ترامب يريد خفض الفائدة... وسياساته تدعم تثبيتها

26 يناير 2025
الرئيس الأميركي دونالد ترامب، واشنطن 21 يناير 2025 (واشنطن بوست)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تتعارض سياسات ترامب الداعمة للشركات مع رغبته في خفض الفائدة، حيث تعزز هذه السياسات موقف بنك الاحتياط الفيدرالي الذي يفضل تأخير التيسير النقدي، مدعومًا بارتفاع مؤشر التفاؤل للأعمال الصغيرة.
- الانتعاش في الصناعة التحويلية وخطط التوظيف تدفع البنك الفيدرالي للبقاء في وضع الانتظار، مع توقع نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.7%، مما يفسر تفوق الاقتصاد الأميركي.
- يواجه الاقتصاد الأميركي ضغوطًا تضخمية متزايدة، مما يتطلب من البنك الفيدرالي التريث قبل اتخاذ قرارات جديدة بشأن خفض الفائدة، مع مراقبة تطورات السوق بعناية.

في الوقت الذي يعلن فيه بكل قوة وصراحة رغبته في خفض معدلات الفائدة الأميركية، لا تبدو سياسات دونالد ترامب الداعمة للشركات الأميركية والاقتصاد الأميركي متوافقة مع هذا التوجه، إذ يرى محللون أنها قد تزيد من قوة موقف بنك الاحتياط الفيدرالي الحالي، الذي يفضل تأخير عملية التيسير النقدي لفترة من الوقت.

وكان الرئيس دونالد ترامب في كامل ثقته وعزمه خلال حديثه إلى المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس هذا الأسبوع، حيث تعهد بـ "مطالبة" البنك الفيدرالي بخفض الفائدة. ومن المفارقات أن الحماس الذي أثاره ما تم إعلانه من سياسات قبل وبعد انتخابه قد يكون السبب الذي يدفع البنك المركزي إلى التوقف عن إجراء المزيد من التخفيضات، وفقاً لما ذكره موقع بريتبارت نيوز، وهو موقع إلكتروني أميركي هام للأخبار والتحليلات.

وارتفع مؤشر التفاؤل الخاص بالأعمال الصغيرة، الصادر عن الاتحاد الوطني للأعمال الصغيرة (NFIB)، إلى 105.1 في ديسمبر/كانون الأول، وهو مستوى لم يُشاهد منذ أكتوبر/تشرين الثاني 2018، بدعم من التوقعات المتعلقة بخفض الضرائب، وإلغاء القيود التنظيمية، وإعادة تشكيل المشهد الاقتصادي عبر التعريفات الجمركية. وفي الوقت نفسه، قدم مؤشر مديري المشتريات الأميركي الفوري لشهر يناير/كانون الثاني من ستاندرد أند بورز غلوبال جرعة مضاعفة من الأخبار السارة: حيث عادت الصناعة التحويلية إلى منطقة النمو للمرة الأولى منذ ستة أشهر، واستمر قطاع الخدمات في التوسع للشهر الرابع والعشرين على التوالي. وبهذه التطورات، يكون تفاؤل الأعمال، الذي يمثل الإكسير الغامض للنشاط الاقتصادي، قد وصل إلى أعلى مستوى له منذ منتصف عام 2022.

البنك الفيدرالي سيتوقف عن خفض الفائدة

تقول الحكمة التقليدية إن البنك الفيدرالي يخفض أسعار الفائدة لتحفيز الاقتصاد عندما يتباطأ. وعندما بدأ البنك بخفض الفائدة في سبتمبر/أيلول، كان يقول إنه يفعل ذلك لتجنب ما اعتبره رياحًا معاكسة متزايدة تهدد سوق العمل. ولكن انتخاب ترامب غيّر بشكل كبير التوقعات الاقتصادية، حيث تتعارض المعنويات المرتفعة حاليًّا مع أي إحساس بالحاجة العاجلة للتيسير.

وكشف تقرير الاتحاد الوطني للأعمال الصغيرة عن تفاؤل صافٍ بنسبة 52% بين أصحاب الأعمال الصغيرة تجاه تحسن الاقتصاد، وهو أقوى قراءة منذ عام 1983، الأمر الذي يبتعد تماماً عن أي صرخات استغاثة يمكن لأي اقتصاد أن يوجهها إلى البنك المركزي لطلب الدعم بخفض الفائدة، ويقترب مما اعتبرته وكالة بلومبيرغ استعراضاً للنصر. وبينما لفتت "مطالبة" ترامب بخفض الفائدة الأنظار، فإن الانتعاش المتزايد في الصناعة التحويلية وخطط التوظيف لدى الأعمال الصغيرة من المرجح أن تُبقي البنك الفيدرالي في وضع الانتظار.

