تبون يرسم ملامح الاستراتيجية الاقتصادية الجديدة للجزائر

13 ابريل 2025
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون (الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- رؤية اقتصادية جديدة: أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عن استراتيجية لتعزيز السيادة الاقتصادية، تهدف لتحقيق نمو مستدام بنسبة 4.1% في 2023، وخلق فرص عمل وزيادة الصادرات خارج قطاع المحروقات.

- إصلاحات هيكلية: تم تنفيذ إصلاحات هيكلية مع تسطير 13700 مشروع استثماري منذ 2022، بقيمة 6000 مليار دينار، مما يساهم في خلق 350 ألف فرصة عمل وزيادة مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي.

- تسهيلات للمستثمرين: تعهد تبون بتقديم تسهيلات للمستثمرين النزهاء وإنشاء هيئتين جديدتين للتصدير والاستيراد، مع الحفاظ على علاقات متوازنة مع أوروبا وتطوير الشراكات الاقتصادية.

حدّد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، اليوم الأحد، ملامح ما سيكون عليه اقتصاد بلاده، على ضوء جملة التحولات التي يعيشها العالم حالياً، حيث قال إنّ الأبعاد الاقتصادية تحولت إلى وسائل للضغط على البلدان، مؤكداً أنّ الجزائر الجديدة لا تسمح بأنّ تتخلى عن جزء من سيادتها في هذا الشأن.

وأكد  تبون، في خطابه  أمام المتعاملين الاقتصاديين، أن الاستراتيجية الشاملة والمتكاملة لبلاده تقوم على تبني تصوّر جديد يشكل القطيعة التامة مع الممارسات السابقة، ويعيد الاعتبار للنشاط الاقتصادي والمستثمرين ومضاعفة الجهود لتحقيق "الثورة" الاقتصادية المنشودة، لخلق مناصب العمل ورفع النمو وزيادة الصادرات خارج المحروقات.
واعتبر تبون في لقائه الثاني من نوعه مع المتعاملين الاقتصاديين منذ توليه رئاسة البلاد، أن الفترة الراهنة "محورية" لاستكمال الإصلاحات الهيكلية، التي أشار إلى أنّها بدأت تؤتي ثمارها، مستدلا بتحقيق نسبة نمو تقدر بـ4.1% في سنة 2023، وهو المتوسط الذي توقع أن تستقر عليه نسبة النمو، والذي يجعل الجزائر في المرتبة الأولى على مستوى حوض البحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك الضفة الشمالية التي تمثل الدول الأوروبية.

تجاوز محاولات "تصحير" الاقتصاد

أكد تبون أنّ محطة اليوم بداية مرحلة جديدة تمسح مخلفات الفترة الماضية التي وصفها بـ"التفقير الاقتصادي" للبلاد، جراء جملة الممارسات السابقة، فضلاً عن كونها فرصة لتقييم الإيجابي وتقويم السلبي، للبروز قوة اقتصادية في الآجال المنشودة. ولم يخف الرئيس الجزائري تفاؤله في بلوغ آفاق جديدة للسنوات الخمس المقبلة، ودخول تعداد الدول النامية في سنة 2027، من خلال تحقيق 400 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي، وهي المسار الذي قال إنه انطلق قبل هذا، بدليل عدد المشاريع المسطّرة على مستوى الوكالة الوطنية للاستثمار التي اعتبرها مكسبا، حيث بلغت منذ سنة 2022 أكثر من 13700 مشروع، بقيمة تقارب 6000 مليار دينار، ومساهمة بأكثر من 350 ألف فرصة عمل.

ولفت إلى أنّ 50% من المشاريع في القطاع الصناعي، تؤكد الديناميكية التي تعيشها الصناعة الجزائرية في شتى المجالات، حيث تصل نسبة مساهمتها في الناتج المحلي حاليا إلى حوالي 7%، ومن المتوقع أن تصل إلى 13% في الآفاق المنظورة، وذلك بعد أن شهد القطاع محاولات للتكسير في السابق أدت إلى "تصحير الصناعة".

تسهيلات للنزهاء ووعيد للمخالفين

تعهد عبد المجيد تبون بمد يده للمتعاملين الاقتصاديين من خلال التأكيد على وضع جميع التسهيلات الضرورية ميدانيا وإدرايا، شريطة أن يكونوا ممن وصفهم بـ"النزهاء" الذين لا يتخذون من نشاطهم مطية لتحقيق المكاسب دون أدنى اعتبار للمصلحة الاقتصادية للبلاد، وقال: "من حق كل واحد تحقيق الربح" لكن أضاف بأنّ ذلك يجب أن يكون في حدود العقل والمنطق.

وبنبرة المتوعد، لم يخف تبون تطبيق القانون بصرامة على كل من يثبت عليه التجاوزات، قائلا: "قد أعذر من أنذر"، في إشارة إلى أنه لن يسمح بإعادة السيناريوهات السابقة، التي ما فتئ يعيد الحديث عنها بحرقة حين ذكر "الاختلاسات والرشاوى وتضخيم فواتير الاستيراد"، لتتحول أموال الشعب إلى مال يتمتع به المجرمون في الخارج. وأكد تبون،  في سياق ذي صلة، أهمية إعادة النظر المقاربة وخلق نظام استثماري "صحي"، يقدم رجال الأعمال النزهاء بدلاً ممن وصفهم بمن يسعى لاستغلال كل ثغرة، ضمن جو هادئ تسوده الثقة المتبادلة بين السلطة والمتعامل الاقتصادي، وتفعيل حرية المبادرة والنشاط باعتباره المبدأ الذي شدد عليه الرئيس كثيراً.

