تطبيع العرب مع الأسد: لا منافع اقتصادية للسوريين

تطبيع العرب مع الأسد: لا منافع اقتصادية للسوريين

10 مايو 2023
انخفاض قياسي لليرة مقابل الدولار (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -

لم يزرع التطبيع العربي مع نظام بشار الأسد وإمكانية عودته لجامعة الدول العربية أي آمال لدى السوريين لإنعاش الاقتصاد وتحسين معيشتهم، في وقت يتهاوى فيه سعر العملة المحلية لمستوى قياسي جديد، إذ تخطى سعر صرف الدولار 8700 ليرة، في حين يظل الراتب ثابتاً عند 100 ألف ليرة، ولا يكفي سوى لمصاريف يوم واحد، حسب خبراء اقتصاد.
ووفق مراقبين، تحدثوا لـ"العربي الجديد"، فإن التقارب العربي بدأ منذ أكثر من عامين عبر العديد من الدول، إلّا أنّ الأوضاع الاقتصادية السورية واصلت التدهور، ما يعني أن عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية لن تنعكس إيجاباً على معيشة المواطنين في الداخل واللاجئين في الخارج.
وفي هذا السياق، يقول المحلل المالي فراس شعبو إنّه "لا يمكن للاقتصاد المهدم أن يبدأ بالعد التصاعدي وتتولد الآمال لتجنب الفقر والجوع الذي يغرق فيه السوريون بوجود هذا النظام".

ويلفت شعبو، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن بداية الانفتاح الإماراتي والأردني والعُماني على نظام الأسد حملت بعض الآمال للسوريين، لكن، بعد مرور أكثر من عامين، تبيّن أن الخلل بنيوي ومرتبط بنظام ينظر للبلاد على أنها مزرعة ويستغل أي انفتاح أو دعم دولي لصالحه، كما حدث مع مساعدات الزلزال في فبراير/ شباط الماضي، من سرقات وفساد، لتزيد معاناة السوريين ويتراجع سعر الليرة أكثر مما كان عليه قبل الزلزال رغم وصول مساعدات من الدول العربية والأوروبية بمليارات الدولارات.

الأمل المفقود
لم تبدل هرولة العرب باتجاه حضن النظام من واقع السوريين وزرع آمال بانتعاش اقتصادي أو انفراج معيشي، بعد تحولهم خلال سنوات الثورة إلى فقراء. سألت "العربي الجديد" الخبير الاقتصادي أسامة القاضي عن تأثير عودة نظام الأسد لجامعة الدول العربية على الاقتصاد وسعر الصرف، فقال: "أسفنا لتنازل الدول العربية عن حقوق السوريين... لا أمل مع بقاء نظام الأسد".

واعتبر أن ما جرى "أمر سياسي ضمن ترتيب إقليمي ودولي ولن ينعكس على المواطن والليرة والأسعار"، مضيفاً أنّ "الدول العربية ستصطدم بتعنت الأسد وعدم تقديم أي تنازل، ما يحول دون ضخ أموال بالاقتصاد والسوق ويمنع إعادة الإعمار بمساهمة عربية، بخاصة في ظل العقوبات والموقف الأوروبي والأميركي".
ومن جانبه، يقول الأكاديمي السوري عماد الدين المصبح لـ"العربي الجديد": "لم يبق في سورية ما يعوّل على ترميمه، فما زاد عن روسيا أخذته إيران أخيراً، معتبراً أنّ ما جرى من تطبيع، سيزيد من تعنت نظام الأسد وزيادة قبضته على الاقتصاد ومصادرة الحقوق والحريات، لأنّ ذهنية الأسد لا تعترف بالتنازل، بل سيعتبر ما جرى انتصاراً ويزيد من حالات القصاص من السوريين الذين يدفعون من جوعهم ثمن تطلعهم للحرية والعيش بدولة لا بمزرعة لآل الأسد".
بدوره، يقول الاقتصادي السوري محمد حاج بكري لـ"العربي الجديد"، إن تهديم الاقتصاد السوري بلغ "أقصاه" والحكاية لا تحل بإيداع الإمارات بعض المليارات بالمصرف المركزي لتتحسن الليرة أو باستثمار سعودي يعيد الإنتاج والتصدير، معتبراً أنّ سورية تحتاج إلى عقود بشرط سقوط "عصابة دمشق".

