تداعيات اقتصادية لأزمة تايوان على أسواق العالم 

تداعيات اقتصادية لأزمة تايوان على أسواق العالم 

08 اغسطس 2022
مصنع كمبيوترات حديثة في العاصمة التايوانية تايبيه (Getty)
+ الخط -

على الرغم من الهدوء النسبي، وتراجع التوتر الصيني التايواني الأميركي المشتعل في أعقاب زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي تايوان، لا تبدو الأمور مستقرة في هذه البقعة الصغيرة من العالم، بعد أن زادت كثيراً، على مدار يومين أو أكثر، من احتمالات وقوع مواجهة عسكرية مباشرة بين العملاقين، قبل أن تتحول، كعادة كل خلاف بينهما في السنوات الأخيرة، باتجاه ملعب العلاقات التجارية والعقوبات الاقتصادية، الأكثر تأثيراً.

وقبيل نهاية الأسبوع الماضي، أعلنت الصين إيقاف مفاوضاتها مع الولايات المتحدة بشأن مجموعة من القضايا الحاسمة، تشمل أزمة المناخ، والحوار بين القيادات العسكرية في البلدين، رداً على زيارة مَن اعتبرت أكبر مسؤول أميركي منتخب يزور تايوان في أكثر من ربع قرن. وتزامناً مع إجرائها مناورات عسكرية بالقرب من الجزيرة، موضوع الخلاف، وقّعت الصين على بيلوسي وأفراد من أسرتها عقوبات اقتصادية، ووصفت الزيارة بأنها "أعمال شريرة واستفزازية".

وبعد التصعيد الأخير، الذي يقول المحللون إنه لم يحدث بين البلدين بهذه الدرجة منذ عقود، تبدو صناعة أشباه الموصلات، التي اعتبرها البعض المسؤول الأول عن أزمة تراجع الإنتاج وارتفاع الأسعار في أغلب بلدان العالم في الشهور الأخيرة، قد نجت من صدمة مباشرة، إلا أن التأثير السلبي لاحتمالات المواجهة سيظل مهدداً لاقتصاد العالم، حتى لو لم تزد التوترات سوءاً.

ويرى المحللون أن فرض عقوبات أشد صرامة على صادرات التكنولوجيا من تايوان إلى الصين قد يتسبب في محاولات جديدة من الشركات العالمية لتنويع سلاسل الإمداد لديها، أو حتى فصلها عن بعضها البعض. ووردت بعض التقارير التي أشارت إلى أن التوترات الحالية، على ضعفها، تسببت بالفعل في قرار من عملاق صناعة البطاريات الصيني Contemporary Amperex Technology بتأجيل الإعلان عن استثمار بمليارات الدولارات لبناء مصنع في أميركا الشمالية.

ومن جانبها، جعلت بيلوسي العلاقات الاقتصادية والتجارية المتزايدة بين الولايات المتحدة وتايوان محور رحلتها، مشيرة إلى أنها أخبرت التايوانيين أن "قانون CHIPS والعلوم الأميركية سيقطع شوطاً طويلاً في تعزيز اقتصاد البلدين"، مؤكدةً دعم أميركا اتفاق إطار التجارة في القرن الحادي والعشرين.

ويخشى الأميركيون اندلاع صراع عسكري يجبر دول العالم على اختيار أحد الجانبين. وترى واشنطن أن مثل هذا الصراع قد يتسبب في زعزعة التوازن الموجود حالياً، والذي سمح لتايوان بالظهور كمركز لإنتاج أشباه الموصلات المتقدمة، التي تساعد في الحفاظ على انتعاش الاقتصاد الرقمي الأميركي والعالمي، وهو ما أصبح يمثّل أهمية عظمى لكل القوى الاقتصادية الكبرى. وتنتج تايوان وحدها ما يقرب من تسعين بالمائة من أشباه الموصلات الحديثة في العالم.

ونفي مسؤولون في البيت الأبيض أن يكون الاقتصاد التايواني، واقتصاد العالم، قد ابتعدا عن الخطر، مؤكدين أن هناك ثلاثة تأثيرات مهمة يمكن أن تتعرض لها أسواق العالم خلال الأسابيع أو الأشهر القادمة، تشمل الحروب التجارية، وصناعة الشحن، والهجمات السيبرانية. ويوم الخميس، قال جون كيربي، منسق الاتصالات الاستراتيجية لدى مجلس الأمن القومي الأميركي، إنهم لا يبحثون عن أزمة، ولا يريدونها، إلا أن تصرفات الصين "تقوّض الوضع الراهن في المنطقة في القضايا الاقتصادية والعسكرية".

