تحويلات مشبوهة بين بنوك العراق ولبنان: فساد عابر للحدود

تحويلات مشبوهة بين بنوك العراق ولبنان: فساد عابر للحدود

29 نوفمبر 2022
ودائع بمليارات الدولارات للعراقيين في البنوك اللبنانية (أنور عمرو/فرانس برس)
+ الخط -

بعد نحو أسبوع واحد على قرار البنك المركزي العراقي وقف جميع التعاملات بين البنوك اللبنانية والمؤسسات والمصارف المالية العراقية، إثر اكتشاف شبهات فساد كبيرة، كشفت مصادر في بغداد لـ"العربي الجديد"، عن آخر ما توصلت إليه نتائج التحقيق الذي تجريه هيئة النزاهة العراقية في بغداد، وكمية المبالغ المالية المسحوبة فعلا.

وتتلخص عمليات الفساد المصرفي في قيام شركات وشخصيات عراقية ولبنانية بنقل حساباتهم في البنوك اللبنانية المتعثرة إلى فرعي مصرفي الرافدين والرشيد الحكوميين العراقيين في بيروت، بغية سحب المبالغ من خلالهما، في عملية تحايل يتورط فيها موظفون ومسؤولون مصرفيون عراقيون.

مسؤول عراقي في هيئة النزاهة قال لـ"العربي الجديد"، إن "التحقيقات الحالية تؤكد وجود شبهات فساد كبيرة وخطيرة تتضمن عملية نقل أرصدة بدون رصيد من البنوك اللبنانية المتعثرة إلى العراقية، بمعنى نقل النزاع المالي بين المودع والبنك اللبناني المتعثر إلى ما بين المصارف العراقية الحكومية وبنوك لبنان المتعثرة".

وأضاف المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه: "عملية الفساد هذه تتورط فيها شخصيات سياسية عراقية وأشخاص من فصائل مسلحة ضغطت لتمرير هذه التعاملات، ونخشى أن المبلغ الذي سيتم اكتشافه في النهاية كبير".

وشرح بالقول: "هناك شركات ومستثمرون عراقيون ولبنانيون لديهم أموال في بنوك متعثرة ولا تقدر على دفعها لهم، قاموا بترتيب غير قانوني بالتواطؤ مع مسؤولين، لنقل أرصدتهم الموجودة في تلك البنوك إلى فروع مصرفي الرافدين والرشيد الحكوميين في بيروت، ومن ثم استلام المبالغ منها، بمعنى أن المصرف يفترض أن يتسلم لاحقا المبالغ من البنوك اللبنانية مع العمولة، لكن البنوك ليس لها أي قدرة على الدفع، ما يعني نقل النزاع المالي مع بنوك مفلسة". وحول المبالغ المنقولة، قال: "حتى الآن نتحدث عن عشرات ملايين الدولارات نفذت منذ أزمة لبنان المالية قبل عدة سنوات".

وقرر البنك المركزي العراقي، الأربعاء الماضي، وقف التعاملات المشتركة بين البنوك اللبنانية والعراقية، والمتضمنة نقل أرصدة المودعين في البنوك إلى نظيرتها العراقية، وذلك بعد يوم واحد من بيان لهيئة النزاهة العراقية أعلنت فيه فتح تحقيق بعملية نقل الأرصدة المودعة في البنوك اللبنانية إلى مصرف الرافدين العراقي فرع بيروت.

ووفقا لبيان رسمي صدر عن هيئة النزاهة في بغداد قالت فيه إن "الهيئة العليا باشرت التحقيق في عملية نقل الأرصدة المودعة في البنوك اللبنانية إلى مصرف الرافدين في بيروت".

وأضاف البيان أنها "تجري التحقيق في شبهات فساد بعملية نقل أرصدة مودعة في البنوك اللبنانية المتلكئة لمصرف الرافدين - فرع بيروت، فضلاً عن الحساب المصرفي لمصرف الرشيد في البنك المركزي اللبناني".

وأكدت إصدار أوامر استقدام قضائية بحق المدير العام لمصرف الرافدين ومعاونه، واللذين جرى إعفاؤهما من منصبيهما قبل اكتشاف شبهات الفساد الجديدة بمدة وجيزة، ضمن تغييرات واسعة يشرف عليها رئيس الحكومة الجديدة محمد شياع السوداني.