أسباب تهاوي الليرة
ومن أكبر الخسائر الاقتصادية التي ترتبت على الحرب واستمرار النظام السوري في سياساته الاقتصادية الخاطئة انهيار العملة المحلية، بحسب أستاذ المالية فراس شعبو، الذي يعتبر في حديثه إلى "العربي الجديد"، أنّ تحوّل مصرف سورية المركزي من مؤسسة حكومية معنية بضبط وحماية النقد إلى شركة مضاربة هو السبب الأهم بما نراه من تراجع مستمر لسعر الليرة.
وكان مصرف سورية المركزي قد عدل في مطلع عام 2023 سعر صرف الدولار خلال النشرات الخاصة بالحوالات، رافعاً بتاريخ 2-1-2023 سعر صرف الدولار بنسبة 50% من 3015 إلى 4522 ليرة، ليتبعه بنشرة 2-2-2023 بتعديل ثان رافعاً سعر تصريف الدولار بنسبة 47% من 4522 إلى 6650 ليرة من دون أن يستقر سعر الصرف أو يتوقف تهاوي الليرة عند أسعار المصرف المركزي، ما دفعه أخيراً إلى رفع ثالث لسعر الدولار من 6650 إلى 7500 ليرة.
ولا ينفي أستاذ المالية أثر أسواق الدول المجاورة على زيادة تسارع تهاوي سعر الليرة السورية، لأن أسواق لبنان والعراق كانت، بشكل أو آخر، متنفسا للسوق السورية، ولكن بعد الأزمات الاقتصادية والنقدية، خاصة بتلك الأسواق، تحولت إلى ضاغط إضافي على سعر الصرف.
لكن، يختم المتحدث، إن عوامل قوة واستقرار النقد بسورية "معدومة"، فبعد تبديد كامل الاحتياطي الأجنبي المقدر بنحو 18 مليار دولار وشلل الإنتاج وتراجع الصادرات والسياحة، لم يبق لليرة ما تستند إليه أو للمتعاملين بها ما يمنحهم الثقة بمكتنزاتهم.

ويقول الاقتصادي السوري محمد حاج بكري إن الأمل بتحسن سعر الليرة "معدوم بواقع بقاء نظام الأسد"، ويشير إلى أن الأمل على التطبيع العربي لإعادة الإعمار أو منح النظام قروضا، كلها مشكوك بها، خاصة بواقع الموقف الأميركي والأوروبي من النظام وعدم رفع العقوبات والتطبيع معه، كما أعلنت واشنطن أول من أمس.

الراتب يكفي ليوم واحد
تنقل مصادر متقاطعة من العاصمة السورية دمشق لـ"العربي الجديد"، تفاقم سوء الواقع المعيشي بعد ارتفاع الأسعار بأكثر من 40% خلال شهر وتبرير الباعة والتجار ذلك بارتفاع سعر الدولار، بل والامتناع عن البيع بذريعة تبدل الأسعار كل ساعة.
وتقول العاملة السابقة بوزارة التجارة الداخلية خولة م. إن "وزارة التجارة انسحبت من الرقابة وضبط الأسعار كما انسحب المصرف المركزي من تحديد سعر الصرف وسياسة القمع السابقة، ما زاد انفلات الأسعار والفوضى بالأسواق، والتسعير أصبح حسب سعر الدولار".
من جهته، يقول الدكتور في كلية الاقتصاد حسن حزوري إن الراتب الذي تدفعه المؤسسات الحكومية لا يكفي أياماً معدودة، بل أصبح لا يكفي مصروف يوم واحد فقط، ولا يكفي نفقات نقل وانتقال من مكان السكن إلى مكان العمل، ما يجعل الموظف يفضل الحصول على إجازة بدل الالتحاق بالعمل.
ويكشف حزوري لصحيفة "الوطن" المقربة من نظام الأسد أن استقالات العاملين بالدولة بازدياد من أجل البحث عن عمل بالقطاع الخاص أو الهجرة خارج سورية، معتبراً أن استمرار الوضع على ما هو عليه الآن، من دون أي تحسن بمستوى الرواتب والأجور، يعني مزيداً من تدهور مؤسسات القطاع العام والمزيد من خسارتها كوادرها البشرية والفنية.
ولم تنفذ حكومة بشار الأسد أياً من وعودها بتحسين مستوى المعيشة، بحسب عضو مجلس الشعب رأفت بكار، خلال مواجهته رئيس حكومة الأسد حسين عرنوس، الذي ادعى التطوير وتحسن مستوى معيشة السوريين.
وكان رئيس اتحاد العمال في حكومة النظام السوري جمال القادري قد طالب أخيراً بتعديل نظام الرواتب والأجور للعاملين في مؤسسات النظام السوري، مشيراً إلى أن الحد الأنى للأجور لا يكفي ليوم واحد.

المساهمون