تحويلات "المغتربين"... جرعات تخفف أزمات اللبنانيين المعيشية

تحويلات "المغتربين" المالية... جرعات تخفف أزمات اللبنانيين المعيشية

21 سبتمبر 2021
تستفيد من التحويلات المالية للمغتربين اللبنانيين حوالي 220 ألف أسرة (العربي الجديد)
+ الخط -

تواجه أم حسان الانهيار المعيشي في لبنان وتصمد بوجهه بـ 300 دولار شهرياً؛ وهو مبلغ يرسله نجلها من إحدى الدول العربية، حيث يقيم ويعمل مهندساً هناك.

هذا المبلغ يشكل خشبة خلاص لأسرة تعيش في بلد تضربه منذ نحو عامين إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية بالعالم، وفق تصنيف البنك الدولي.

ويعاني لبنان منذ نحو عامين أزمة اقتصادية حادة أدت إلى انهيار مالي، وارتفاع قياسي لمعدلات الفقر، فيما رجح البنك الدولي في يونيو/ حزيران الماضي أن تكون هذه الأزمة إحدى أشد ثلاث أزمات في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر.

ومثل أم حسان، فإنّ ربع الشعب اللبناني تشكل له التحويلات المالية بالعملات الأجنبية من الخارج شريان حياة، في ظل تدهور قيمة عملتهم الوطنية بشكل غير مسبوق.

بدوره، فادي المقيم في بلجيكا يرسل لذويه 200 يورو شهرياً، وبذلك ينتشلهم من واقع مرير يرزح تحته كثير من اللبنانيين، الذين إما فقدوا وظائفهم أو باتت رواتبهم بالعملة المحلية لا قيمة لها.

من خلال ذلك المبلغ، يستطيع ذوو فادي في لبنان الحفاظ على قدرتهم الشرائية وتوفير السلع الغذائية وحاجياتهم الأساسية شهرياً، ولا يزالون صامدين معيشياً في ظل الانهيار الاقتصادي والمعيشي في البلاد.

وهكذا فإنّ التحويلات المالية من الخارج هي بمثابة "نفط لبنان" الذي ينبع من خلف البحار والمحيطات بين أيدي أبنائه المغتربين، ويصب مليارات الدولارات داخل البلاد.

التحويلات المالية إلى لبنان تقدر بـ12 مليار دولار

وفق الباحث في شركة "الدولية للمعلومات" محمد شمس الدين، فإنّ عدد اللبنانيين المقيمين في الخارج وتطلق عليهم تسمية "المغتربين" يقدر بنحو مليون و300 ألف، من أصل 5.5 ملايين نسمة.

تقدر التحويلات المالية بالعملات الأجنبية التي يرسلها هؤلاء من بلدان إقامتهم إلى لبنان بنحو 12 مليار دولار سنوياً، في حين أنّ الأرقام الرسمية تشير إلى أنّ تلك التحويلات تراوح بين 7 و 8 مليارات دولار سنوياً.

تقدر التحويلات المالية بالعملات الأجنبية التي يرسلها المغتربون من بلدان إقامتهم إلى لبنان بنحو 12 مليار دولار سنوياً

ويرجع سبب الفارق في الأرقام إلى أنّ قسماً من هذه الأموال تُحول إلى لبنان عبر المصارف وشركات تحويل الأموال، وقسم آخر عبر طرق أخرى بعيدة عن القنوات الرسمية.

من الطرق الأخرى لدخول تلك الأموال البلاد، عندما تكون بحوزة المسافرين، إما في جيوبهم أو في حقائبهم، لذلك يصعب إحصاؤها، وهي تقدر بين 5 و6 مليارات دولار، بحسب شمس الدين.

وقبل أسبوعين، أعلنت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا "إسكوا" أنّ 74% من سكان لبنان يعانون الفقر في 2021.

ويستفيد من التحويلات حوالي 220 ألف أسرة، أي حوالي ربع العدد الإجمالي، وهذا ما يشكل أحد أبرز عوامل الصمود لكثير من اللبنانيين بوجه الأزمة الاقتصادية القائمة.

ويشرح شمس الدين أنّ 12 مليار دولار التي تدخل البلاد سنوياً من خلال تلك التحويلات هي بمثابة اقتصاد رديف لبلد صغير مثل لبنان، وتساعد بتوفير الاستقرار والدخل المالي لقسم كبير من الشعب.

التحويلات محرك للاقتصاد اللبناني

وإذا كانت تلك التحويلات تشكل خشبة لكثير من العوائل اللبنانية، في ظل الأزمة الحالية، فإنها لطالما شكلت في السابق محركاً أساسياً للدورة الاقتصادية، وفق ما يقول الخبير باتريك مارديني.

ويشرح مارديني بأنه قبيل الأزمة الاقتصادية، فإنّ معظم تلك التحويلات كانت تصب في القطاع المصرفي كودائع للمغتربين، وكانت تشكل الجزء الأكبر من الودائع في المصارف اللبنانية والتي تقدر بنحو 100 مليار دولار.

ويضيف أنّ هذه الأموال التي كانت تُحول إلى القطاع المصرفي، يستفيد منها الاقتصاد اللبناني برمته وليس فقط ذوو المغتربين، فمن تلك الأموال كانت تنتعش العجلة الاقتصادية، وتُمنح القروض المصرفية للمواطنين وغيرها.

انخفاض قيمة التحويلات إلى لبنان

أما اليوم، فقد أصبح دور تلك الأموال شبه محصور بمساعدة ذوي المغتربين من خلال تحويل الأموال مباشرة لهم وليس عبر إيداعها في القطاع المصرفي، بسبب تزعزع الثقة بهذا القطاع على إثر الأزمة الاقتصادية.

ومنذ أواخر 2019 فرضت المصارف اللبنانية قيوداً قاسية على السحوبات المالية من ودائع العملات الأجنبية، كما حددت سقوفاً للسحوبات بالليرة، ما دفع ببعض أصحاب الودائع إلى تنفيذ احتجاجات بالشارع بين فترة وأخرى.

ويشير مارديني إلى أنّ تلك الأموال تحافظ على مقومات الحياة للشعب اللبناني، وتجعل قسماً كبيراً منهم يتمتع بقدرة شرائية مقبولة.

وكانت قيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار مستقرة طوال أكثر من ربع قرن عند حدود 1510، إلا أنها اهتزت للمرة الأولى في ديسمبر/ كانون الأول 2019، وبدأت تتدهور تدريجياً حتى لامست 23 ألفاً في يوليو/ تموز الماضي.

إلا ان الليرة عادت وانتعشت مؤخراً عقب إعلان تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة نجيب ميقاتي، بعد فراغ حكومي دام نحو 13 شهراً، حيث سجل سعر صرف الدولار الواحد حوالي 16 ألف ليرة.

(الأناضول)

المساهمون