وشدد البيان على "موافاة الجمهور بتطورات سير التحقيق في القضية وقرارات الأحكام الصادرة عن القضاء بحق المتهمين، بما يسمح به القانون ولا يخل بسريَّة التحقيق.

عضو لجنة النزاهة في البرلمان العراقي هادي السلامي، قال لـ "العربي الجديد"، إن "صفقة فساد في لبنان حصلت وننتظر إجراءات التحقيق من قبل هيئة النزاهة".

وأضاف السلامي أن "جهات وشخصيات متنفذة متورطة في القضية مع مسؤولين في مصرف الرافدين، بهدف نقل أموال بشكل غير حقيقي وعلى الورق فقط"، موضحاً أن "تحرك هيئة النزاهة أفشل عملية نقل مبالغ أكبر، وهناك تحقيقات تجري مع عدد من المتهمين في هذه القضية".

النائبة عن ائتلاف "دولة القانون"، عالية نصيف، اتهمت مدير عام في وزارة الخارجية بالتورط في القضية. وقالت في بيان لها إن "مناقلة أموال من مصارف متلكئة في لبنان إلى مصرفي الرافدين والرشيد، يتورط فيها مدير عام بوزارة الخارجية"، موضحة أنه تم رصد مناقلتين ماليتين أخيرا لهذا المسؤول: الأولى بواقع (مليون و250 ألف دولار) والثانية بـ(مليونين و500 ألف دولار) وهناك تحقيقات في محكمة قضايا الفساد بالكرخ في بغداد.

من جانبه، قال عضو اللجنة المالية في البرلمان مصطفى سند، في توضيح مكتوب له إن عملية الفساد المتعلقة بنقل أرصدة البنوك اللبنانية المتعثرة "لم تكتمل".

وأضاف أنه "كان من المفترض سحب من 10 إلى 18 مليار دولار بشكل شرعي بذكاء محاسبي قانوني، لكن تم إيقاف العمليات بعد أول مليوني دولار، بفضل الشبكة النظيفة المنتشرة في كل مكان"، دون أن يذكر مزيداً من التفاصيل الأخرى.

وفي المقابل، قال الخبير الاقتصادي والمالي عبد الرحمن المشهداني لـ"العربي الجديد"، إن "تحرك هيئة النزاهة حول قضية التحويلات المشبوهة، يؤكد أن هناك عملية فساد ضخمة، فالهيئة لا تتحرك إلا من خلال معلومات تؤكد وجود شبهات فساد مالية كبيرة وخطيرة".

عضو لجنة النزاهة في البرلمان العراقي هادي السلامي، قال لـ "العربي الجديد"، إن "صفقة فساد في لبنان حصلت وننتظر إجراءات التحقيق من قبل هيئة النزاهة


وبيّن المشهداني أن "المعلومات المتوفرة تؤكد أن عملية نقل الأموال من مصارف لبنانية إلى مصرف الرافدين الحكومي العراقي تمت عبر الورق فقط، وليس هناك نقل للأموال بشكل حقيقي".

وأضاف: "الأمر يدعو إلى فتح تحقيق في مختلف القضايا، وأولها كيف خرجت هذه الأموال الكبيرة، ومن هي الجهات والشخصيات المتورطة في هذه العمليات، خصوصاً أن هذه الأموال لعمليات فساد وسرقات وغسل للأموال، وكل هذه القضايا متورطة فيها جهات وشخصيات متنفذة داخل العراق".

وكان مصرف الرافدين قد اتهم بما بات يعرف بـ"سرقة القرن"، البالغة 2.5 مليار دولار، والتي سرقت عبر سلسلة من الإجراءات وإصدار الصكوك من هيئة الضرائب العامة، ودافع المصرف في حينها عن موقفه، وأكد أنه لا علاقة له بأية عمليات تلاعب أو سرقة يجري الحديث عنها، وأن مهمته كانت قد انحصرت في صرف صكوك الهيئة العامة للضرائب من فروعه بعد التأكد من صحة صدورها بكتب رسمية بين المصرف والهيئة.

وتحتجز المصارف اللبنانية أموال المودعين لديها من الجنسية العراقية، والتي تقدر بعدة مليارات من الدولارات منذ عام 2019، وتفرض قيودا مشددة على السحوبات، ولاسيما بالعملات الأجنبية، إثر الأزمة المالية التي تعصف بالبلاد.

 

المساهمون