استمع إلى الملخص
- تشمل الخطة الأميركية استخدام المفاوضات مع أكثر من 70 دولة لمنع الصين من شحن البضائع ومنع الشركات الصينية من العمل، بقيادة وزير الخزانة سكوت بيسنت.
- تتحرك الصين لتعزيز دبلوماسيتها التجارية مع دول مثل فيتنام وماليزيا، وأظهرت البيانات الاقتصادية نمواً أسرع من المتوقع، مما يعكس قدرتها على مواجهة التحديات.
تسعى إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لانتزاع التزامات من شركاء الولايات المتحدة التجاريين بعزل الاقتصاد الصيني، مقابل تخفيضات في الحواجز التجارية والرسوم الجمركية التي يفرضها البيت الأبيض، في تحرك يهدف إلى إرغام الرئيس الصيني على الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع ترامب وتقديم تنازلات أو استغلال الحشد الذي تطمح إليه في تعطيل خطوط الإنتاج الصينية وتوجيه ضربة للنمو، وهو ما تراه بكين أنه لن ينجح، إذ تتحرك أيضاً خارجياً لتعزيز تحالفات مضادة، مشيرة إلى تمتع البلاد بالثقة والقدرة اللازمتين لمواجهة التحديات الخارجية وتحقيق أهدافها التنموية.
ويعتزم المسؤولون الأميركيون استخدام المفاوضات مع أكثر من 70 دولة لمطالبتها بمنع الصين من شحن البضائع إلى أراضيها ومنع الشركات الصينية أيضاً من العمل، لتجنب الرسوم الأميركية. تهدف هذه الإجراءات، وفقاً لأشخاص مطلعين على المحادثات، بحسب تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال، إلى عرقلة الاقتصاد الصيني، وإجبار بكين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات بنفوذ أقل قبل المحادثات المحتملة بين ترامب والرئيس الصيني شي جين بينغ. وقد تختلف المطالب الدقيقة اختلافاً كبيراً من دولة إلى أخرى، نظراً لدرجة انخراطها في الاقتصاد الصيني. ولم يستجب البيت الأبيض ووزارة الخزانة لطلبات التعليق، وفق الصحيفة الأميركية.
وأفاد أشخاص مطلعون على المناقشات بأن مسؤولين أميركيين طرحوا الفكرة في محادثات مبكرة مع بعض الدول. وألمح ترامب نفسه إلى هذه الاستراتيجية، يوم الثلاثاء الماضي، حيث صرّح لبرنامج "فوكس نوتيسياس" الذي يبث باللغة الإسبانية بأنه سيدرس تخيير الدول بين الولايات المتحدة والصين، وذلك رداً على سؤال عن قرار بنما الانسحاب من مبادرة الحزام والطريق في فبراير/ شباط الماضي.
يُعد وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت، إحدى أبرز ركائز هذه الاستراتيجية، حيث تولى دوراً قيادياً في مفاوضات التجارة منذ إعلان ترامب تعليقاً مؤقتاً لمدة 90 يوماً للرسوم الجمركية المتبادلة على معظم الدول، باستثناء الصين، في التاسع من إبريل/ نيسان الجاري. وقال أشخاص مطلعون على المناقشات إن بيسنت طرح الفكرة على ترامب خلال اجتماع عُقد في السادس من هذا الشهر، قائلاً إن انتزاع تنازلات من شركاء الولايات المتحدة التجاريين يمكن أن يمنع بكين وشركاتها من تجنب الرسوم الجمركية الأميركية وضوابط التصدير وغيرها من الإجراءات الاقتصادية.
هذا التكتيك جزء من استراتيجية يدفع بها بيسنت لعزل الاقتصاد الصيني، وقد اكتسبت زخماً بين مسؤولي ترامب أخيراً. ولا تزال النقاشات حول نطاق وشدة الرسوم الجمركية الأميركية مستمرة، لكن يبدو أن المسؤولين يتفقون إلى حد كبير مع خطة بيسنت بشأن الصين.
وبجانب الحشد الأميركي الدولي لعزل الصين اقتصادياً، تتضمن الخطة عزل الشركات الصينية عن الاقتصاد الأميركي أيضاً عبر شطب أسهمها في البورصات الأميركية، وهو ما لم يستبعده وزير الخزانة خلال مقابلة حديثة مع قناة فوكس بيزنس.