ويتوقع الاقتصاديون الذين استطلعت بلومبيرغ آراءهم أن تُظهر التقديرات الأولية للحكومة بشأن الناتج المحلي الإجمالي للربع الرابع، وهو مجموع السلع والخدمات المنتجة، زيادة سنوية بنسبة 2.7%، في أعقاب ربعين متتاليين من النمو بنسبة تقارب 3%. وتقول بلومبيرغ إنه من المتوقع أن تُظهر بيانات الناتج المحلي الإجمالي أن استهلاك الأفراد للسلع والخدمات تجاوز وتيرة سنوية تبلغ 3% للربع الثاني على التوالي، مدعومًا بسوق عمل قوي، الأمر الذي يفسر جزئيًّا كيف تواصل الولايات المتحدة التفوق على الاقتصادات المتقدمة في أوروبا وحول العالم.

وأصبح لدى مسؤولي البنك الفيدرالي متغيرات جديدة يتعين عليه أخذها في الاعتبار، إذ يَعِدُ ترامب بخفض الضرائب، وإلغاء القواعد المقيدة للبنوك والمؤسسات المالية، مع فرض التعريفات الجمركية، وهي ركائز أجندته الاقتصادية، بصورة ستُعيد بالتأكيد تشكيل أنماط الإنفاق والتجارة، رغم أن تأثيرها لا يزال يشكل علامة استفهام للمسؤولين في البنك الفيدرالي.

وتسيطر على البنك الفيدرالي حالياً، كما المواطنين والشركات، أسئلة تتعلق باحتمالية أن تؤدي التعريفات الجمركية إلى رفع أسعار الواردات أو تحويل سلاسل التوريد، وبقدرة إجراء كخفض الضرائب على تحفيز الاستثمار من دون التسبب في زيادة التضخم من جديد. ورغم أن إجابات تلك الأسئلة ما زالت غير واضحة، لكن من المرجح أن تؤدي سياسات ترامب إلى فترة طويلة من النمو غير التضخمي، نتيجة لزيادة الإنتاج والتوسع في العرض. وسيكون البنك الفيدرالي حريصًا على رؤية كيفية تطور هذه الأمور قبل اتخاذ المزيد من قرارات خفض الفائدة.

التفاؤل يتزايد، ولكن الضغوط التضخمية تتزايد أيضًا.

ولكن ليست كل الأخبار جيدة، حيث لا يزال الاقتصاد الأميركي يواجه شبح التضخم المقلق، حتى مع اختفاء إدارة بايدن من المشهد. وأشار تقرير الاتحاد الوطني للأعمال الصغيرة إلى أن 20% من أصحاب الأعمال الصغيرة اعتبروا أن ارتفاع تكاليف المدخلات هو أكبر مخاوفهم. وفي الوقت نفسه، أظهرت بيانات ستاندرد أند بورز غلوبال تسارع الضغوط السعرية، مع ارتفاع تكاليف المدخلات وأسعار البيع بأسرع وتيرة في أربعة أشهر. وأظهر استطلاع جامعة ميشيغن لمعنويات المستهلكين ارتفاعًا حادًّا في توقعات التضخم. وتقدم هذه الإشارات التضخمية مزيدًا من الأسباب للبنك الفيدرالي للتريث.

وأشار كريس ويليامسون، كبير الاقتصاديين في ستاندرد أند بورز غلوبال، إلى أن التفاؤل في القطاع التصنيعي واضح، مدفوعًا بالتوقعات بسياسات مؤيدة للشركات الأميركية. ومع ذلك، يُبرز شبح التضخم المستمر المعضلةَ التي يواجهها البنك الفيدرالي، ما يجعل رسالة رئيسه جيروم باول الأكثر احتمالًا هي أن البنك الفيدرالي مستعد لخفض الفائدة مجددًا، ولكنه يفضل التوقف في الوقت الحالي للسماح للبيانات بتوجيه الخطوة القادمة.

المساهمون