استمع إلى الملخص
- إغلاق مقر هيئة مكافحة الفساد وتجميد القوانين المتعلقة بالإبلاغ عن الفساد منذ 2021، مع انتقادات لفشل الدولة في معالجة ملف الأموال المصادرة واستغلال بعض المسؤولين لمناصبهم.
- المناقصات العمومية تُعتبر بيئة خصبة للفساد، حيث تخسر تونس 25% من قيمتها سنويًا، ما يعادل 2 مليار دينار، مما يعيق التنمية الاقتصادية ويزيد الأزمات المعيشية.
تراجع ترتيب تونس في مؤشر مدركات الفساد التابع لمنظمة الشفافية الدولية إلى المرتبة 92 عالمياً، وهو الترتيب الأسوأ للبلاد منذ عام 2012، بحسب ما أعلنته اليوم منظمة "أنا يقظ" المدنية. وأصدرت اليوم الثلاثاء منظمة "أنا يقظ"، فرع منظمة الشفافية الدولية في تونس، نتائج مؤشر مدركات الفساد في القطاع العام لسنة 2024، والتي أوضحت أن مستويات الفساد تواصل الارتفاع في جميع أنحاء العالم، خاصة مع تزايد الحروب والنزاعات، وممارسات الفصل العنصري، والقمع المسلط على الشعوب. وحصلت تونس في سنة 2024 على 39 نقطة من أصل 100 (حيث يمثل الصفر أعلى مستويات الفساد، و100 أعلى مستويات النزاهة)، وبذلك تكون قد تراجعت مرة أخرى مقارنة بالسنة الماضية، التي حصلت فيها على 40 نقطة.
أما من حيث الترتيب، فقد جاءت تونس في المرتبة 92 عالمياً من أصل 180 دولة، أي بتراجع قدره خمس مراتب مقارنة بالعام الماضي، وهو أدنى تصنيف لها منذ سنة 2012. وجاء كل من المغرب والجزائر في تصنيف أقل من تونس، في حين حصل كل من الأردن وعُمان على مراتب أفضل. أما الدنمارك، فقد تصدرت القائمة كأكثر الدول نزاهة، بحصولها على 90 نقطة، بينما تذيلت جنوب السودان الترتيب بـ8 نقاط فقط.
وفي عام 2021، كانت تونس تحتل المرتبة 70 عالمياً (من بين 180 دولة) والمرتبة السادسة عربياً، وفق مؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، حيث حصلت آنذاك على 44 نقطة. وقالت منظمة "أنا يقظ" في بيان نشرته على صفحتها الرسمية على "فيسبوك" إن التراجع الذي تشهده تونس في مؤشر مدركات الفساد هو "نتيجة حتمية للغياب الواضح لسياسات واستراتيجيات حقيقية لمكافحة الفساد منذ الثورة".
إغلاق مقر هيئة مكافحة الفساد
واعتبرت المنظمة أن البلاد لم تنجح خلال الثلاث عشرة سنة الماضية في تجاوز عتبة الخمسين نقطة، بل إنها تشهد تراجعاً مستمراً منذ ثلاث سنوات، بعد أن حققت تقدماً ملحوظاً إثر سنّ عدد من القوانين، أبرزها قانون حماية المبلغين، وقانون الحق في النفاذ إلى المعلومة، بالإضافة إلى إنشاء عدد من الهيئات، مثل هيئة مكافحة الفساد وهيئة النفاذ إلى المعلومة. وأوضحت المنظمة أن أسباب تراجع تونس في مؤشر مكافحة الفساد ترجع إلى استمرار إغلاق مقر هيئة مكافحة الفساد للسنة الثالثة على التوالي، دون أي مبرر قانوني، إضافة إلى تجميد العمل بالقانون الأساسي المتعلق بالإبلاغ عن الفساد وحماية المبلغين والمبلغات.
ومنذ فرض التدابير الاستثنائية في يوليو/ تموز 2021، التي شملت حلّ البرلمان ونقل السلطة كاملة إلى الرئيس قيس سعيّد، يقود هذا الأخير حملات لمكافحة الفساد، بهدف استعادة "أموال الشعب المنهوبة"، وفق تصريحاته. ومؤخراً، خلال زيارة قام بها إلى مقر لجنة المصادرة، انتقد رئيس الدولة قيس سعيّد تأخر مسار استرجاع الأموال المنهوبة، مشيراً إلى أن الملفات ظلت تراوح مكانها منذ عام 2011.
من جانبها، صرحت منظمة "أنا يقظ" بأن الدولة تواصل مراكمة الفشل في ملف الأموال المصادرة، وتصرّ على إنكار وجود المشكلة، مما يؤدي في النهاية إلى التنصل من المسؤولية، وهو ما سيتحمل الشعب التونسي تبعاته. ومنذ عام 2023، حذرت جمعيات مدنية تونسية متخصصة في مكافحة الفساد من استغلال بعض المسؤولين لمناصبهم لتحقيق مكاسب شخصية، في ظل تعطيل آلية المراقبة الدورية لمكاسب نحو 300 ألف مسؤول من الملزمين بالتصريح عن ممتلكاتهم بموجب قانون صدر عام 2018.
وينص القانون المتعلق بالتصريح عن المكاسب والمصالح، وبمكافحة الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح، على إلزام أكثر من 300 ألف شخص يتحملون مسؤوليات إدارية وسياسية بتقديم تصريح دوري بممتلكاتهم مرة كل ثلاث سنوات لدى هيئة مكافحة الفساد. غير أن إغلاق الهيئة منذ أغسطس/ آب 2021، أدى إلى تعطيل آليات التصريح، مما أثار مخاوف من تأثير ذلك على جهود ملاحقة الفاسدين، التي بدأت بعد ثورة يناير/ كانون الثاني 2011.
وتعدّ المناقصات العمومية أرضاً خصبة لنمو الفساد في تونس، حيث يستفيد المتنفذون من العقود التي تطرحها الدولة، مستغلين علاقاتهم بالأحزاب والسلطة السياسية. ويواجه البرلمان، الذي أوكلت إليه صلاحيات الرقابة بموجب القانون، انتقادات بسبب فشله في الحد من هذه الممارسات. وكشفت هيئة مكافحة الفساد في تقارير سابقة أن تونس تخسر سنوياً نحو 25% من إجمالي قيمة المناقصات الحكومية بسبب غياب آليات الرقابة والمتابعة، أي ما يناهز 2 مليار دينار من المال العام. وبحسب تقديرات هيئة مكافحة الفساد، فإن الفساد يكلف تونس حوالي 3 مليارات دولار سنوياً. ويرى مراقبون أن هذه الظاهرة تفاقم الأزمات المعيشية التي يواجهها المواطنون، مما يعيق جهود التنمية الاقتصادية والاستثمار في البلاد.