وبعد ارتباك قصير، حاولت شركات الطيران العالمية ضبط جداول رحلاتها، حيث أوقف بعضها رحلاته تماماً، بينما استمر البعض الآخر في تنظيم رحلاته من وإلى تايبيه بعيداً عن الممرات المشتعلة حول الجزيرة. وأعلنت شركتا الطيران الكورية الجنوبية والسنغافورية إلغاء كل رحلاتهما ليوم الجمعة، وألغت الكورية رحلات السبت أيضاً من وإلى مطار تايبيه. وحتى الآن، توقفت حركة السفن ناقلة البضائع من الجزيرة وإليها، لكن هناك توقعات باستئنافها قريباً، بكثير من الحذر، خوفاً من العضب الصيني.

وبخلاف إعلان بكين أنه حتى في حالة إنهاء حصارها الجزيرة التايوانية، فإن العديد من السلع سيتم إيقاف استيرادها من تايوان، بما في ذلك الحمضيات والأسماك وبعض الأطعمة الأخرى، يهدد الحصار الصيني المضروب حول تايوان باضطراب وصول منتجات الطاقة للبلاد، بما فيها كميات ضخمة من الغاز المسال الذي تستورد تايوان كل احتياجها منه، وهو ما قد يتسبب بإغلاق العديد من المصانع، وتوقف الإنتاج لفترات غير معلومة، وستكون له بالتأكيد تأثيرات سلبية على كبرى الشركات الأميركية والأوروبية.

وعلى صعيد العلاقات بين أكبر اقتصادين في العالم، أكد هياو وانغ، مؤسس مركز الأبحاث "الصين والعولمة" القريب من الحكومة الصينية، أن الهدف الرئيسي للصين هو عدم تدمير علاقتها مع الولايات المتحدة، مشيراً إلى أن الظرف الحالي يشبه الحرب التجارية بين البلدين، "فهناك تعريفات وتعريفات مضادة"، إلا أن الأمل ما زال معقوداً على عقد حوار على مستوى عالٍ بين البلدين. وقال وانج "فلننتظر لنرى إذا كان زعيما البلدين سيلتقيان خلال اجتماع قمة العشرين أو اجتماع آسيا باسيفيك للتعاون الاقتصادي المقرر عقدهما في وقتٍ لاحق هذا العام".

من ناحية أخرى، انشغلت فرق التأمين السيبراني على نطاق واسع في الولايات المتحدة، خلال الفترة الأخيرة، بمتابعة أي تغيير في الحرب الإلكترونية التي تشنها الصين وحلفاؤها من حينٍ لآخر على تايوان، والتي اعتبرت السبب الرئيسي وراء ما تعرضت له تايوان من اضطرابات اقتصادية واجتماعية على مدار سنوات. وخلال الأيام الأخيرة، حامت الشبهات حول الصينيين فيما تعرضت له كيانات تايوانية، من متاجر 7-11 المنتشرة في أنحاء البلاد وحتى المكتب الرئاسي، من هجمات سيبرانية، كان أغلبها متوقعاً بسبب رفض بكين زيارة المسؤولة الأميركية. ويبقى السؤال عن إذا ما كانت الصين ستستمر في توجيه تلك الهجمات للكيانات التايوانية، وما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه أميركا في الدفاع عن حليفتها الصغيرة، كما فعلت خلال العقود الأخيرة.

وتوقع البروفيسور هيربت لين، كبير الباحثين لدى مركز الأمن والتعاون الدولي بجامعة ستانفورد، أن تستمر الهجمات السيبرانية الصينية على تايوان لفترة، مؤكداً أن "العمليات العسكرية واسعة النطاق تتطلب أموالاً كثيرة، بينما يمكن شن الهجمات السيبرانية بتكلفة قليلة للتعبير عن عدم الرضا". وخلال السنوات الأخيرة، تعرضت شركات أميركية أيضاً لهجمات سيبرانية من الحكومة الصينية والروسية، ومن جهات غير معلومة، الأمر الذي جعل المسؤولين الأميركيين يشعرون بأنهم ليسوا بمعزلٍ عما يشوب منطقة التقاء المحيط الهادئ ببحر الصين الجنوبي من توتر.

المساهمون