سبق أن أبدى وزير الخزانة الأميركي رغبته في الحصول على تعهدات مناهضة للصين من شركاء الولايات المتحدة التجاريين. وفي أواخر فبراير/ شباط الماضي، أشار إلى ما وصفها بـ"لفتة لطيفة" من المكسيك في هذا الشأن. وتوجه مفوض التجارة في الاتحاد الأوروبي ماروش شفتشوفيتش إلى الولايات المتحدة، يوم الاثنين الماضي، لإجراء مفاوضات حول الرسوم الأميركية.
وكتب شفتشوفيتش على منصة "إكس" للتواصل الاجتماعي بعد اجتماعه مع وزير التجارة الأميركي هوارد لوتنيك والمبعوث التجاري الأميركي جاميسون جرير في واشنطن: "أنا حالياً في العاصمة واشنطن، لاغتنام المهلة البالغة 90 يوماً للتوصل إلى حل مشترك للرسوم الجمركية غير المبررة". وذكر أن الاتحاد الأوروبي "لا يزال إيجابياً ومستعداً للتوصل إلى اتفاق عادل، بما في ذلك المعاملة بالمثل من خلال عرضنا للرسوم الجمركية البالغة صفر مقابل صفر على السلع الصناعية والعمل على القيود غير الجمركية".
كذلك يزور وزير الإنعاش الاقتصادي ريوسي أكازاوا، واشنطن من الأربعاء حتى الجمعة، لإجراء محادثات مع وزير الخزانة والممثل التجاري الأميركيين، بهدف إقناع ترامب بإلغاء الرسوم الجمركية التي فُرضَت على المنتجات اليابانية. وستكون اليابان من أولى الدول التي تبدأ المفاوضات التجارية مع الولايات المتحدة.
" إما معنا وإما ضدنا"
وتأتي تحركات الإدارة الأميركية للضغط على شركائها التجاريين، بهدف حشدهم تحت شعار "إما معنا وإما ضدنا" الذي رفعته إدارات أميركية سابقة في مناسبات عسكرية وسياسية وتجارية من أجل ممارسة أقصى الضغوط على الدولة المستهدفة. ويعتقد الرئيس الأميركي أن على الصين، وليس الولايات المتحدة، طلب الجلوس إلى طاولة المفاوضات التجارية.
وجاء في بيان صادر عن البيت الأبيض، تلته السكرتيرة الصحافية كارولين ليفيت في مؤتمر صحافي، الثلاثاء الماضي: "الكرة في ملعب الصين، الصين بحاجة إلى عقد صفقة معنا، ولسنا مضطرين إلى عقد صفقة معهم". وأضافت: "لا فرق بين الصين وأي دولة أخرى سوى أنها أكبر بكثير". وفيما أكدت ليفيت أن ترامب منفتح على التوصل إلى اتفاق مع بكين، شددت على أن الصين هي التي يجب أن تبادر أولاً، مشيرةً إلى قوة السوق الاستهلاكية الأميركية باعتبارها عامل ضغط.
وتشتعل التوترات التجارية بين واشنطن وبكين، وقد تفاقم الوضع منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض في العشرين من يناير/ كانون الثاني 2025. وفرض ترامب في البداية رسوماً جمركية على الواردات من الصين بسبب دورها المزعوم في سلسلة توريد مخدر "الفنتانيل" بنسبة 20%، وبعدها أضاف رسوماً أخرى بسبب ممارسات تجارية تعتبرها واشنطن غير عادلة، واستمر في رفعها بالتدريج، إلى أن وصلت إلى 145% على العديد من السلع الصينية، مضافاً إليها رسوماً جمركية من الإدارات السابقة، وردت الصين على ذلك برفع الرسوم الجمركية على السلع الأميركية إلى 125%.
وتزامن ذلك مع فرض ترامب في الثاني من إبريل/ نيسان رسوماً جمركية شاملة على مختلف دول العالم، ثم تعليقها بعد نحو أسبوع، على معظم دول العالم، ولكنه استثنى الصين من تعليق الرسوم. وقال وزير الخزانة إنه لا يزال هناك مجال لإجراء محادثات حول صفقة تجارية محتملة بين الولايات المتحدة والصين. ويجب أن تشمل هذه المحادثات ترامب وشي.
