استمع إلى الملخص
- تصاعدت الأزمة مع إضراب عمال مصنع "النساجون الشرقيون" في العاشر من رمضان لزيادة العلاوة السنوية، وسط ارتفاع التضخم. كما استغاث عمال شركة "سميتار للبترول" ضد الإجراءات التعسفية.
- تقرير دار الخدمات النقابية والعمالية يشير إلى أن السياسات الاقتصادية الحالية، مثل تعويم العملة وتقليص الدعم، أدت إلى تدهور الأوضاع المعيشية للعمال، داعياً لإعادة النظر في هذه السياسات.
تكررت الاحتجاجات العمالية في مصر في النصف الثاني من الشهر الماضي. وكانت البداية مع دخول ما يقرب من سبعة آلاف من عاملات وعمال شركة الملابس الجاهزة ومصنع تي أند سي للملابس في المنطقة الصناعية في العبور بمحافظة القليوبية شمال القاهرة، في إضرابهم المفتوح عن العمل الذي بدأوه في 16 يناير/ كانون الثاني الماضي، للمطالبة بتطبيق الحد الأدنى للأجور وإيقاف الاستقطاعات التي تتجاوز 20% من رواتبهم.
بعدها قررت إدارة شركة تي آند سي منح العمال إجازة إجبارية، للضغط عليهم من أجل فض الإضراب. وفي أعقاب القبض على عدد من عمال الشركة على خلفية الإضراب، قبل إخلاء سبيلهم بكفالة مالية، كان إضراب آخر يخرج من قلب شركة اينوفا للسيراميك (الفراعنة سابقاً) في محافظة الفيوم جنوب القاهرة، حيث بدأ العمال إضرابهم في 22 يناير، وسط حضور كثيف لقوات الشرطة في محيط المصنع. وكان عمال الشركة قد طالبوا بزيادة الأجور من خلال تطبيق الحد الأدنى للأجور وصرف رواتبهم المتأخرة منذ شهرين، فيما واصل عمال مصنع "الملكة" التابع للشركة نفسها إضرابهم للمطالبة بزيادة العلاوة السنوية الدورية إلى 25% من الأجر الشامل.
وبعدها اجتمع عدد من ممثلي العمال، مع محمد التوني، نائب محافظ الفيوم، بحضور عدد من نواب البرلمان وقيادي بالحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، حيث عرض العمال مطالبهم التي تضمنت صرف راتب شهر ديسمبر/ كانون الأول وانتظام صرف رواتب العمال بما لا يتجاوز الخامس من كل شهر، وتطبيق نظام التناوب لحل أزمة المواصلات، ومنع النقل التعسفي للعمال، وإقرار الزيادة السنوية بحيث لا تقل عن العام الماضي من 800 إلى 1500 جنيه (تعادل ما بين 16 إلى 30 دولاراً).
ثم انتهى إضراب عمال شركة اينوفا بعدما قررت الإدارة منح 57 عاملة، هن كل النساء العاملات في الشركة، إجازة إجبارية تتراوح بين 4 إلى 6 أشهر مقابل تقاضيهن الراتب الأساسي فقط، والاتفاق على صرف الرواتب المتأخرة. بعدها بعدة أيام، وتحديداً في 29 يناير الماضي، أعلن مصنع "النساجون الشرقيون" في المنطقة الصناعية في مدينة العاشر من رمضان (شرق القاهرة) وقف الإضراب ليوم واحد نهاية الأسبوع الماضي، بعد أن تلقوا وعوداً من إدارة الشركة بهيكلة المرتبات خلال 15 يوماً.
وكان العمال، البالغ عددهم أكثر من 20 ألف عامل موزعين على 15 مصنعاً، قد دخلوا في إضراب عن العمل احتجاجاً على تراجع الإدارة عن وعودها بتعديل الأجور، ومن بينها زيادة العلاوة السنوية بنسبة 40%، إلا أنهم فوجئوا بقرار الإدارة تحديدها بنسبة 5% فقط.
ووفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الحكومي، سجل تضخم أسعار المستهلكين في المدن المصرية 24.1% على أساس سنوي في ديسمبر الماضي، مقابل 25.5% في نوفمبر/ تشرين الثاني.
في السياق ذاته، نشرت "لجنة العدالة" الحقوقية استغاثة عمال شركة "سميتار للبترول"، في الصحراء الشرقية في مصر، "للتدخل لمنع الإجراءات التعسفية ضدهم من قبل إدارة الشركة، وذلك عقب وقوف وزير القوى العاملة محمد جبران، في صف الإدارة ضد مطالب العمال" وفق تعبيرها.
وأوضح العاملون في الشركة، طبقاً للجنة العدالة، أن الإدارة الحالية للشركة، تتبع سياسة تهدف إلى تقليص عدد العاملين بشكل تعسفي، وذلك عبر ممارسة ضغوط عليهم لتوقيع استقالات أو استلام تعويضات مالية زهيدة. وأكد العاملون أنهم ظلوا لعامين بلا دخل مع استمرار الفصل التعسفي، ما أدى إلى تدمير حياتهم المعيشية، ومع ذلك لم يتحرك الوزير لإنصافهم، على حد قولهم.
