تصعيد أميركي لعزل روسيا اقتصادياً بعد أن فقد ترامب صبره
وزراء مالية مجموعة السبع ومحافظو بنوكها المركزية، 21 مايو 2025 (Getty)
في خطوة تصعيدية كبرى تعكس تشدّد الإدارة الأميركية حيال الملف الأوكراني، دفعت الولايات المتحدة أمس الجمعة باتجاه حزمة جديدة من الإجراءات الاقتصادية على طاولة مجموعة السبع (G7)، تشمل فرض رسوم جمركية قد تصل إلى 100% على الصين والهند بسبب مواصلتهما شراء النفط الروسي بكميات متزايدة منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا. وأكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مقابلة مع شبكة "فوكس نيوز" أن صبره على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ينفد بسرعة، ملوّحاً بحزمة عقوبات أوسع تشمل المصارف الروسية وقطاع الطاقة وشبكات النقل البحري، ومضيفاً أن الإجراءات الجديدة ستضرب بقوة في حال لم يبدِ الكرملين استعداداً حقيقياً للتفاوض على وقف الحرب. وينظر إلى هذه الرسوم على أنها أقسى إجراء أميركي مقترح ضد أطراف ثالثة منذ بدء الحرب، في محاولة لعزل روسيا اقتصادياً وإجبارها على تقديم تنازلات سياسية.
وبحسب بلومبيرغ، يضغط مسؤولو وزارة الخزانة الأميركية وممثل التجارة الأميركي خلال اجتماع وزراء مالية مجموعة السبع لإنشاء مسار قانوني دولي يتيح مصادرة الأصول السيادية الروسية المجمدة التي تقدر قيمتها بحوالى 300 مليار دولار، أغلبها مودعة في مصارف أوروبية، واستخدام هذه الأصول على نحوٍ مباشر أو أرباحها المتراكمة لتمويل الاحتياجات الدفاعية لأوكرانيا. كما يتضمن المقترح الأميركي فرض عقوبات إضافية على الشركات التي تمد المجمع العسكري الروسي بالمكونات التقنية، واستهداف ما يعرف بـ"الأسطول الخفي" لناقلات النفط الذي تستخدمه موسكو لتجاوز آليات السقف السعري المفروض على صادراتها النفطية، وحظر تقديم خدمات التأمين البحري للسفن التي تنقل النفط الروسي أو المنتجات البترولية إلى آسيا وأفريقيا. ويرى خبراء القانون الدولي أن تنفيذ مثل هذه الخطوة سيكون سابقة غير معهودة في العلاقات المالية الدولية، ما قد يفتح الباب أمام دعاوى قانونية طويلة الأمد من جانب موسكو، لكنه في الوقت نفسه سيعزز قدرة كييف على الصمود مالياً في حرب الاستنزاف.
واستضافت كندا، بصفتها الرئيس الدوري لمجموعة السبع، اجتماعاً طارئاً لوزراء المالية لبحث المزيد من الإجراءات الاقتصادية لزيادة الضغط على روسيا، بحسب بيان وزارة المالية الكندية. وأوضح البيان، بحسب رويترز، أن الوزراء ناقشوا مجموعة واسعة من الإجراءات الاقتصادية الممكنة، بما في ذلك فرض رسوم جمركية عقابية على الدول التي تساعد روسيا عسكرياً أو اقتصادياً، بهدف تقويض قدرتها على مواصلة الحرب. وشدد وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت في الاجتماع على أن الوقت حان ليتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته، داعياً الحلفاء إلى الانضمام للولايات المتحدة في فرض رسوم على الدول التي تمكّن آلة الحرب الروسية، كما شارك ممثل التجارة الأميركي جيمسون غرير في الاجتماع مؤكّداً أن أي تهاون في تنفيذ هذه السياسات سيطيل أمد النزاع ويزيد كلفته الاقتصادية على العالم.
ورغم الدعم السياسي المبدئي من بعض العواصم الأوروبية، إلّا أن تمرير مثل هذه الإجراءات لا يزال يواجه عقبات داخل الاتحاد الأوروبي، إذ تعارض دول مثل المجر فرض عقوبات أشد على قطاع الطاقة خشية تداعياتها على أسعار الغاز والكهرباء وتكاليف الإنتاج الصناعي. ويرى محللون أن فرض رسوم على الصين والهند قد يشعل توترات تجارية مع أكبر اقتصادين آسيويين، ويعيد خلط أوراق سلاسل الإمداد العالمية، في وقت تعاني فيه اقتصادات أوروبا من تباطؤ نمو وتضخم مرتفع. وتخشى شركات أوروبية أن تؤدي الإجراءات الأميركية إلى انتقام تجاري من بكين أو نيودلهي، ما يفاقم الأعباء على القطاعات التصديرية مثل السيارات والآلات والمعدات الصناعية، وفق "بلومبيرغ". ويجعل هذا التباين في المواقف مستقبل الحزمة المقترحة رهين قدرة واشنطن على حشد توافق داخل مجموعة السبع وإقناع الاتحاد الأوروبي بتبني إجراءات منسقة تمنع الالتفاف على العقوبات عبر دول وسيطة.
وشهدت الأسواق تحركات سريعة عقب تسرب تفاصيل المقترح الأميركي؛ إذ ارتفعت أسعار خام برنت بنسبة 0.8% لتغلق قرب 92 دولاراً للبرميل، فيما تراجع اليورو إلى أدنى مستوياته خلال الجلسة عند 1.1734 دولار قبل أن يقلص خسائره لاحقاً. ويؤكد محللو الطاقة أن تشديد العقوبات سيؤدي إلى تقليص الإمدادات العالمية من النفط، ما قد يدفع الأسعار إلى مستويات أعلى خلال الربع الرابع من العام، ويضيف ضغوطاً تضخمية على الاقتصادات المستوردة للطاقة. ويرى خبراء الاقتصاد الكلي أن هذه التطورات قد تحد من قدرة البنوك المركزية، وعلى رأسها الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي، على المضي في سياسات التيسير النقدي، ما يطيل أمد أسعار الفائدة المرتفعة ويدفع المستثمرين إلى إعادة تسعير المخاطر في أسواق الدين.
ويشير مراقبون إلى أن استهداف الصين والهند برسوم جمركية ثانوية يتراوح مستواها بين 50% و100% قد يعيد تشكيل خريطة التحالفات التجارية عالمياً، خصوصاً إذا ما دفعت هذه الإجراءات بكين إلى تعميق شراكتها مع موسكو في مجالات الطاقة والتكنولوجيا، كما أن التضييق على الأسطول الخفي الروسي قد يرفع تكاليف الشحن ويجبر روسيا على تقديم خصومات أكبر لزبائنها الآسيويين، ما يقلص عائداتها النفطية ويضغط على ميزانيتها العامة. وفي حال نجحت واشنطن في حشد حلفائها، فإنّ هذه الإجراءات قد تمهد لجولة جديدة من العقوبات المتدرجة التي تستهدف البنوك الإقليمية الروسية، والتقنيات ذات الاستخدام المزدوج، والخدمات المالية القائمة على الذكاء الاصطناعي، في محاولة لعزل روسيا عن النظام المالي العالمي بصورة أعمق.