استمع إلى الملخص
- شهدت تركيا زيادة ملحوظة في الاستثمارات الدولية المباشرة، حيث بلغت نحو ملياري دولار في شهري يناير وفبراير 2025، مع تزايد تدفقات رأس المال من الدول الآسيوية والاتحاد الأوروبي.
- تسعى تركيا من خلال برنامجها الاقتصادي الجديد (2025-2027) إلى تعزيز الإنتاج المحلي وجذب الاستثمارات الأجنبية لتحقيق نمو اقتصادي مستدام، مع التركيز على تحسين بيئة الأعمال والبنية التحتية.
يرى اقتصاديون أتراك أن زلزال الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي أعقب فرض رسوم جمركية على نحو 185 دولة، قبل تجميدها لثلاثة أشهر، سينعكس إيجاباً على الاقتصاد التركي، سواءً لجهة زيادة الصادرات التركية وتعويض الأسواق التي ستشهد خللاً في المستوردات والمعروض السلعي، أو لما يتعلّق بجذب الاستثمارات المباشرة المتوقع خروجها من بعض الأسواق نتيجة الرسوم الأميركية والاستفادة من المناخ التركي، الإنتاجي والتصديري، لأن حصة أنقرة كانت الأقل من رسوم ترامب، ولم تتجاوز 10%.
ويتوقع المحلل التركي يوسف كاتب أوغلو أن تستقطب بلاده استثمارات مباشرة، خاصّة من الصين ودول الاتحاد الأوروبي، لأنّ الرئيس الأميركي يستهدف كلا الجانبين بالرسوم المرتفعة، حتى وإن جمّد الرسوم الآن على دول القارة العجوز، ولم يستبعد كاتب أوغلو خلال تصريحه لـ"العربي الجديد" أن تأتي استثمارات كبيرة إلى تركيا التي تتمتع بمناخ جاذب، حسب قوله، وتكاليف إنتاج وأجور عمالة منخفضة، خاصة في قطاعات التكنولوجيا والطاقة وصناعات السيارات، مشيراً إلى زيادة الاستثمارات المباشرة التي جذبتها تركيا خلال الأشهر الأولى من العام الجاري.
وكانت جمعية المستثمرين الدوليين (YASED) في تركيا، قد أكدت أن تركيا استقطبت استثمارات دولية مباشرة بنحو مليارَي دولار خلال شهري يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط 2025، وتضيف الجمعية خلال "نشرة الاستثمارات الدولية المباشرة بالأرقام" أن حجم الاستثمار الأجنبي المباشر الداخل إلى تركيا خلال شهرَي يناير وفبراير من العام الجاري بلغ ملياراً و996 مليون دولار، بنسبة زيادة 92% مقارنة مع الفترة نفسها في العام 2024، فيما تجاوزت القيمة الإجمالية للاستثمارات الأجنبية المباشرة منذ عام 2002 نحو 276 مليار دولار".
واحتلت الدول الآسيوية المرتبة الأولى على صعيد تدفقات رأس المال الاستثماري القادمة إلى تركيا بواقع 49% خلال أول شهرَين من 2025، فيما جاءت دول الاتحاد الأوروبي في المرتبة الثانية بنسبة 21%، ثم القارة الأميركية بنسبة 12%، والدول الأوروبية غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بنسبة 11%، ويزيد توقعات جذب الاستثمارات إلى تركيا، خلال فترة الرئيس ترامب الذي يرى مراقبون أنه سيغيّر من قواعد التجارة ويعيد نظام الحماية لبلده، الأمر الذي سيبدل من خارطة التجارة العالمية ويعيد تشكيلها وفق شراكات وتحالفات جديدة.
ويقول وزير المالية والخزانة التركي محمد شيمشك، إن بلاده قد تكون من الدول القليلة في الأسواق الناشئة التي ستتمكن من الاستفادة من العاصفة الجمركية التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مؤكداً أن انخفاض أسعار النفط ومرونة العلاقات التجارية يمنحان الاقتصاد التركي مساحة للمناورة، ويضيف شيمشك خلال مقابلة مع" فايننشال تايمز" نُشرت أخيراً: "عندما ينقشع الغبار، نأمل ونؤمن أن تركيا يمكن أن تتفوق إيجاباً في نظر المستثمرين مقارنةً باقتصادات ناشئة أخرى".
