تجّار لبنان يصرخون: فتح الأسواق أو الإفلاس

تجّار لبنان يصرخون: فتح الأسواق أو الإفلاس

11 فبراير 2021
خسائر باهظة تكبّدها أصحاب المحال التجارية بسبب كورونا (حسين بيضون)
+ الخط -

رفع التجار في لبنان الصوت عالياً رفضاً للإغلاق المستمرّ في إطار مواجهة فيروس كورونا، واعتراضاً على خطة فتح البلاد تدريجياً على أربع مراحل تمتدّ لثمانية أسابيع، ما من شأنه أن يتسبَّب بخسائر باهظة تصل إلى حدّ الإفلاس والانهيار الشامل الذي سيقضي على القطاع برمّته وسط غياب أي دعم أو تعويضات من قبل السلطات.

يقول صاحب محل للألبسة النسائية والرجالية في جونية (شمال بيروت)، لـ"العربي الجديد"، إنّ "أصحاب المحال التجارية الصغيرة هم الحلقة الأضعف اليوم، وأكثر المتضرّرين من قرارات الإغلاق المتتالية والعشوائية، حيث إنهم في كلّ مرّة يستأنفون فتح أبوابهم للزبائن، ويشترون البضائع الحديثة بأسعار مرتفعة جداً بسبب أزمة الدولار وارتفاعه في السوق السوداء، تقرّر الدولة اللبنانية السير نحو إقفال جديد، ندفع ثمنه غالياً، فتبقى البضائع بلا مشتر".

ويلفت إلى أنّ "الخسائر ليست مرتبطة فقط بأزمة كورونا الصحية، فأحوالنا صعبة منذ ما يزيد عن السنة، وخصوصاً أيام انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول 2019)، وما تبعها من قيود مصرفية على الودائع بالدولار الأميركي، واحتكار التجار للبضائع"، وتحكّم من سماهم "الصرافين السود" بالسوق.

وأضاف: "ثم حصل انفجار مرفأ بيروت، وهي عوامل كلّها دمّرتنا، وقضت على لقمة عيشنا وأرزاقنا، وأنا شخصياً قد لا أصمد طويلاً في حال استمرار الإقفال وتردي الوضع النقدي والاقتصادي، وأتجه لإغلاق المحل الذي بدأت به منذ أكثر من 20 سنة، نظراً للخسائر التي منيت بها".
وطالبت جمعية تجار جونية وكسروان الفتوح، في بيان، بإعادة النظر في فتح الأسواق بالشروط التي يحددها المجلس الأعلى للدفاع، وقالت إن "القطاعات والأسواق أصيبت بخيبة أمل وبضربة موجعة نتيجة قرار تمديد الإقفال"، لافتةً إلى أنه "منذ شهر والمعاناة الناجمة عن الإغلاق مستمرّة من أمرين، قرار التزام التعبئة العامة مع كل ما قد يترتب عليها من خسائر تجارية وضائقة وفقر مجتمعي بغياب أي دعم أو تعريض، والأمر الآخر الجائحة التي تفتك بالبلد وتوشك أن تضرب كل عائلة وتدخل كل منزل في لبنان".

وأضاف البيان: "تجاه هذين الأمرين، يرى التجار أنفسهم في مأزق، بين الموت البطيء جوعاً وإفلاساً وإذلالاً، أو الخشية من الإصابة بالمرض وخطر الموت من جائحة كورونا".

