"ترقيع أرقام" موازنة مصر... تدوير الديون وخفض الدعم

30 مايو 2025   |  آخر تحديث: 03:42 (توقيت القدس)
العبء الأكبر يقع على الطبقتين الوسطى والفقيرة (فاضل داود/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- انتهت لجنة الخطة والموازنة في مجلس النواب المصري من إعداد تقريرها النهائي حول مشروع قانون الموازنة للعام المالي 2025/2026، الذي يتضمن مصروفات بقيمة 4.6 تريليونات جنيه وإيرادات بنحو 3.1 تريليونات جنيه، مع استهداف نمو بنسبة 4.5% في الناتج المحلي.

- تواجه الموازنة معارضة بسبب اعتمادها على "ترقيع الحسابات" و"هندسة البيانات"، مما يؤدي إلى تفاقم الديون وتآكل الدعم الموجه للسلع الأساسية، مع زيادة عوائد الضرائب بنحو 800 مليار جنيه.

- يواجه المواطنون أعباءً متزايدة بسبب تراجع الدعم وهيكل الضرائب غير العادل، مع انخفاض دعم المواد البترولية والكهرباء، مما يعكس توجهات اقتصادية "نيوليبرالية صارمة".

انتهت لجنة الخطة والموازنة في مجلس النواب المصري من إعداد تقريرها النهائي حول مشروع قانون الخطة والموازنة للعام المالي 2025/ 2026، الذي يبدأ في يوليو/ تموز المقبل. ويخطط البرلمان مناقشة الخطة بجلساته العامة على عجل، لمدة ثلاثة أسابيع مقبلة، وسط حالة من الغضب الشعبي دفعت بعض الأحزاب إلى تشكيل تحالف برلماني للإعلان عن رفضها مشروع قانون الموازنة برمته، قبل فتح باب المناقشة العامة في البرلمان. وتعلن الحكومة أن الموازنة ستكون الأكبر من نوعها عند حدود مصروفات بقيمة 4.6 تريليونات جنيه، وإيرادات بنحو 3.1 تريليونات جنيه. وتطلق الحكومة على الموازنة بأنها "موازنة النمو والاستقرار والشراكة مع مجتمع الأعمال، وتحسين مستوى المعيشة للمواطنين".

بالرغم من الحملة التبشيرية الرسمية باعتماد أكبر موازنة تحقق زيادة في دخل العاملين في الدولة، والإنفاق على الخدمات العامة، يواجه مجلس الوزراء بحملة معارضة لواحدة من أكثر الموازنات جدلاً، إذ يسميها الخبراء بأنها "الموازنة العرجاء" وهناك من يصفها بـ"ترقيع الحسابات" و"هندسة البيانات" لتظهر النتائج جيدة أمام الناس والأجانب، بينما تكشف تفاصيلها عن تفاقم حاد في الديون المحلية والخارجية، وتآكل فعلي في قيمة الدعم الموجه للسلع الأساسية، وتزايد غير مسبوق في الأعباء الواقعة على كاهل الفئات الأفقر والطبقة المتوسطة.

مصر تستهدف نمو بنسبة 4.5%

يؤكد رئيس لجنة الخطة والموازنة فخري الفقي، في تصريح صحافي، التزام الموازنة بضمانات دستورية للإنفاق على الصحة والتعليم، وتجاوزها لأول مرة بنسب أعلى من الحد الأدنى المقرر في الدستور، والحد من معدلات التضخم ووضع حد للدين العام المتصاعد سنويا. وقالت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي رانيا المشاط إن الموازنة تستهدف تحقيق 4.5% نموا في الناتج المحلي، يمكن أن تتراجع إلى 4%، حال تفاقم التوترات الجيوسياسية والإقليمية وانعكاساتها على منطقة الشرق الأوسط.


في بيان لوزير المالية أحمد كوجك أمام البرلمان، ركز على زيادة علاوة الموظفين في الخدمة المدنية بنسبة 10% ولغير المخاطبين بقانون الخدمة المدنية 15% بحد أدنى 150 جنيها شهريا (الدولار = 49.8 جنيهاً)، اعتبارا من يوليو 2025. تخطط الحكومة لتعيين 75 ألف معلم وإنشاء 17.3 ألف فصل وتطوير 1851 مدرسة، واستكمال مبانٍ في 29 جامعة حكومية، و30 ألف طبيب و10 آلاف موظف بأجهزة تقدم خدمات عامة.

تستهدف الحكومة زيادة عوائد الضرائب بنحو 800 مليار جنيه لتصل إلى 2.6 تريليون جنيه في مشروع الموازنة، ورفع الإيرادات العامة لتصل إلى 3.1 تريليونات جنيه، بنسبة 23%، لمواجهة زيادة متوقعة في المصروفات بنسبة 19.2%، بقيمة 4.6 تريليونات جنيه.

