً بدل أن يكونا الاستثناء".
وختم عون قائلاً: "مع وجود أشخاص مؤمنين بالعدالة، لدينا أمل بأننا قادرون على إصلاح الاعوجاج ومحاربة الفساد والمحاسبة في كل القطاعات، وليس في القضاء فحسب، وعندما تُطبّق القوانين على الجميع بلا استثناء، عندها يمكن القول إن لبنان وُضع على السكة الصحيحة، لكن هذه المسؤولية ليست على عاتقي وحدي، بل هي مسؤوليتنا جميعاً".