ترامب يخرّب اقتصاد العالم

04 ابريل 2025
داخل أحد المتاجر الاستهلاكية في نيويورك، 1 إبريل 2025 (سبنسر بلات/ Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسوماً جمركية تصاعدية على بضائع عالمية، مما يهدد الاقتصاد العالمي بارتفاع الأسعار والتضخم والركود الاقتصادي، مع تأثيرات على سلع مثل السيارات والأدوية والصلب.
- الأسواق العربية قد تتأثر بدرجة أقل بسبب ضعف صادراتها إلى الولايات المتحدة، بينما تواجه دول مثل الصين والاتحاد الأوروبي تأثيرات كبيرة، مما يزيد من احتمالات نشوب حرب تجارية.
- ردود الفعل العالمية كانت عنيفة، مع قلق من تأثير الرسوم على الاقتصاد العالمي، ودراسة الاتحاد الأوروبي لإجراءات مضادة، وتوقعات بارتفاع أسعار منتجات شركات كبرى.

من المتوقع أن تُحدث الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على بضائع وسلع كل دول العالم، بدءاً من 10% وتصاعدياً حتى 41%، خللاً كبيراً في الاقتصاد العالمي وتؤثر بشكل كبير على نشاط الأسواق وحركة التجارة الدولية، ويتضرر منها صغار المستهلكين قبل كبار الأثرياء، وتعيد شبح التضخم وغلاء الأسعار والركود والتشدد النقدي وزيادة أسعار الفائدة وتكلفة الإنتاج.

ولن تقتصر موجة الغلاء المتوقعة على أسعار السيارات والمركبات التي استهدفتها رسوم ترامب بنسبة مرتفعة تبلغ 25%، بل ستمتد إلى أسعار الأدوية ومنتجات الصلب والألومنيوم والمواد الخام ومشتقات الطاقة والسلع الكهربائية والرقائق الإلكترونية وتجارة التجزئة والتجارة الإلكترونية وصناعة أجهزة الكمبيوتر، وغيرها من السلع المرتبطة مباشرة بالمستهلك.

ومن المتوقع أيضاً أن تكون للرسوم ارتدادات على الأسواق العربية، خاصة الدول التي لها علاقة تجارية نشطة مع الولايات المتحدة، إلا أن التوقعات الأولية تشير إلى أن العديد من تلك الأسواق لن تتأثر بشكل كبير مع صادراتها الضعيفة للولايات المتحدة. كما أن حجم الصادرات الأميركية إلى الأسواق العربية صغير، إلى الدرجة التي لن تؤدي إلى حدوث موجات غلاء حادة داخل تلك الدول وفق محللين، وذلك بالمقارنة مع الدول الأخرى المستهدفة من الرسوم، وفي المقدمة الصين التي فرض ترامب عليها رسوماً بنسبة 34%، والاتحاد الأوروبي 20%، وكذا كندا والهند والمكسيك وبريطانيا وسنغافورة وكوريا الجنوبية والبرازيل، وهي التي تتمتع بتعاملات ضخمة مع الولايات المتحدة خاصة في مجالات الأدوية والتكنولوجيا والسيارات.

وفيما يحبس العالم أنفاسه ترقباً للتداعيات الخطيرة لرسوم ترامب، فقد تصاعدت المخاوف داخل الأسواق من رد الدول الأخرى بإجراءات مضادة وعنيفة ورسوم انتقامية للقرارات الأميركية، ما ينذر بنشوب حرب تجارية شاملة تقوض النشاط الاقتصادي العالمي، وتحد الطلب على المواد الخام والمعادن الصناعية مثل النحاس الذي تراجعت أسعاره في البورصات العالمية خلال تعاملات أمس الخميس، وسط مخاوف ركود الاقتصاد العالمي بعد شن ترامب حرباً تجارية على كل الدول.

وبينما وصف ترامب فرض تعرفات جمركية أميركية ترقبها العالم لأيام بالحدث التاريخي ويوم التحرير لبلاده. فقد جاءت ردود فعل الأسواق والشركاء التجاريين وخبراء الاقتصاد عنيفة على الرسوم الجماعية التي يتوقع أن تؤدي إلى تأثيرات اقتصادية واسعة، إذ وصف كبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي، كين روغوف، تقييمه للرسوم الجديدة في برنامج "تقرير الأعمال العالمي" على قناة بي بي سي بأن ترامب "ألقى للتو قنبلة نووية على النظام التجاري العالمي". وقال الخبير الاقتصادي إن احتمالات وقوع الولايات المتحدة، أكبر اقتصاد في العالم، في حالة ركود ارتفعت إلى 50% على خلفية هذا الإعلان.

