تركيا تخفض سعر الفائدة 2.5% لتحفيز النمو الاقتصادي

06 مارس 2025
محافظ البنك المركزي التركي فاتح كاراهان بأنقرة، 8 فبراير 2024 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- خفض البنك المركزي التركي سعر الفائدة إلى 42.5% لتحفيز النمو الاقتصادي وزيادة السيولة، مستفيدًا من تحسن الأداء الاقتصادي مثل زيادة الصادرات والسياحة.
- الاقتصاديون يرون ضرورة استمرار خفض الفائدة لدعم النمو، لكنهم يحذرون من مخاطر ارتفاع التضخم، مما يستدعي اتخاذ قرارات نقدية حذرة لضمان السيطرة على التضخم.
- الرئيس أردوغان يشير إلى نمو الاقتصاد وتحسن التجارة، لكن تحديات إقناع المواطنين بالادخار بالليرة مستمرة مع ارتفاع الودائع بالعملات الأجنبية وتوقعات التضخم العالية.

خفضت لجنة السياسة النقدية لدى البنك المركزي التركي، اليوم الخميس، سعر الفائدة على عمليات إعادة الشراء (الريبو)، 250 نقطة أساس إلى 42.5%. ويعني هذا أن تركيا تواصل التراجع عن سياسة التشدد النقدي الصارمة التي اعتمدتها في العام الماضي عبر رفع سعر الفائدة، خلال عام ونصف العام، من 8.5% إلى 50% قبل أن تتراجع وتبدأ بنوع من التيسير النقدي عبر تخفيض سعر الفائدة بنحو 250 نقطة أساس، في ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي، لتبلغ 47.5% وتستمر في يناير/ كانون الثاني الماضي بتخفيض سعر الفائدة بمقدار 250 نقطة أساس من 47.50% إلى 45%.

ويرى الاقتصادي التركي أوزجان أويصال أن بلاده "مضطرة للاستمرار بتخفيض سعر الفائدة لتحرّض على النمو"، الذي تراجع خلال العام الماضي، عبر زيادة عرض السيولة بالسوق ليصار إلى استثمارها بالقطاعات المنتجة، بعد الذي يراه من انفراجات سياسية في المنطقة والعالم، أهمها في سورية، بعد تحريرها، وفي روسيا وأوكرانيا بواقع التسارع باتفاق السلام ووقف الحرب.

وحول أثر سياسة التيسير النقدي على عودة ارتفاع نسبة التضخم، بعد انخفاضها الشهر الماضي، يضيف أويصال، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الأداء العام للاقتصاد التركي بدأ بالتحسن، خاصة على صعيد الصادرات وبدء موسم السياحة، الأمر الذي سيحسن سعر العملة، أو يثبت سعرها على الأقل، كما أن ضرورة النمو وتنمية الصادرات وتشغيل البطالة، برأيه، لا تقلان أهمية عن نسبة التضخم التي ضبطت من خلال الخطة الاقتصادية الحكومية وبدأ مشوار تراجع نسبة التضخم، متوقعاً استمرار تخفيض سعر الفائدة هذا العام لتصل إلى 30% "بالحد الأدنى".

وكان معدل التضخم على أساس شهري قد تراجع إلى 2.27% في فبراير/شباط الماضي وإلى 39.05% على أساس سنوي، وهو أدنى مستوى له منذ نحو عامين، الأمر الذي زاد من إقدام لجنة السياسة النقدية على التخفيض الثالث، على التوالي، لسعر الفائدة. كما كان البنك قد أوضح في بيان سابق أن التضخم الأساسي للسلع لا يزال عند مستويات منخفضة نسبيًا، في حين أن البيانات الخاصة بالربع الأخير من العام الماضي أشارت إلى أن الطلب المحلي يدعم تراجع التضخم.

ويشير محافظ البنك المركزي فاتح كراهان، خلال اجتماع مع رجال الأعمال وممثلي المجتمع المدني في مدينة إسكي شهير، إلى أن السياسات النقدية الصارمة التي تم تبنيها ساهمت في استقرار معدل التضخم ومنع ارتفاعه إلى مستويات أعلى.

وشدد على أن التوجه الحازم في السياسة النقدية أدى إلى إعادة التوازن في الطلب المحلي، وتعزيز قيمة الليرة التركية بشكل حقيقي، وتحسين توقعات التضخم. كما أشار إلى أن التنسيق المتزايد في السياسة المالية سيكون له دور كبير في دعم عملية خفض التضخم، لافتاً إلى أن مستوى الفائدة سيتم تحديده بناءً على معطيات التضخم الفعلية والمتوقعة، بما يضمن تحقيق أهداف البنك المركزي في السيطرة على التضخم.

لكن قرارات البنك المركزي، بحسب كراهان، سيتم اتخاذها بأسلوب حذر يعتمد على تقييم الأوضاع الاقتصادية في كل اجتماع على حدة، مشددًا على أنه في حال ظهور أي تدهور واضح ومستمر في توقعات التضخم، سيتم استخدام الأدوات النقدية بفعالية لمواجهة ذلك.