الصين تتحرك خارجياً لدعم دبلوماسيتها التجارية
في المقابل، تمارس الصين دبلوماسيتها التجارية الخاصة. وتوجه الرئيس الصيني، قبل أيام، إلى فيتنام الشريك التجاري الرئيسي للولايات المتحدة الذي تضرر بشدة من رسوم ترامب، ووقع عشرات التعهدات الاقتصادية مع حكومة هانوي. كذلك وصل شي إلى العاصمة الماليزية، كوالالمبور، الثلاثاء، في زيارة تستغرق ثلاثة أيام، ومن المقرر أن يختتم جولته بزيارة كمبوديا.
وحثت وزارة الخارجية الصينية، أمس الأربعاء، الولايات المتحدة على التوقف عن سياسة أقصى الضغوط إذا كانت تريد حقاً حل القضايا من خلال الحوار. وقال شنغ لاي يون، نائب رئيس الهيئة الوطنية للإحصاء في مؤتمر صحافي، وفق ما نقلت وكالة الأنباء الصينية "شينخوا"، أمس، إن زيادات الرسوم الجمركية الأميركية على المنتجات الصينية ستشكل ضغطاً على تجارة الصين واقتصادها على المدى القصير، لكنها لن تغير المسار الإيجابي للاقتصاد الصيني على المدى الطويل.
وأشار شنغ إلى أن الاقتصاد الصيني، منذ الإصلاح والانفتاح، تجاوز تحديات كبيرة واكتسب خبرة واسعة في إدارة الاقتصاد الكلي، موضحاً أن "الصين ستطبق مجموعة قوية من الأدوات تضمن قدرتنا على مواجهة الصدمات والتحديات الخارجية".
وسجل الاقتصاد الصيني نمواً أسرع من المتوقع خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري 2025. وأظهرت بيانات صادرة عن المكتب الوطني للإحصاء، أمس، أن الناتج المحلي الإجمالي نما بنسبة 5.4% على أساس سنوي في الربع الأول، متجاوزاً التقديرات التي كانت عند 5.2% وفقاً لمسح أجرته وكالة بلومبيرغ الأميركية لآراء خبراء اقتصاديين.
وشهد الإنتاج الصناعي في مارس/ آذار نمواً بنسبة 7.7%، وهو أسرع معدل منذ يونيو/ حزيران 2021. كذلك ارتفعت مبيعات التجزئة بنسبة 5.9%، لتسجل أقوى وتيرة منذ ديسمبر/ كانون الأول 2023.
قالت ميشيل لام، كبيرة الاقتصاديين لمنطقة الصين الكبرى لدى بنك "سوسيتيه جنرال": "المفاجأة الأبرز هي في مبيعات التجزئة، ما يشير إلى أن إعانات الاستهلاك بدأت تؤتي ثمارها"، مضيفة أن "أرقام الإنتاج الصناعي كانت أعلى من التوقعات، لكنها مفهومة في ضوء بيانات التصدير القوية. غير أن كل ذلك أصبح من الماضي الآن"، وفق ما نقلت الوكالة الأميركية.
وتتخذ بكين خطوات لحماية اقتصادها من الرسوم الجمركية الأميركية من خلال التوسع السريع في أسواقها المحلية لاستيعاب المجموعة الضخمة من المنتجات "المصنوعة في الصين" التي يُحظر تصديرها فعلياً إلى الولايات المتحدة. وأشار المكتب الوطني للإحصاء، أمس، إلى أن مبيعات معدات الاتصالات، بما في ذلك الهواتف الذكية والأجهزة المنزلية، قفزت بنسبة 27% و19% على التوالي.
ولكن حتى مع الدعم الحكومي القوي، يقول المصدرون، وفق تقرير لصحيفة واشنطن بوست، إنه لن يكون من السهل تغيير مسارهم. ويعود ذلك جزئياً إلى أن الأميركيين ينفقون أكثر، إذ يُشكّل استهلاك الأسر ما يقرب من 70% من الناتج المحلي الإجمالي الأميركي، مقارنةً بأقل من 40% في الصين.
ووسط تصاعد الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، فإن سلاسل التوريد العالمية مهددة بشكل خطير، ولا سيما إذا نجحت الولايات المتحدة في حشد دول لعزل الصين، ما يرفع معدلات التضخم عالمياً ويتسبب في تعثر الكثير من الدول الهشة اقتصادياً ومالياً.