وبحسب البيان، فإن "القطاع التجاري لم يكن يوماً مصدراً لتفشي الوباء بشهادة جميع أجهزة الرقابة والمتابعة، لالتزامه دوماً بكل الإجراءات والمعايير الوقائية، ولندرة الزبائن بسبب الركود والانكماش الكبير، حيث إن مصدر انتشار الوباء أصبح معروفاً ومعظمه ناجم من الاختلاط إبان الاحتفالات بالأعياد السابقة وفتح المعابر الحدودية ومطار بيروت الدولي والتراخي في التطبيق الحازم لقرار الإغلاق على الأراضي اللبنانية كافة".
وطالب التجار بإعادة النظر في قرار الإغلاق، وفتح الأسواق بالشروط التي يقترحها المجلس الأعلى للدفاع، على غرار ما يتم مع قطاع السوبرماركت، وتقصير الفترة قبل بدء المرحلة الثانية والدعوة إلى تشكيل الحكومة بصورة فورية ومستعجلة، مشددين على أنه "إذا ما استمرّت السلطة بتجاهل مطالبنا المحقة، نحن ذاهبون حتماً وجماعياً إلى اعتماد الحلول مهما كانت، التي تجيزها لنا القوانين ويكفلها الدستور من أجل حماية مصالح قطاعنا التجاري المهدد بالانهيار الكلي".
وفي استطلاع "العربي الجديد" لرأي عددٍ من أصحاب المحال التجارية في بيروت، الأشرفية، عين الرمانة، وفرن الشباك، أكد خمسة من أصل عشرة أشخاص أنّهم يتجهون إلى إغلاق محالهم بشكل نهائي نظراً للخسائر الكبيرة التي تكبدوها وعدم قدرتهم على شراء أي بضائع، خصوصاً مع اقتراب فصل الصيف، إذ لم يبيعوا أي قطعة من الألبسة الشتوية التي تكبّدوا دفع ثمنها خلال فترة الأعياد، ومن ثم بقيت وحيدةً في المحال المقفلة أبوابها.
وعبّر أصحاب المحال في العاصمة اللبنانية عن انزعاجهم من تكرار قرارات الإغلاق، ورقابة الأجهزة الأمنية والمعنية التي تقتصر على مناطق دون أخرى، حيث إنّه بينما "نعيش نحن أسوأ الظروف، ونلتزم بالتعبئة العامة، ونحترم ما تقرّره الدولة، رغم الكارثة التي حلّت بنا، هناك محال ألبسة وأحذية وقطنيات وأدوات كهربائية ومتاجر مفتوحة ولم تقفل أبوابها يوماً حتى في أيام الأحاد، والحركة فيها جداً طبيعية، وما من حسيب أو رقيب، وهذا ظلمٌ كبيرٌ نتعرّض له، ويدفعنا إلى رفع الصوت والتلويح بانتفاضة على قرارات الدولة، التي تفرض سلطتها في مكانٍ، وتغض النظر في مناطق أخرى، خصوصاً في البقاع وبعلبك".

 


من جهة ثانية، طالب تجار بيروت الدولة بإعادة النظر في معايير إعادة فتح البلاد، لا سيما في تصنيف القطاع التجاري، وشددوا على أن تغييب الصوت الاقتصادي بالكامل غير مقبول، وأن وزير الاقتصاد لا يضمر الخير للقطاع ويحمل التجّار مسؤولية انتشار فيروس كورونا.
وقال رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شمّاس إن الحكومة تقفل الأماكن الآمنة، كالمحال التجارية، وتفتح البيئات الشديدة الخطورة، معتبراً أنّ هناك حملة محكمة لاستهداف القطاع التجاري، "وتحوّلنا إلى مكسر عصا لمسؤولين عاجزين ومضللين".
وأكد شمّاس أنّ الغضب التجاري قد يفجّر الوضع، والجوع كافر ولا يرحم، "فارحموا المواطنين"، مشيراً إلى "الاستعداد للالتزام بأقصى إجراءات الوقاية، ونحن نحضر بروتوكولاً للمحال الفردية والمجمعات التجارية لمناقشتها مع لجنة كورونا بانتظار إعادة الفتح".
وعلمت "العربي الجديد" أنّ التجار في لبنان يتحضّرون لتحركات وخطوات تصعيدية في الأيام القليلة المقبلة في حال لم تبادر الحكومة بأخذ مطالبهم بعين الاعتبار وتقرّر فتح القطاع المهدد بالانهيار الشامل، مع تبعاته الاقتصادية والاجتماعية الخطيرة في رفع معدلات البطالة والجوع والفقر وترك آلاف العاملين عاطلين من العمل وبلا مورد رزق.

في حين أكدت مصادر وزارة الاقتصاد لـ"العربي الجديد"، أنّ "هناك مشاورات تبحث في هذا الإطار، وخصوصاً مع بدء حملة التلقيح بعد أيام قليلة، لكن تبقى السلامة الصحية مهمة، وخصوصاً بعد الإغلاق الطويل الذي بدأت تظهر نتائجه، وأي فتح كما حصل سابقاً، قد يهدر الجهود ويعيدنا إلى نقطة الصفر من جديد".

المساهمون