في السياق ذاته، رصدت وحدة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في الشبكة المصرية، في تقرير لها، الخميس الماضي، "ارتفاع شكاوى وتذمر قطاع عريض من العاملين في القطاعين الخاص والعام، نظراً لارتفاع الأسعار وعجزهم عن تلبية المتطلبات الأساسية لأسرهم.. كما أكد العديد منهم أن الحد الأدنى للأجور لم يعد يتناسب مع الارتفاع الجنوني في أسعار السلع الأساسية، في ظل تدهور حاد في القوة الشرائية للجنيه المصري".
وقالت الشبكة، في تقريرها "ازدادت الأزمة حدة مع تسريح آلاف العمال بعد إغلاق عشرات المصانع والشركات خلال السنوات الماضية، بسبب الضغوط الاقتصادية.. بالإضافة إلى ذلك، لم يلتزم أصحاب المصانع والشركات بدفع المرتبات والحوافز المالية في مواعيدها، كما هو الحال في مصانع يونيفرسال (للأجهزة المنزلية)، مما اضطر العديد من العمال إلى ترك وظائفهم والبحث عن مصادر أخرى للدخل".
وأكدت الشبكة أن "الآثار الكارثية لسياسة تعويم الجنيه المصري لم تقتصر على المستثمرين والتجار والمستوردين الذين تضرروا من اختلال السوق والتفاوت الرهيب في أسعار الصرف بين السوق الموازية والأسعار الرسمية المعلنة من البنك المركزي، بل امتدت لتؤثر سلباً على الملايين من المواطنين الذين يواجهون خطر السقوط المباشر تحت خط الفقر".
هذا الغضب العمالي المتصاعد ممتد على مدار سنوات، ووثقته دار الخدمات النقابية والعمالية، في تقريرها السنوي عن حالة الحريات النقابية فى مصر، الصادر قبل أيام، ورصدت خلاله 121 ألفاً و16 انتهاكاً لحقوق العمال خلال العام المنصرم.
وقالت الدار في مقدمة تقريرها إنه "منذ سنوات تكرر الحكومةُ المصرية نفسها في محاولاتها لحل أزمتها الاقتصادية، مُصرَّة على تجرع الدواء نفسه الذي أثبت فشله في علاج العِلَّة الأساسيَّة، ففي كل مرة تتصاعد أزمة نقص العملة، تلجأ الدولة إلى تقليص الاستيراد فتنتج أزمة شح في السلع تؤدي إلى ارتفاع غير مبرر في أسعارها، ثم تعود لتعويم العملة وتزيد من الاقتراض، فترتفع معدلات التضخم إلى مستويات غير مسبوقة.. ورغم فشل هذه السياسات في تحقيق أهدافها، فإنها تظل ماضية في نهجها، غارقة في دوامة من الحلول المؤقتة التي لا تؤدي إلَّا إلى تعميق الأزمة".
وأضاف التقرير: "بالتوازي وتحت وطأة الأزمة الاقتصادية يعاني العمال وضعاً متردياً، في ظل منظومة للأجور متهالكة، تحتل فيها مصر المركز الأخير بين الدول العربية، والمركز 100 عالمياً بمتوسط راتب شهري 219 دولاراً في إحصائيات 2022، والذي يتوقع لها المزيد من التدهور هذا العام في ظل التدهور المستمر في قيمة العُملة المحلية. يضاف إلى ذلك، التناقض الفج في أولويات الإنفاق الحكومي، إذ في الوقت الذي تنفق فيه الدولة بسخاء على مشروعات ليست ضرورية كالمونوريل (قطاع كهربائي)، أو العاصمة الإداريَّة الجديدة (شرق القاهرة)، تؤكد طوال الوقت على ضيق ذات اليد في الإنفاق على ملفات التعليم، والصحة، وتستمر في تقليص الدعم، وأخيراً الهروب من مستويات التضخم عبر تحويل الفتات المتبقية منه إلى الدعم النقدي بديلًا عن العيني".
ولفت التقرير إلى قرار الحكومة الصادر في يونيو/ حزيران 2024 بتخفيض قيمة دعم الخبز، الذي يُعد الغذاء الرئيسي للمصريين، ليبلغ سعره 20 قرشاً، بينما تشرع في تقليص دعم الكهرباء والمواد البتروليَّة، والماء، والغاز المنزلي، ومع طريقة حساب تجعل من فاتورة الاستهلاك أمرًا يتخطى طاقة محدودي الدخل، وعلى النحو الذي يؤدي عملياً إلى القضاء على أي قوة شرائية لأجور العمال.
وأضاف أن "هذه المشهديَّة الكئيبة تضعنا أمام لحظة فارقة، حيث تتطلب الظروف الراهنة إعادة نظر جادة في السياسات الاقتصادية والاجتماعية لضمان حقوق العمال وتحسين مستوى معيشتهم، لتصبح جزءاً من الحل لا مجرد ضحايا لخيارات اقتصادية غير مدروسة لم يشاركوا في وضعها. إما هذا، أو السير في طريق المجهول".