بدوره، يقول وزير الخزانة والمالية التركي محمد شيمشك إن توقعات التضخم للقطاع الحقيقي (القطاعات الإنتاجية)، شهدت تحسناً كبيراً، مشيراً من خلال منشور على منصة "إكس"، إلى أن التوقعات الشهرية لتضخم القطاع الحقيقي سجلت 1.9 نقطة مئوية، وهو ما يعكس تحسناً ملحوظاً في الآفاق الاقتصادية. 

ويؤكد الوزير شيمشك أن الحكومة ستحافظ على الانضباط في الإنفاق العام من خلال تعزيز القواعد المالية، وستعزز العدالة والكفاءة في النظام الضريبي، واعداً بتحقيق التحول الأخضر والرقمي في الاقتصاد، ومن خلال مبادرات التنمية المحلية والتحول الصناعي "سنرفع مستوى الرفاهية وقوة الإنتاج في كل ركن من أركان بلادنا".

ويذكر أن سياسة التيسير النقدي تعتبر إحدى الآليات التي تلجأ إليها البنوك المركزية من ضمن السياسات النقدية بهدف تحفيز النمو الاقتصادي بعد ضخ الأموال وزيادة السيولة في الأسواق خلال فترات الركود، من أجل تحريك عجلة الاقتصاد وتزايد الاقتراض والاستثمار والإنفاق.

ويحذر اقتصاديون من اعتماد التيسير النقدي بواقع الانكماش، لأن الآثار السلبية لهذه السياسة تكمن باحتمال زيادة التضخم بوتيرة سريعة، خاصة إن كانت الظروف الاقتصادية غير قادرة على التأقلم مع المعطيات المالية الجديدة، سواء الفائدة المنخفضة أو المعروض النقدي الزائد. لكن مراقبين يرون أن الاقتصاد التركي بدأ مرحلة سرعة النمو بعدما اختتم عام 2024 بأرقام قياسية وإنجازات اقتصادية كبيرة على صعيد الصادرات وجسر عجز الميزان التجاري.

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد أكد أن الاقتصاد التركي قد شهد نموا متواصلا على مدار 17 ربعا، مسجلا معدل نمو بنسبة 2.1% في الربع الرابع من العام، في حين بلغ معدل النمو خلال الأشهر التسعة الأولى نحو 3.2%، وهو ما يعكس استمرار الأداء الاقتصادي الإيجابي. ويضيف أردوغان، بحسب وكالة "الأناضول"، أن حجم الاقتصاد الوطني ارتفع من 1.13 تريليون دولار في 2023 إلى 1.26 تريليون دولار بالحساب السنوي عام 2024، كما توقع أن يتجاوز دخل الفرد 15 ألف دولار وأن يصل إلى 17 ألفا بحلول 2025.

وحول التجارة الخارجية، يشير الرئيس التركي إلى أن صادرات العام الماضي بلغت 262 مليار دولار وشهد عجز التجارة الخارجية انخفاضا كبيرا في 2024، إذ تراجع من 106.3 مليارات دولار في 2023 إلى 82.2 مليارا بفارق 24 مليارا دولار.

وأوردت شبكة بلومبيرغ انخفاض مؤشر بورصة إسطنبول 100 القياسي التركي لفترة وجيزة إلى 0.1%، حيث تماشى قرار الأسعار مع التوقعات، فيما لم يتغير الكثير عن الليرة عند 36.43 مقابل الدولار. ورفع البنك المركزي الشهر الماضي، توقعاته للتضخم في نهاية العام إلى 24%، من 21%، على أساس أن ضغوط الأسعار كانت قادمة من مجالات ذات مؤشرات عكسية مثل التعليم والإيجار، والتي قال المسؤولون إنها خارج تأثير السياسة النقدية.

أما التحدي في المستقبل، بحسب بلومبيرغ، فهو إقناع الأتراك بمواصلة الادخار بالليرة مع خفض الأسعار. زادت الودائع بالعملة الأجنبية بنحو 10 مليارات دولار الشهر الماضي، وفقاً لخبراء اقتصاد مجموعة غولدمان ساكس. وخسرت الليرة 3% مقابل الدولار حتى الآن هذا العام، وهي أسوأ أداء في الأسواق الناشئة بعد البيزو الأرجنتيني.

كما أن توقعات التضخم للأسر والشركات أعلى من توقعات البنك المركزي، وقد وصفها صناع السياسات بأنها مخاطر على عملية انكماش الأسعار. وقد يؤدي توقع ارتفاع الأسعار إلى دفع المستهلكين إلى تسريع الإنفاق في الوقت الذي يحاول فيه البنك المركزي تهدئة الطلب. وفي حين تراجعت أسعار المنتجين بشكل أسرع بكثير، ظل النشاط الاقتصادي الذي يقوده المستهلكون قوياً نسبياً.

ونقلت الشبكة الأميركية عن الخبيرين الاقتصاديين في سيتي غروب، إيلكر دوماك وغولتكين إيسيكلار، قولهما قبل القرار: "إن نظرة سريعة على توقعات التضخم القطاعية تسلط الضوء على الطريق المعقد الذي ينتظرنا على جبهة انكماش الأسعار"، مضيفين: "تشير توقعات الأسر والقطاع الحقيقي إلى عملية انكماش أبطأ مما تصورته السلطات"، متوقعين أن يبلغ التضخم في نهاية العام 28%.

المساهمون