ترامب يجدّد انتقاداته للسيارات اليابانية قبل زيارة بيسنت إلى طوكيو
استمع إلى الملخص
- منذ عودته للرئاسة في 2025، يسعى ترامب لإعادة صياغة اتفاقيات التجارة الثنائية، بهدف تحسين شروط دخول المنتجات الزراعية الأميركية إلى اليابان، وسط توترات مع الاتحاد الأوروبي والهند.
- التوتر التجاري قد يؤدي لارتفاع أسعار السيارات اليابانية وتهديد الاستثمارات اليابانية في الولايات المتحدة، مما يزعزع الاستقرار التجاري الدولي في ظل التعافي الاقتصادي بعد جائحة كورونا.
جدّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يوم الأحد، انتقاداته الحادة لميزان التجارة بين الولايات المتحدة واليابان، لا سيّما في قطاع السيارات، وذلك قبل أيام قليلة من زيارة وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت إلى طوكيو، وهي زيارة يُتوقع أن تزيد من الضغوط على الحكومة اليابانية الائتلافية الهشة، وفقاً لـ"بلومبيرغ". وقال ترامب في تصريحات أدلى بها للصحافيين في العاصمة واشنطن: "إنهم يبيعون لنا ملايين السيارات سنوياً، بينما نحن لا نبيع لهم شيئاً، لأنهم لا يقبلون سياراتنا، كما أنهم لا يقبلون كثيراً من منتجاتنا الزراعية أيضاً".
وكان ترامب قد أعلن الأسبوع الماضي عزمه رفع الرسوم الجمركية على الواردات اليابانية إلى 25%، ابتداءً من الأول من أغسطس/ آب، وذلك بعد أشهر من المفاوضات التي باءت بالفشل بين كبير المفاوضين اليابانيين، ريوسِيي أكازاوا، ومستشارَي ترامب التجاريَين. ومن المقرّر أن يزور بيسنت، أحد أبرز ثلاثة مفاوضين يقودون جهود واشنطن لإبرام اتفاقات تجارية عالمية، معرض "إكسبو 2025" العالمي في أوساكا في 19 يوليو/ تمّوز، إلّا أن مصادر دبلوماسية لم تؤكد حتى الآن عقد اجتماعات تجارية رسمية على هامش الزيارة.
وبحسب "بلومبيرغ"، يمثل قطاع السيارات وقطع الغيار ما يقارب 80% من فائض اليابان التجاري مع الولايات المتحدة، وكانت إدارة ترامب قد فرضت في وقت سابق رسوماً قطاعية بنسبة 25% على هذه المنتجات، في إطار مساعٍ لإعادة التوازن التجاري بين البلدَين. ورغم هذه الإجراءات، يواصل ترامب انتقاد ما يصفه بـ"عزوف" المستهلكين اليابانيين عن شراء السيارات الأميركية. ورداً على هذه الاتهامات، قال رئيس الوزراء الياباني شيغيرو إيشيبا إنّ السيارات الأميركية "تُصنّع بمقود يسار، وكبيرة الحجم، وغير موفرة للوقود"، وهو ما يجعلها غير مناسبة للطرقات والسوق اليابانية التي تفضل السيارات الصغيرة والهجينة.
تجدر الإشارة إلى أن زيارة بيسنت تتزامن مع توقيت حساس داخلياً، إذ تأتي قبل يوم واحد فقط من انتخابات مجلس الشيوخ الياباني، وسط توقعات بأن تسفر عن نتائج سلبية للحكومة الائتلافية التي يرأسها إيشيبا. وبحسب استطلاع للرأي أجرته هيئة الإذاعة والتلفزيون اليابانية NHK، قال نحو 9% من المشاركين إنّ المفاوضات التجارية والرسوم الجمركية الأميركية ستؤثر على خياراتهم الانتخابية، وفقاً لـ"بلومبيرغ".
ماذا تغيّر في 2025؟
منذ عودة ترامب إلى الرئاسة في يناير/كانون الثاني 2025، شهدت السياسة التجارية الأميركية انحرافاً حاداً عن مسار إدارة بايدن، التي ركّزت على الشراكات المتعددة والثنائية، وخاصّة في آسيا. ويرى مراقبون أن ترامب يسعى من خلال هذا التصعيد إلى استعادة القاعدة الانتخابية الصناعية في ولايات الغرب الأوسط التي تعاني من ركود صناعي، الضغط على طوكيو لتحسين شروط الدخول إلى السوق اليابانية للمنتجات الزراعية الأميركية، خصوصاً في ولايات مثل آيوا ونبراسكا.
كما أن إعادة صياغة اتفاقيات التجارة الثنائية بدلاً من الالتزام بتكتلات كبرى مثل اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادئ (TPP)، الذي انسحب منه في 2017، ويبدو غير مهتم بالعودة إليه. وفي هذا السياق، تتزايد التوترات التجارية الأميركية ليس مع اليابان فحسب، بل أيضاً مع الاتحاد الأوروبي والهند، وسط تحذيرات من دخول الاقتصاد العالمي في مرحلة من "تفكك النظام التجاري متعدّد الأطراف".
الانعكاسات المحتملة: خسارة متبادلة؟
رغم أن ترامب يراهن على كسب نقاط سياسية داخلية، إلّا أن التوتر التجاري مع اليابان قد يؤدي إلى نتائج عكسية، أبرزها، ارتفاع أسعار السيارات اليابانية في السوق الأميركية، ما يضرّ بالمستهلك الأميركي، تهديد الاستثمارات اليابانية في مصانع السيارات داخل الولايات المتحدة، والتي توظّف عشرات آلاف العمال الأميركيين، تصعيد مضاد من اليابان، عبر فرض قيود تنظيمية أو نقل الاستثمارات إلى دول أخرى في جنوب شرق آسيا.
ومع عودة دونالد ترامب إلى الحكم، تدخل الولايات المتحدة مجدداً مرحلة من الحمائية الاقتصادية المتشددة، إذ تستخدم واشنطن أدوات الرسوم الجمركية والعقوبات التجارية وسائلَ ضغط سياسية واقتصادية. ويبدو أنّ اليابان، رغم كونها حليفاً استراتيجياً للولايات المتحدة، لن تُستثنى من هذه السياسات.
ومع استمرار انكماش الاقتصاد الصيني، وارتفاع أسعار الطاقة العالمية، وتراجع معدلات النمو في أوروبا، فإن أي تصعيد تجاري إضافي بين واشنطن وطوكيو قد يُسهم في زعزعة الاستقرار التجاري الدولي في لحظة حرجة من التعافي الاقتصادي بعد جائحة كورونا وأزمات سلاسل التوريد. يبقى السؤال المطروح في الأوساط الاقتصادية: هل يسعى ترامب إلى إعادة تشكيل النظام التجاري العالمي على أسس جديدة، أم أنه يعيد تكرار صراعات السنوات الماضية في قالب جديد؟