وفي إعلان أول من أمس الأربعاء، شملت الرسوم الجمركية الجديدة لترامب 184 دولة وجزيرة وإقليماً، بخلاف دول الاتحاد الأوروبي الـ27، ما يعني أن معظم دول العالم شملتها الرسوم التي فُرضت بنسبة لا تقل عن 10%. كما فرض ترامب ضرائب على العديد من الدول الآسيوية كاليابان وفيتنام وماليزيا وإندونيسيا والهند وباكستان وتايلاند وتايوان. وكشف أنه سيتم فرض رسوم بنسبة 30% على جنوب أفريقيا، و31% على سويسرا، و49% على كمبوديا، و24% على اليابان. وشملت الرسوم معظم الدول العربية، وفي المقدمة دول الخليج ومصر والعراق وسورية ودول المغرب العربي التي استهدفها ترامب برسوم تبدأ من 10% وحتى 41% كما مع سورية.

وعلى مستوى حركة التجارة الدولية قالت "ميرسك"، ثاني أكبر شركة لشحن الحاويات على مستوى العالم، إن تلك الرسوم تحمل آثاراً سلبية بالنسبة للاقتصاد العالمي واستقرار حركة التجارة. وتوقعت تزايد حالة الحذر لدى عملائها تجاه المخزونات، وارتفاع الطلب على الشحن الجوي للولايات المتحدة على المدى القصير قبل دخول الرسوم الجمركية حيز التنفيذ. في حين قالت منافستها الألمانية "هاباغ لويد" في تصريحات نقلتها "رويترز"، إن الرسوم الأميركية والردود المحتملة من الدول الأخرى قد تؤثر سلباً على الطلب على الشحن البحري وتدفقات الشحنات، وترفع تكاليف الشحن. وأضافت أنه يصعب تقدير الآثار الكلية لهذه التطورات وأمدها.

المخاوف لدى الأسواق العالمية انتقلت إلى قطاع الأعمال الأميركي، حيث قال وزير الخزانة الأميركي السابق، لورانس سامرز، لوكالة بلومبيرغ إن الزيادات في الرسوم الجمركية ستؤدي إلى صدمة اقتصادية في جانب العرض، وتضع بنك الاحتياطي الفيدرالي في موقف صعب للغاية. ورأى الملياردير ومؤسس صندوق التحوط "بريدج ووتر"، راي داليو، أن الرسوم المرتفعة تُسبب تضخماً للعالم ككل، فضلاً عن انكماش اقتصادي بالنسبة للدول التي تعتمد على التصدير إلى الولايات المتحدة، وتُسبِّب تضخماً أكبر للمستورد الذي يفرض رسوماً مرتفعة. وبالرغم من اعترافه بأن الرسوم المرتفعة تُقلل كفاءة الشركات الأميركية بسبب اختناق سلاسل التوريد، لكنها ستصبح أكثر قدرة على البقاء بفضل تزايد الطلب عليها من قبل المستهلكين المحليين.

وتهدد الجولة الأحدث من رسوم ترامب بتوجيه ضربة أكبر لاقتصاد الصين عما حدث في الحرب التجارية الأولى، وفقاً لوكالة بلومبيرغ. وقال مصرف سيتي غروب الأميركي إن الرسوم الأميركية بنسبة 54% على السلع الصينية المعلنة منذ بدء ولاية ترامب الثانية قد تخفض الناتج المحلي الإجمالي للصين بنحو 2.4% هذا العام. كما توقع اقتصاديو مصارف غولدمان ساكس وبي إن بي باريبا وسوسيتيه جنرال وآي إن جي، بنك تعرض اقتصاد الصين لضربة تتراوح بين 1% إلى 2%. وذكر اقتصاديو مصرف مورغان ستانلي في تقرير أن صدمة التعرفات الأميركية ستكون أعلى بكثير وأوسع نطاقاً عن الفترة من 2018 إلى 2019.

