استمع إلى الملخص
- لجأ التجار إلى تصدير العملات التالفة إلى إسرائيل مقابل تحويل قيمتها إلكترونياً، مما زاد من أزمة الكاش وأبقى القطاع في حالة عجز نقدي دائم.
- ارتفاع الأسعار عند استخدام العملات التالفة خلق اقتصاداً مزدوجاً، حيث يخسر المواطنون جزءاً من أموالهم، بينما يستفيد التجار من تصدير العملات التالفة.
بعد عامين من حرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل، اضطرت الأسواق في مناطق مختلفة من قطاع غزة للتعامل بالعملات التالفة والمهترئة بعد شهور طويلة من الانقطاع ورفض التعامل فيها، والذي أحدث أزمات حقيقية، نتيجة أزمة السيولة الخانقة التي يعيشها القطاع المحاصر منذ سنوات والتي تفاقمت على نحوٍ غير مسبوق خلال الحرب الجارية.
ومع استمرار المنع الإسرائيلي لإدخال الأموال الجديدة، وعدم توفر السيولة النقدية بسبب تدمير المصارف، اضطر التجار والمواطنون إلى إعادة تداول العملات القديمة والممزّقة رغم فقدانها جزءاً كبيراً من قيمتها الفعلية. وكشف البنك الدولي في تقرير سابق أنّ الحرب الإسرائيلية على غزة تسببت بتدمير نحو 93% من فروع المصارف العاملة في القطاع، وقال إنّ الحرب الإسرائيلية دمرت أيضاً 88% من مؤسّسات التمويل الأصغر ومعظم الصرّافين، و88% من شركات التأمين.
وتشهد الأسواق في غزة خلال الأيام الأخيرة، تداولاً واسعاً للعملات التالفة والقديمة، بعد أن بدأ تجار محليون بجمعها وتصديرها إلى إسرائيل مقابل تحويل قيمتها إلكترونياً، ما أدى إلى تراجع الكميات المتوفرة من النقد في السوق، ويؤكد تجار لـ"العربي الجديد" أن هذا التوجه، الذي يجري بغطاء غير مباشر من الجانب الإسرائيلي، عمّق أزمة الكاش القائمة بدل حلّها، إذ تسحب العملات المتداولة من أيدي المواطنين دون ضخّ سيولة بديلة.
تصدير الكاش مستمر
ووفق مصدر تجاري في غزة رفض ذكر اسمه، فإنّ بعض كبار التجار في القطاع يعملون منذ أيام على جمع العملات القديمة بتشجيع غير مباشر من الجانب الإسرائيلي، الذي يسعى لإخراج هذه العملات من غزة مقابل تحويل قيمتها عبر الحسابات البنكية،.
قال المصدر التجاري لـ"العربي الجديد" إنّ إسرائيل لا تزال ترفض إدخال أي كميات جديدة من النقد إلى القطاع بينما تسمح في المقابل بإخراج كميات كبيرة من الأموال المهترئة، في ما يبدو أنّه عملية منظمة لإدارة السيولة النقدية داخل غزة دون ضخ كاش جديد، وأشار إلى أن الجانب الإسرائيلي يدير هذه العملية عبر شركات تجارية تعمل كوسطاء، تتولى جمع العملات التالفة واستبدالها إلكترونياً داخل إسرائيل، لافتاً إلى أن هذه السياسة تُبقي غزة في حالة عجز نقدي دائم، وتجبر السوق على التوجه نحو الدفع الإلكتروني رغم محدودية استخدامه وضعف البنية التكنولوجية اللازمة له".
وتجدر الإشارة إلى أن أزمة الكاش في غزة تبقى واحدة من أبرز مظاهر الشلل الاقتصادي في القطاع، إذ تباع العملات الورقية نفسها بنسبة عمولة تصل إلى 34% في السوق بسبب ندرتها وارتفاع الطلب عليها، في حين تشهد الأسواق أزمة حادة في الفكة والعملات الصغيرة التي يعتمد عليها الباعة وتستخدم في المواصلات وغيرها. ويرى اقتصاديون أن استمرار هذا الوضع يهدّد بخلق اقتصاد مزدوج داخل القطاع، أحدهما نقدي مشوه قائم على العملات التالفة والآخر إلكتروني محدود النطاق. وبرغم توسع منصات الدفع الإلكتروني خلال العامين الأخيرين يؤكد تجار أنه لا غنى لأسواق غزة عن التعامل النقدي المباشر.
مدخرات ميتة
عبّرت الفلسطينية أماني عفانة، التي تسكن في مدينة دير البلح، عن ارتياحها بعد سماعها بعودة التعامل بالعملات القديمة، قائلةً وهي تفتح حقيبة صغيرة أخرجت منها رزمة من الأوراق النقدية المهترئة: "أملك نحو 1300 شيكل من العملات القديمة تراكمت معي خلال عامَي الحرب، ولم أستطع تصريفها أو استخدامها في أي معاملة"، وقالت عفانة لـ"العربي الجديد": "هذه الأموال كانت بمثابة مدخرات ميتة بالنسبة لي، إذ رفضت المحال التجارية والسائقون وحتى الباعة الصغار التعامل بها".
وأشارت إلى أن الأسعار عند الشراء بهذه العملات مرتفعة بصورة غير منطقيّة، موضحة أن سعر السلعة يحتسب بثلاثة أضعاف السعر الطبيعي مقارنة بالعملة الجديدة، مضيفة: "إذا كانت السلعة تباع بثمانية شواكل بالعملة الجديدة، فإنها تباع بأكثر من 20 شيكلاً عند الدفع بالعملة التالفة وهذا ظلم كبير للناس لأنهم يضطرون إلى خسارة جزء من أموالهم دون وجه حق".
ويعلو صوت الباعة في سوق مخيّم النصيرات وسط قطاع غزة، وسط حركة نشطة للمتسوقين، إذ يبيع فؤاد عبد الله، السكر بالعملات القديمة بعد أن كان يرفضها تماماً قبل أشهر، وقال عبد الله لـ"العربي الجديد": "قررت قبول العملة التالفة بعد أن بدأ تجار الجملة بقبولها منّا، فهم من يتحكمون بالسوق، ووجدت إقبالاً كبيراً من المشترين، فالناس لديهم كميات كبيرة من النقود القديمة ولا يستطيعون شراء احتياجاتهم إلّا بها".
وأضاف: "سعر كيلو السكر يختلف بوضوح بحسب وسيلة الدفع، إذ يبلغ سعره 20 شيكلاً عند الدفع بالعملة التالفة، و12 شيكلاً عند الدفع الإلكتروني، بينما ينخفض إلى 8 شواكل فقط بالعملة الجديدة". وعزا السبب في هذا التفاوت إلى أن التاجر الصغير يواجه صعوبة في تصريف العملات التالفة، فيضطر لرفع السعر لتعويض الخسارة، مضيفاً: "نحن بدورنا نعطي هذه الأموال للتجار الكبار الذين أصبحوا الآن يقبلونها بعد أن كانوا يرفضونها سابقاً لأنهم وجدوا وسيلة للتخلّص منها بطريقة مربحة".