إنشاء هيتئين جزائريتين للتصدير والاستيراد

وفي إطار رسم الصورة الاقتصادية الجديدة، كشف تبون عن الغاء العمل بالوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار "ألجاكس" التي وصفها بهيئة "العهد الحجري" وتعويضها بهيئتين جديدتين "عصريتين". وأمر بأن تكونا جاهزتين قبل نهاية مايو/أيار المقبل. وقال إنّ الأولى مختصة في الاستيراد حسب الاحتياجات الوطنية، وضمن أنظمة "يقظة" تستشرف حالات الندرة ونقص المنتوج لتفادي المضاربة على أسعاره، والهيئة الثانية مكلفة بالتصدير ومرافقة المتعاملين في هذا المجال، وتسهيل إجراءات الولوج للأسواق العالمية. وأشار في سياق حديثه، إلى إمكانية تعديل القوانين قائلاً في الوقت نفسه إن الدولة منفتحة على الحلول التي من شأنها تسهيل إجراءات التصدير خارج المحروقات، وبلوغ قيمة 10 مليارات دولار نهاية السنة الجارية، وبالتالي الاستفادة من تطور الإنتاج الجزائري كماً ونوعاً، لا سيما في مجال صناعة الحديد والإسمنت وغيرها، قبل أن يتطرق إلى أهمية تكييف وتجهيز الموانئ الوطنية بما يضمن الديناميكية الموضوعة في هذا المجال. كما ذكر الجهود المبذولة في مجال فتح خطوط ووجهات جديدة للنقل البحري والجوي لتسهيل نقل المنتجات الجزائرية نحو الأسواق الخارجية، فضلاً عن فتح بنوك في خارج الوطن، مقترحاً على رجال الأعمال الاستثمار في قطاع النقل البحري، حيث قال إنّ المبادرة مفتوحة للجميع.

تفعيل الشباك الوحيد في الجزائر

وخلال تطرقه إلى كسر قواعد البيروقراطية المقيتة وإدارة عجلة الاقتصاد، شدد تبون على تفعيل الشباك الوحيد الذي لا يزال مشروعاً على الورق دون أن يجد طريقا له نحو التجسيد الميداني، وأكد جعل هذه الجهة هيئة مستقلة تتصرف بطريقة تجارية محضة، من خلال توزيع الأوعية العقارية على المتعاملين وتوجيههم ضمن قواعد معينة، قائلا: "الدولة لا تضارب في الأراضي".

كما أوضح أنّ صلاحيات "الشباك الوحيد" تسمح له بتجاوز سلبيات البيروقراطية في التعامل مع الأنشطة الاقتصادية، إذ إنّ المتعامل يحصل على جميع الوثائق والتصريحات والاعتمادات الضرورية دون عناء التنقل بين الإدارات، من منطلق أن جميع القطاعات المعينة تكون ممثلة على مستواه، فضلاً عن دور التوجيه للمتعاملين الاقتصاديين.

تبون يدعو إلى إنشاء بنوك خاصة

لم يجد عبد المجيد تبون بدا من دعوة المتعاملين الاقتصاديين إلى إنشاء بنوك خاصة، حين اعترف بمدى تقيد البنوك العمومية بالإجراءات الخاصة بتسيير المال العام، على الرغم من أنه أكد أنّه أشار إلى فتح رأسمال بنكين عموميين من أجل تطوير هذه المنظومة وتعزيز إسهامها في تمويل الاقتصاد "لكن ذلك غير كاف". وقال تبون إنّ فتح القطاع الخاص بنوكاً خاصة  لهم من شأنه أيضا أن يقوم بهذا الدور وتفادي اللجوء المستمر لبنوك الدولة، حيث إنّ أكثر من 70% من الاقتصاد الجزائري حر وتمويله عمومي بأكثر من 85%، وهو ما اعتبره الرئيس أمراً غير منطقي، بينما ذكر في السياق أيضا الجهود المبذولة في دفع مساهمة الصيرفة الإسلامية في تمويل المشاريع الاقتصادية.

الالتزام مع الشركاء

أكد تبون التزام الجزائر مع شركائها الاقتصاديين وزبائنها مهما كانت الظروف، وعدم خلط أوراق السياسة بالتعهدات التي تكشف معدن الجزائر، مشيراً إلى طبيعة العلاقات مع أوروبا، حيت قال إن دولها تعتبر صديقة للجزائر تتشارك معها المصالح المتبادلة "فهي تحتاجنا كما نحتاجها أيضاً"، ودليل ذلك التزام الجزائر لتزويد إسبانيا بالغاز رغم فترة الفتور التي مرت بها العلاقات الثنائية. كما كشف عن قبول الاتحاد الأوروبي مراجعة بنود اتفاق الشراكة مع الجزائر، وتكييفها مع مستجدات وظروف المرحلة الراهنة، مع الحفاظ على أواصر الصداقة التي تجمع الطرفين، وبالتالي إعادة بناء الشراكة من منطلقات جديدة تضمن التكافؤ وتحقيق المكاسب، ثم أضاف قائلا: "هم يدافعون عن مصالحهم ونحن من حقنا الدفاع عن مصالحنا". 

المساهمون