تركيا تأمل تعويض فاقد السياحة بالصادرات العسكرية

تركيا تأمل تعويض فاقد السياحة بالصادرات العسكرية

17 مايو 2021
950 مليون دولار من الصادرات الدفاعية في الأشهر الأربعة الأولى من العام 2021 (الأناضول)
+ الخط -

منذ العام 2002، أسّست تركيا بدائل غير تقليدية في بنية إنتاجها وصادراتها، فاعتمدت على القاعدة الصناعية الموجودة منذ تأسيس الجمهورية، لتنتقل، عبر الصناعات العسكرية بعد رفع الميزانية العسكرية إلى أكثر من 25 مليار دولار وزيادة الإنفاق عن 20 ملياراً، من بلد مستورد إلى أوائل الدول المنتجة والمصدرة على مستوى العالم.

وتقول بيانات وزارة التجارة التركية وجمعية المصدّرين الأتراك (TIM) إن صناعة الدفاع والطيران التركية حصدت 950 مليون دولار من الصادرات في الأشهر الأربعة الأولى من 2021، مع تصدر الولايات المتحدة قائمة الدول المستوردة.

وبحسب بيانات وزارة التجارة أخيراً، فقد قفزت صادرات القطاع بنسبة 47.7% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2020، بعد أن زادت مبيعات صناعة الدفاع والطيران إلى الخارج خلال الأشهر الأربعة الأولى من 2021، لتسجل 166.9 مليون دولار في يناير/كانون الثاني، و233.2 مليوناً في فبراير/شباط، و246.9 مليوناً في مارس/آذار و302.5 مليون في إبريل/نيسان.

وجاءت إسطنبول في المرتبة الأولى بصادرات الدفاع والطيران خلال الثلث الأول من العام، حيث ارتفعت صادراتها 86.8% على أساس سنوي لتصل إلى 387.5 مليون دولار، تلتها العاصمة أنقرة مع 204.5 ملايين دولار، ثم قونية وسط تركيا مع 131.7 مليون دولار.

ولجهة المستوردين، أفادت البيانات بأن الولايات المتحدة الدولة المستوردة الأولى من قطاعي الدفاع والطيران في تركيا، بنحو 386 مليون دولار في تلك الفترة بارتفاع بنسبة 56% عن العام السابق، ثم جاءت أذربيجان مع صادرات بقيمة 117.3 مليون دولار بارتفاع 1234% على أساس سنوي، ثم الإمارات مع 90.3 مليون دولار.

أما شهر إبريل/نيسان، فقد كان الأعلى أداء في تاريخ تركيا، إذ حققت أنقرة ارتفاعًا في إجمالي صادراتها خلاله بنسبة 109% مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، وبقيمة 18.8 مليار دولار، وهو أعلى رقم تحققه البلاد في مثل هذا الشهر على الإطلاق.

ويرى مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في إسطنبول، محمد كامل ديميريل، أن تحديات المنطقة، وتحديدا منها ما هو ضد الأمن القومي التركي، إضافة إلى امتناع دول عدة، منها الولايات المتحدة، عن تصدير بعض الأسلحة إلى تركيا، فرضت اعتماد البلد على صناعاتها الدفاعية المحلية.

وتبنت الحكومة سياسة الاكتفاء الذاتي التي رفعت الإنتاج من 20% من حاجتها سنة 2002 إلى أكثر من 77% حاليا، والهدف، بحسب ديميريل، أن تصل الصناعات العسكرية الدفاعية والهجومية عام 2023 إلى 100%.

وعن الآثار الاقتصادية على تركيا، يضيف مدير مركز الأبحاث لـ"العربي الجديد" أن بلاده باتت رابع دولة مصنعة ومصدرة للطائرات المسيرة بالعالم، وهي الآن تعرض طائرات "آقنجي" وتسوّق لها عام 2021، وتتلقى طلبات وستجعل من الصادرات تقفز بشكل كبير، متوقعاً زيادة في صادرات الصناعات الدفاعية بنحو 80% العام المقبل.

كما كشف أن تركيا قررت، بالاتفاق مع روسيا، البدء بتصنيع صواريخ "إس 400" العام المقبل، التي سيتم تشغيل الدفعة الروسية منها العام الجاري.

وتسعى تركيا، بحسب مصادر مطلعة، إلى الاكتفاء الذاتي وتلبية جميع احتياجاتها الدفاعية محلياً، بعدما ارتفع عدد مشاريع الصناعات الدفاعية من 66 عام 2002، إلى أكثر من 612 مشروعا اليوم، ودخول شركات تركية رائدة قوائم أكبر 100 شركة لصناعة الدفاع عالمياً، كشركة "وروكيتسان" و"تي.إيه.آي" و"أسيلسان" التي تعتبر الأكبر والرائدة في تركيا.

