استمع إلى الملخص
- تشمل سياساته فرض رسوم جمركية على سلع حيوية، مما يثير قلق الأسواق العالمية ويسعى للحصول على مكاسب اقتصادية من دول مثل أوكرانيا.
- داخليًا، تؤدي سياساته إلى عدم استقرار الأسواق الأميركية، مع توقعات بارتفاع الأسعار وتسريح الموظفين، مما يزيد من تعاسة الشعب الأميركي.
يتعامل الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعقلية رجل الأعمال "البلطجي" والتاجر الوقح المرابي وسمسار العقارات وقناص الصفقات مع كل دول العالم، بل أصبح صانع التعاسة الأول والأبرز لمعظم الشعوب ومنها الشعب الأميركي، حيث تهدد سياساته وحروبه التجارية والاقتصادية العنيفة باندلاع موجة تضخم واسعة النطاق تشعل أسعار السلع والخدمات وتحرق الجميع، وفي المقدمة الشعب الأميركي قبل غيره من شعوب العالم. كما أنه يستخدم الابتزاز و"التجريس" والتشهير أسلوباً للتفاوض وانتزاع أكبر قدر من المكاسب وذلك على نطاق واسع، وهو ما قد يشوه صورة أميركا الخارجية. وهذا ما يمكن رصده بسهولة في تهديدات الرئيس الأميركي المتواصلة بالاستيلاء على كندا وبنما وجزيرة غرينلاند وضمهم إلى بلاده، والتهديد بفرض عقوبات على الدول التي يناصبها العداء وفي مقدمتها الصين وإيران.
ونظرة إلى الواقع التعيس الذي يعيشه العالم نجد أن ترامب يقود واحدة من أشرس الحروب التجارية في التاريخ الحديث عبر فرض رسوم جمركية ضد كندا والصين والمكسيك، كما قرر هذا الأسبوع فرض رسوم بنسبة 25% على واردات الصُلب والألمنيوم من جميع الدول، في خطوة تهدد بتقويض النشاط الاقتصادي العالمي وشل الأسواق، وهو ما أثار غضب كندا والاتحاد الأوروبي اللذين أكدا أن الأمر لن يمر دون رد.
ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل تتأهب إدارة ترامب للكشف عن حزمة جديدة من الرسوم الجمركية تطبقها واشنطن على كافة الدول التي تفرض ضريبة تجارية على الواردات من الولايات المتحدة، بحيث تكون مساوية لها في القدر، وذلك خلال الأسابيع المقبلة.
ترامب يقود واحدة من أشرس الحروب التجارية في التاريخ الحديث عبر فرض رسوم جمركية ضد كندا والصين والمكسيك، كما قرر فرض رسوم بنسبة 25% على واردات الصُلب والألمنيوم
ومن المتوقع أن تمتد الرسوم الأميركية الجديدة إلى سلع ضرورية لحركة التجارة الدولية، منها الأدوية والسيارات والغاز الطبيعي والنفط والنحاس والرقائق الإلكترونية، وسلع مرتبطة بها من أشباه موصلات وغيرها، إذ إن فرض تلك الرسوم المتوقعة يشكل قلقاً كبيراً في أسواق العالم، خاصة في أوروبا التي تخشى على صادرات السيارات والأدوية، وكذا دول جنوب شرق آسيا، ومنها كوريا الجنوبية والصين والهند التي تخشى على صادرات الرقائق والسيارات.
لا يختلف تعامل ترامب الخشن مع ملف الرسوم الجمركية عن تعامله مع ملفات أخرى غاية في الحساسية، فهو يتعامل مع قطاع غزة على أنه صفقة عقارات يتربح منها المليارات، ولذا يتجاوز واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية التي حلت بالقطاع المحاصر، بل ويريد تهجير السكان الأصليين بدلاً من تقديم المساعدات لهم وقيادة حملة عالمية لإعادة مشروع غزة.
وفي ملف أوكرانيا، فإن عين ترامب على ثرواتها الطبيعية ومعادنها النادرة البالغ قيمتها نحو 26 مليار دولار، فقد قد طلب من كييف ما قيمته 500 مليار دولار من المعادن النادرة التي تُستخدم بشكل خاص في صناعة الإلكترونيات، مقابل تقديم المساعدات لها، وفي مناسبات عدة لا يخفي رغبته بأن تحصل بلاده على كميات ضخمة من المعادن النادرة الأوكرانية مقابل المساعدات التي تقدّمها لكييف في تصدّيها لروسيا منذ فبراير/شباط 2022، وإلا فإن أوكرانيا "قد تصبح روسية يوماً ما".
داخلياً بات ترامب مصدر تعاسة للأميركان أنفسهم، رغم أنه يؤكد لهم في كل مناسبة أن ما يقوم به هو لصالحهم، وبهدف دعم الاقتصاد المحلي والصناعة الوطنية. فقد بدأت إدارته في تسريح نحو 2.5 مليون موظف، في مقدمتهم موظفو إدارة الخدمات العامة الأميركية، كجزء من المساعي الرامية إلى خفض الإنفاق بشكل جذري وإعادة هيكلة الأولويات، ويخطط لتسريح نحو 97.9% من إجمالي موظفي الوكالة الأميركية للتنمية الدولية العاملين حول العالم. ويرغب في إغلاق وزارة التعليم الأميركية على الفور، والتي وصفها بأنها منظومة احتيال كبيرة.
وسط المعارك الكونية التي يخوضها ترامب تعيش الأسواق الأميركية حالة من الترقب وسط توقعات بارتفاع أسعار السلع الغذائية والخضروات والسيارات والأدوية
وبدأ ترامب التحرش ببنك الاحتياط الفيدرالي " البنك المركزي" ومحاولة إرباك صانع السياسة النقدية عبر الضغط لخفض سعر الفائدة على الدولار وبشكل سريع، رغم أن التضخم قد يطل برأسه في أي وقت، مع توجه الدول الكبرى نحو اتخاذ إجراءات تجارية انتقامية وفرض رسوم على الصادرات الأميركية، وتوقعات بزيادة أسعار السلع والخدمات داخل الولايات المتحدة.
وسط تلك المعارك الكونية التي يخوضها ترامب تعيش الأسواق الأميركية حالة من الترقب وسط توقعات بارتفاع أسعار السلع الضرورية، مثل المواد الغذائية والخضروات والأغذية المعلبة والمشروبات الغازية والسيارات والأدوية والمنتجات الورقية ومنتجات الصلب والألمنيوم، بسبب الرسوم الجمركية التي تعتزم إدارة ترامب فرضها على كندا والمكسيك والصين والاتحاد الأوروبي والهند والبرازيل وغيرها من دول العالم.
فأسعار السيارات قد ترتفع بقيمة 3 آلاف دولار إذا تم فرض تعريفات شاملة على الواردات من المكسيك وكندا، وفق تقرير حديث صادر عن شركة "تي دي إيكونوميكس"، والشركات الأميركية التي تعتمد على الألمنيوم والصلب المستورد قد تلجأ إلى خفض الإنتاج أو الاستغناء عن العمالة.
ومع ارتفاع أسعار المواد الخام والمنتجات النهائية، قد يجد الأميركيون أنفسهم أمام ارتفاعات جديدة في معدل التضخم وتكاليف المعيشة، وهو ما اعترف به ترامب الذي أكد قبل أيام أن الأميركيين قد يشعرون ببعض الألم من الحرب التجارية التي أشعلتها.