أوروبياً، بدت دول القارة منزعجة جداً من رسوم ترامب، وهو ما عبر عنه محافظ البنك المركزي الألماني وعضو مجلس محافظي البنك المركزي الأوروبي، يواكيم ناجل، الذي رأى أن الرسوم تهدد الاقتصاد العالمي. وأوضح في بيان، أمس الخميس، أن قرارات الإدارة الأميركية بفرض التعرفات الجمركية تهدد الاستقرار الاقتصادي العالمي، وستؤدي لانخفاض النمو الاقتصادي وارتفاع الأسعار. وجاء البيان بعد ساعات من إعلان ترامب موجة جديدة من التدابير التجارية تشمل فرض تعرفات بنسبة 20% على واردات الاتحاد الأوروبي، والتي ستدخل حيز التنفيذ في التاسع من إبريل/ نيسان الحالي.

ووفق "بلومبيرغ" قال المسؤول المالي الأوروبي إن الرسوم الجمركية ستختبر إنجازات السياسة النقدية، وإن المركزي الأوروبي الذي سيصدر قراره التالي في السابع عشر من إبريل، سيضطر لإعادة تقييم الوضع.

أما رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون ديرلاين، فوصفت رسوم ترامب بأنها ضربة موجعة وقوية للاقتصاد العالمي، وأكدت استعداد الاتحاد الأوروبي للرد بإجراءات مضادة في حال فشلت المفاوضات. وقالت إن الاتحاد يعد بالفعل تدابير مضادة إضافية ضد الرسوم الأميركية. وأضافت في بيان تُلي في العاصمة الأوزبكستانية طشقند أمس الخميس، قبيل قمة للشراكة بين الاتحاد الأوروبي وآسيا الوسطى: "نضع بالفعل اللمسات الأخيرة على الحزمة الأولى من الإجراءات المضادة رداً على الرسوم الجمركية على الصلب". وأضافت: "ونستعد الآن لمزيد من التدابير المضادة لحماية مصالحنا وأعمالنا في حال فشلت المفاوضات".

وفي بريطانيا، اعترف رئيس وزرائها كير ستارمر، أمس، خلال اجتماع مع قادة الأعمال في "داونينغ ستريت"، بأن الرسوم التي أقرّها ترامب سيكون لها "تأثير" على الاقتصاد البريطاني. وقال إن "من الواضح أن القرارات التي اتخذتها الولايات المتحدة سيكون لها تأثير اقتصادي، على الصعيدَين المحلي والعالمي. لكنني أريد أن أكون واضحاً: "نحن مستعدون، لأن إحدى نقاط القوة التي يتميز بها بلدنا هي قدرتنا على الحفاظ على الهدوء".

وفي ألمانيا، قال وزير الاقتصاد، روبرت هابيك، إن ترامب سينهار تحت الضغط، ويغير سياساته المتعلقة بالرسوم الجمركية إذا ما تضافرت جهود أوروبا. وندّد اتّحاد صناعة السيارات الألماني (في دي إيه) بالرسوم الجمركية التي فرضها ترامب الأربعاء على صادرات بلاده من دول العالم أجمع، مطالباً الاتحاد الأوروبي بالردّ عليها بقوة كونها "ستُسبّب خسائر فادحة". وقال الاتحاد الذي يمثّل قطاع صناعة السيارات الألمانية في بيان إنّ "الاتحاد الأوروبي مُطالب الآن بالعمل معا وبالقوة اللازمة، مع الاستمرار في التعبير عن استعداده للتفاوض".

وفي أول رد فعل من قطاع الأعمال الألماني على رسوم ترامب، تعتزم "فولكس فاغن"، عملاق صناعة السيارات، رفع أسعار سياراتها في الولايات المتحدة بسبب الرسوم الجمركية على واردات المركبات، بحسب صحيفة وول ستريت جورنال، التي قالت إن شركة السيارات الألمانية تعتزم فرض "رسوم استيراد" على السيارات المتأثرة بالتعرفات الجمركية البالغة 25% التي فرضها ترامب.

ونقلت الصحيفة عن مذكرة للشركة موجهة إلى تجار التجزئة في الولايات المتحدة، أن "فولكس فاغن" أوقفت شحنات السيارات بالسكك الحديدية من المكسيك، وستحتفظ بالسيارات المنقولة بحراً من أوروبا في الموانئ الأميركية لحين وضوح سياسة التسعير الجديدة. وأبلغت الشركة التجار أنها ستقدم مزيدًا من التفاصيل حول سياسة التسعير الجديدة للسيارات المتأثرة بالتعرفات الجمركية بحلول منتصف الشهر الجاري، وتخطط لبدء توزيع هذه المركبات على المتاجر بحلول نهاية إبريل.