وكان وزير المالية التركي قد أشار إلى أنه وفي حين يشكل النمو العالمي الضعيف خطراً على صادراتنا، فإنّ معدل التعرِفة الجمركيّة المنخفض نسبياً في بلدنا قد يوفر ميزة نسبية في بعض القطاعات. ومن ناحية أخرى، من المتوقع أن يؤدي الانخفاض في أسعار السلع الأساسية وظروف التمويل المحلي المشدّدة إلى إضعاف الواردات.
ويضيف شيمشك خلال تقييمه لبيانات التجارة الخارجية بعد فرض ترامب الرسوم الجمركية، أن التعرِفات الجمركية الجديدة التي أعلنت عنها الولايات المتحدة ستوفر ميزة لتركيا في بعض القطاعات، مؤكداً تحسّن العجز السنوي في التجارة الخارجية في شهر مارس/آذار بمقدار 7.3 مليارات دولار مقارنة بنفس الشهر من العام السابق، ليصل إلى 84.5 مليار دولار. وعلى الرغم من العجز اليومي، ارتفعت الصادرات في مارس بنسبة 3.2% سنوياً، بينما بلغت نسبة الزيادة في الواردات باستثناء الطاقة 0.8%.
وتعوّل تركيا على جذب الاستثمارات الخارجية لتحقيق برنامجها الاقتصادي الذي يهدف إلى تخفيض نسبة التضخّم وتحسين سعر العملة المحلية جرّاء زيادة تدفق الصادرات إلى الخارج والعملات الصعبة إلى سوقها المحلية، وأعلنت الحكومة التركية، العام الماضي، عن برنامج اقتصادي جديد يمتد بين عامَي 2025 و2027، يهدف إلى تحقيق نقلة نوعية في الاقتصاد التركي من خلال تنفيذ مجموعة من السياسات والإصلاحات الشاملة، ويركز البرنامج الاقتصادي الجديد على تعزيز الإنتاج المحلي وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتحقيق التوازن المالي على المدى الطويل، ويسعى هذا البرنامج إلى تحسين بيئة الأعمال وتطوير البنية التحتية، على الشكل الذي يعزّز من قدرة تركيا على المنافسة عالمياً.
كما يسعى البرنامج إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الاستراتيجية، التي تشمل تسريع وتيرة النمو الاقتصادي بمعدل سنوي يتجاوز 5%، وزيادة حصّة الصادرات التركية في الأسواق العالمية وتقليص العجز التجاري وتحسين كفاءة سوق العمل لتقليل نسب البطالة، وتضع تركيا الاستثمارات الخارجية ضمن هدفها الاستراتيجي منذ وصول حزب "العدالة والتنمية" إلى السلطة عام 2002 إلى جانب زيادة أرقام السياحة والصادرات التي غيّرت مجتمِعةً من هوية الاقتصاد التركي، وأدخلته نادي العشرين بعد أن زاد الناتج المحلي العام الماضي، عن 1.3 تريليون دولار.
واستقطبت تركيا استثمارات دولية مباشرة بقيمة 9.6 مليارات دولار خلال العام الفائت، مرتفعة بنسبة 9% مقارنة بالفترة نفسها من 2023، لتصل إلى 5.5 مليارات دولار، وفق ما أشارت "نشرة الاستثمارات الدولية المباشرة بالأرقام" التي نشرتها جمعية المستثمرين الدوليين (YASED) في تركيا، أمس الاثنين، فيما تجاوزت القيمة الإجمالية للاستثمارات الأجنبية المباشرة منذ عام 2002 نحو 273 مليار دولار، وفق المصدر ذاته.
ويقول الاقتصادي التركي، خليل أوزون لـ"العربي الجديد" إن تركيا باتت مناخاً استثمارياً جاذباً لرأس المال العربي، بعد التقارب والاتفاقات، خاصة مع دول الخليج العربي، بعد أن استقطبت المال الأوروبي، والألماني أولاً، والعين اليوم على الصين والدول الأوروبية وروسيا، بسبب التجاذبات الاقتصادية والسياسية بين الولايات المتحدة وتلك الدول. وهو يعتبر أنّ قطاعات الزراعة والدفاع والتكنولوجيا، إضافة إلى الصناعة، قطاعات مغرية للاستثمار، بسبب توفر المواد الأولية ورخص تكاليف الإنتاج، والأهم برأيه أنّ الصادرات التركية في ازديادٍ وتوسّع بعد ما حققه المنتج التركي أو الذي يُنتج في تركيا، من صدى ومنافسة، في الجودة والسعر.