خصصت الحكومة 160 مليار جنيه لدعم السلع التموينية و75 مليارا لدعم المنتجات البترولية و75 مليار جنيه لقطاع الكهرباء، و54 مليار جنيه للإنفاق على التضامن الاجتماعي، و45 مليار جنيه للأدوية والمستلزمات الطبية، و15 مليار جنيه لعلاج محدودي الدخل على نفقة الدولة و27 مليار جنيه لمشروعات الصرف الصحي والنظافة العامة و13.6 مليار لدعم الإسكان لمحدودي الدخل و5.2 مليارات جنيه للسكة الحديد.

تتضمن الخطة خفض العجز الكلي بنسبة 7% وخفض معدل الدين للناتج المحلي إلى 81% والنزول بحجم الدين الخارجي لأجهزة الموازنة ما بين مليار وملياري دولار بنهاية يونيو 2026، وتحسين قدرة الاقتصاد على مواجهة الأزمات العالمية والتحديات الداخلية، والسقف المقرر للاستثمارات العامة.

ديون تلتهم الموازنة

يذكر الباحث الاقتصادي، ونائب رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، إلهامي الميرغني أن موازنة مصر 2025/2026 تتلخص في ديون متصاعدة تلتهم الموازنة، ودعم يتآكل وأعباء تتراكم على الفقراء والطبقة الوسطى.

يبين الميرغني في دراسة اقتصادية موسعة حول الموازنة الجديدة، حصلت "العربي الجديد على نسخة منها، أن الأرقام الرسمية تشير إلى أن إجمالي الدين العام (المحلي والخارجي) قفز من 3974.9 مليار جنيه في يونيو 2018 إلى 11.5 تريليون جنيه في يونيو 2024. هذا التصاعد الحاد في الديون انعكس بشكل مباشر على استخدامات الموازنة، ما يلزم الدولة خلال العام الجديد بسداد فوائد وأقساط ديون بقيمة 4382.6 مليار جنيه، وهو ما يمثل نحو 64.8% من إجمالي الاستخدامات، مقارنة بـ28.5% فقط قبل سنوات قليلة.

هذا يعني أن أقل من 36% فقط من الموازنة سيُخصص للإنفاق على كل القطاعات والخدمات الأخرى.
قال الميرغني في مقابلة مع "العربي الجديد" إن الأخطر في مشروع الموازنة التي ستمرر من البرلمان أن الدولة تقترض لتمويل سداد قروض سابقة، إذ يشكل الاقتراض نحو 52.9% من إجمالي موارد الموازنة، بزيادة واضحة عن السنوات السابقة، ما يشير إلى فشل السياسات الاقتصادية والمالية في كبح العجز وتقليل الاعتماد على الدَّين.

يذكر الميرغني أنه رغم ارتفاع القيمة الإجمالية المعلنة لبند الدعم والمنح إلى 742.5 مليار جنيه، إلا أن تفاصيل هذا الرقم تكشف عن تراجع جوهري في الدعم الحقيقي للمواطنين. فدعم المواد البترولية انخفض من 154.5 مليار جنيه إلى 75 مليارا، لكن هذا الرقم يتضمن ما يُعرف بـ"الدعم المحاسبي" القائم على الفرق بين السعرين العالمي والمحلي للبترول، رغم أن المواطن لا يحصل على البترول بسعر عالمي، لافتا إلى أن الأمر نفسه ينطبق على دعم الكهرباء الذي كان معدوماً عدة سنوات، ثم عاد بقيمة مبالغ فيها هذا العام.

يذكر الميرغني أن هناك بنودا لا علاقة لها بالدعم الاجتماعي الحقيقي – مثل سداد ديون صناديق المعاشات – تضاف لتضخيم قيمة الدعم، رغم أن دعم البطاقات التموينية ظل ثابتاً عند 50 جنيهاً للفرد منذ عام 2018، رغم التضخم الحاد وارتفاع الأسعار، بينما تراجع عدد المستفيدين من 71 مليون مواطن إلى نحو 60.8 مليونا، وانخفضت أيضا كمية الخبز المدعوم المستحق للمواطنين، ما يعكس نية واضحة لتقليص الدعم الفعلي بشكل تدريجي.

العبء الأكبر يقع على الفقراء

تظهر أرقام الموازنة الجديدة بوضوح أن العبء الأكبر يقع على الطبقة الوسطى والفقراء، سواء عبر تراجع الدعم أو من خلال هيكل الضرائب غير العادل، وفقا للميرغني الذي يبين أن ضرائب الدخل تُجبى بشكل رئيسي من الموظفين والعمال، بينما لا تتجاوز ضرائب المهن الحرة – مثل الأطباء والمهندسين والفنانين – 21.2 مليار جنيه.