كما استثمرت، بحسب المصادر، 12 شركة جديدة هذا العام بنحو 1.4 مليار ليرة تركية في تصنيع معدات الاتصالات، وأنظمة الدفاع الصاروخي، والدروع، والكاميرات الحرارية، وأجزاء الدبابات والطائرات الحربية، لتضاف إلى إنشاء أول وكالة فضاء تركية، إلى خطط الاكتفاء الذاتي في مجال الصناعات الدفاعية.

ويقول المحلل التركي سمير صالحة إن المشكلات التي عانت منها تركيا قبل عقدين، لناحية تأمين احتياجاتها من الأسلحة المتطورة كانت دافعا لتبنيها استراتيجية التصنيع الحربي الوطني، خاصة بعد تلكؤ بعض الدول، ضمن حلف الناتو بمدها ببعض الأنواع من الأسلحة المتطورة.

الأكاديمي والمحلل التركي كان قد قال في تصريح سابق لـ"العربي الجديد" إن بلاده تمكنت من تصنيع معظم احتياجاتها العسكرية وسلمت مدرعات ناقلة جنود، وعربات إسعاف مضادة للقنابل، وطائرات مسيرة بدون طيار استطلاعية ومسلحة، وصواريخ مجنحة متفاوتة المدى، ومسدسات، وأجهزة رادار قادرة على كشف ما وراء الجدران، وغيرها من المنتجات المصنعة بإمكانات محلية.

تعويض فاقد السياحة وبعض الصادرات

ويرى صالحة أن زيادة الصادرات الدفاعية يمكن أن تعوض السوق النقدية عن بعض خلل العرض والطلب الذي أدى إلى تراجع سعر صرف الليرة مقابل الدولار إلى 8.3 ليرات اليوم، وتعويض بعض خسائر السياحة وحتى تراجع صادرات السلع الأخرى، خلال عام كورونا.

في السياق، تدل المؤشرات على أن موسم السياحة في تركيا، سيضرب للعام الثاني على التوالي، بعد تراجع إيرادات السياحة العام الماضي إلى 12.5 مليار دولار، واستمرار التراجع خلال الربع الأول من العام الجاري بنحو 41%، ولم تزد عائدات السياحة، خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري، عن 2.4 مليار دولار بعد تراجع عدد السياح إلى 2.6 مليون سائح، رغم أن الآمال كانت معقودة على 34 مليون سائح لهذا العام بعائدات تقترب من 23 مليار دولار.

ولم تقتصر المنتجات التركية العسكرية على الصناعات البرية، بل وصلت إلى السماء بعدما سلمت العام الماضي القوات الجوية 10 طائرات من دون طيار طراز "أنكا-إس"، التي يمكن التحكم بها عبر أقمار صناعية محلية أيضا.

وتعتبر شركة "بايكار" للصناعات الدفاعية، والمنتجة لطائرات"بيرقدار المسيرة"، من أهم نقلات صناعة الدفاع التركية النوعية، وبدأت تركيا المرحلة الأولى من تطوير نموذج الطائرة المسيرة "بيرقدار تي.بي2" عام 2007، وانتهى النموذج الأوّلي للطائرة في يونيو/حزيران 2009.

وبحلول ديسمبر/كانون الأول 2011، بدأت تركيا في تطوير المرحلة الثانية والإنتاج، وانطلقت المرحلة الثانية في يناير/كانون الثاني 2012، وأجريت أولى تجارب الطيران في 29 أإبريل/نيسان 2014، وسلمت أول 6 طائرات للقوات البرية في نوفمبر/تشرين الثاني 2014، وفي يونيو/حزيران 2015 تم تسليم 6 طائرات أخرى للقوات البرية، لتدخل الطائرة الخدمة رسميا في القوات التركية منذ ذلك الحين.

وتصنف "بيرقدار" ضمن الطائرات العسكرية التكتيكية (مراقبة وهجوم)، يمكنها التحليق على ارتفاع (20 ألفا إلى 27 ألف قدم) نحو 8 آلاف متر، وحمل معدات بوزن 150 كيلوغراما، والطيران حتى 25 ساعة متواصلة.

وتتمتع بإمكانية إجراء مهام المراقبة والاستكشاف والتدمير الآني للأهداف خلال الليل والنهار، إلى جانب قدرتها على تزويد مراكز عمليات القوات المسلحة التركية بمعلومات آنية ترصدها خلال مهمتها بالأجواء.

وتنافس أسعار الطائرات المسيرة التركية نظيراتها العالمية، ففي حين تبلغ تكلفة طائرة أميركية واحدة من طراز "ريبر" 16 مليون دولار، تبلغ تكلفة "بيرقدار" التركية 6 ملايين دولار فقط، الأمر الذي يتيح للدول الأقل ثراء إمكانية تحدي القوى العسكرية الكبرى عبر قدرتها على شراء هذا النوع من المسيرات.

المساهمون