وبالمقارنة، فإن ضرائب شركات الأموال الكبرى، التي تجني أرباحاً ضخمة، لا تُحصّل منها ضرائب تناسب حجم أرباحها، وبينما ترفض الحكومة فرض ضرائب تصاعدية على الدخول أو الأرباح الرأسمالية، تواصل الاعتماد على الضرائب غير المباشرة – مثل القيمة المضافة – التي يتحملها الجميع بالتساوي، ما يزيد من حدة الظلم الضريبي.

تبقي الموازنة الإنفاق هشا على التعليم والصحة، على الرغم من زيادة عدد السكان وارتفاع الحاجات التنموية، فهناك تراجعا في نسبة الإنفاق على التعليم والصحة من الناتج المحلي الإجمالي إلى مستويات متدنية جداً، إذ لا يتجاوز الإنفاق على التعليم 1.5%، بينما ينخفض الإنفاق على الصحة إلى 1.7% فقط، مقارنة بـ3% التي ينص عليها الدستور.

يتهم الميرغني الحكومة بإحداث تحولات خطيرة في فلسفة الدولة القائمة على رعاية الشعب وتوفير خدماته العامة بعدالة وتساوٍ بين المواطنين، مؤكدا أن الموازنة الجديدة تكرّس توجهات اقتصادية "نيوليبرالية صارمة"، تنزع فيها الدولة يدها عن دورها الاجتماعي.

يصف خبير التمويل والاستثمار رشاد عبده مشروع الموازنة السنوية بأنها عبارة عن "ترقيع" للأرقام لكي تتمكن الحكومة من إخفاء العجز الكبير بها، وزيادة بند الرواتب والأجور، والمبالغة في توقع الإيرادات مقابل محدودية المصروفات، وهي تعلم أنها لن تستطيع الوفاء باحتياجاتها إلا بمزيد من القروض أو بيع الأصول العامة.

في محادثة مع "العربي الجديد"، يشدد عبده "على ضرورة عمل مراجعة جادة لموازنة 2025/2026 التي تكرس نموذجاً لمعادلة مالية تعاني من اختلال دائم بسبب الديون المتزايدة ينعكس على أداء الخدمات العامة المتراجعة وتآكل الدعم واستمرار الاقتراض لتمويل سداد القروض، وتآكل الإنفاق الاجتماعي، مبينا أن الطبقات الوسطى والفقيرة تدفع تكلفة هذه السياسات.

يشير الخبير الاقتصادي أحمد خزيم إلى أن عدم وجود هوية واضحة للاقتصاد في الدستور يلزم الحكومة باتباع منهج اقتصادي يحدد الفئات التي يعمل على حمايتها، بدلا من النظام الحالي الذي يدعي أنه يحمي الفقراء بينما واقعيا يترك الأمور خربة، ويمنح كافة الامتيازات لنخبة من الأغنياء.

يؤكد خزيم أن هندسة الأرقام التي تتبعها الحكومة عند تقديم الموازنة لصندوق النقد والجهات الدولية، التي تطلب بيانات واضحة حول معدلات الدين العام والعجز السنوي وأوجه الصرف والإيرادات بالموازنة، لا يمكنها أن تخفي ما حدث من تراجع في متوسط الدخل الحقيقي للمواطن، إذا ما احتسب ذلك بالعملة الصعبة وخاصة الدولار الذي يمثل 90% من حجم المعاملات المالية للدولة.

يبين خزيم أنه خلال الفترة الماضية، شهد الجنيه المصري عدة موجات من التخفيض، آخرها في مارس/آذار 2024، حين حُرّر سعر الصرف بشكل شبه كامل، ما أدى إلى تراجع قيمته أمام الدولار إلى ما يزيد عن 50 جنيهاً للدولار الواحد (بالمقارنة مع نحو 15-16 جنيهاً قبل سنوات قليلة). وهذا يعني أن الأجر نفسه بالجنيه يساوي الآن دولارات أقل بكثير.

تشير الأرقام إلى أنه رغم تزايد متوسط الأجر الشهري من 3500 جنيها إلى 5000 جنيها عام 2020/ 2021 وإلى 7000 جنيها عام 2023/ 2024 وإلى 8500 جنيها اعتبارا من يوليو المقبل، فإن العودة إلى سعر الدولار مقابل الجنيه سنجده ارتفع من 15.7 جنيها إلى 31 جنيها ثم 50 جنيها على التوالي، ما دفع قيمة الدخل إلى التراجع من 318 دولارا إلى 250 دولارا ليصل إلى 170 دولارا خلال الفترة الزمنية نفسها.

المساهمون