تايوان... قلعة السيلكون العالمية تؤجج النزاع بين واشنطن وبكين

ما سر النزاع الأميركي الصيني حول تايوان.؟

03 اغسطس 2022
تايبيه تشعل التوتر الصيني الأميركي (Getty)
+ الخط -

باتت تايوان، الجزيرة الصغيرة في بحر الصين الجنوبي تلفت أنظار المستثمرين والساسة حول العالم، خاصة أنها تعد واحدة من أهم قطع الشطرنج في النزاع الاستراتيجي بين واشنطن وبكين على تشكيل النظام العالمي المقبل. وكدليل على أهمية تايوان في نزاع النفوذ بين واشنطن وبكين على آسيا تراجعت البورصات الآسيوية جميعها في تعاملات يوم الثلاثاء على خلفية التوتر الجاري بين بكين وواشنطن الذي أثارته زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي لجزيرة تايوان ضمن جولتها في جنوب شرق آسيا
وإذا كانت أوكرانيا، القنبلة التي تهدد مستقبل أوروبا وتشكل محور النزاع بين روسيا وأوروبا قد تفجرت أزمتها في نهاية فبراير/ شباط الماضي بعد الغزو الروسي، فإن قنبلة تايوان لا تزال تنتظر التفكيك وقد تهدد الاستقرار السياسي وربما تقرر مستقبل النفوذ السياسي والاقتصادي والمالي في آسيا وفق محللين.
ويثار السؤال حول ما هي أهمية هذه الجزيرة الصغيرة، تايوان، من حيث المساحة وعدد السكان الذي لا يتعدى 23 مليون نسمة للولايات المتحدة ولماذا تصر الصين على ضمها إلى سيادتها والمغامرة بالمصالح التجارية الواسعة مع الولايات المتحدة التي تعد أكبر شريك تجاري لها.
حسب بيانات ستاتيستا، فإن الولايات المتحدة تعد أهم شريك تجاري للصين. وبلغت صادرات الصين للولايات المتحدة في عام 2021 نحو 577.13 مليار دولار. وفي شهر واحد فقط وهو مايو/ أيار الماضي بلغ حجم التجارة بين الصين والولايات المتحدة 56.18 مليار دولار.
من الناحية الاقتصادية فإن حجم الاقتصاد التايواني ليس كبيراً بمقياس الاقتصاد الصيني، في العام الماضي 2021 لا يتجاوز الرقم 760 مليار دولار، كما أن حجم تجارة تايوان مع الولايات المتحدة حسب بيانات وزارة التجارة الأميركية بلغ 105.9 مليارات دولار في عام 2020، وبالتالي لا يمكن قياس المصالح التجارية للولايات المتحدة مع الصين مقارنة بمصالحها مع تايوان.
ووفق خبراء فإن هنالك ثلاثة عوامل رئيسية تجعل من تايوان جزيرة مهمة في استراتيجية النزاع على النفوذ العالمي بين واشنطن وبكين. وهذه العوامل، هي الموقع الاستراتيجي لجزيرة تايوان في بحر الصين الجنوبي كقلعة رأسمالية ذات اقتصاد متقدم يهدد النظام الشيوعي الصيني القائم على الإدارة المركزية للاقتصاد.

أما العامل الثاني والأهم فهو السلاح الاستراتيجي الذي تملكه تايوان وهو سلاح صناعة الشرائح الإلكترونية المتقدمة التي تصنع التفوق التقني في العالم وتسيطر تايوان عليه.
وتطمع الصين في تملك هذه التقنيات المتقدمة جداً وتتخوف الولايات المتحدة من الإضافة التي تصنعها هذه الصناعة البالغة الأهمية في التقدم الصناعي والعسكري الصيني عبر ضم تايوان.
أما العامل الثالث فهو عامل سياسي، وهو أن واشنطن قلقة من أن ترك مصير تايوان للصين ربما يرسل إشارة سلبية لحلفائها في آسيا، بأنها ستتخلى عنهم كما تخلت عن حلفائها في أفغانستان لطالبان. ولذا تتخوف واشنطن من خسارة نفوذها في آسيا وربما تكون هذه الخسارة قاصمة الظهر لطموح واشنطن في الاحتفاظ بالنظام العالمي القائم الذي تهيمن عليه، وتفتح الباب أمام الصين المتحالفة مع روسيا لبناء نظام عالمي جديد يهدد موقعها الاقتصادي والمالي.
وتعد تايوان من ناحية موقعها الاستراتيجي في بحر الصين الجنوبي ممرا بحريا رئيسيا لحركة التجارة الضخمة إلى حلفاء استراتيجيين مثل اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة.
على صعيد صناعة أشباه الموصلات التي تعد من الركائز الرئيسية للأمن القومي الأميركي وفي التفوق الاقتصادي والتقني، فإن تايوان تعد الدولة الثانية في مبيعات أشباه الموصلات بعد الولايات المتحدة.
وحسب تقرير لاتحاد صناعة أشباه الموصلات في الولايات المتحدة، فإن مبيعات صناعة أشباه الموصلات أو الشرائح الإلكترونية المتقدمة في تايوان بلغت 130.8 مليار دولار في العام الماضي 2021، بينما تقدر مبيعات أشباه الموصلات في أميركا في العام الماضي أكثر من إجمالي المبيعات العالمية البالغة 555.9 مليار دولار، وفقاً لاتحاد أشباه الموصلات الأميركي. وهذا يعني ببساطة أن الولايات المتحدة وتايوان تسيطران على أكثر من 75% من إجمالي مبيعات الشرائح في العالم.
ورغم أن الصين دولة كبيرة في صناعة الشرائح الإلكترونية العادية، إلا أن تايوان تهيمن على الشرائح المتقدمة جداً التي تحدث الفرق في التقدم التقني العالمي. وبالتالي فإن الولايات المتحدة تقلق من استيلاء بكين على هذه الصناعة المتقدمة، عالية الدقة وتتحكم في نظم الاتصالات والبنوك والمعدات العسكرية، خاصة أن الولايات المتحدة هي التي صنعت من تايوان قلعة متقدمة في صناعة الشرائح الإلكترونية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ضمن أسلحة إظهار التفوق التقني الرأسمالي على النظام الشيوعي الصيني، ولذا سيكون من الصعب أن تترك واشنطن هذه القلعة التقنية للصين.

حسب سياسة بكين، تعتبر الحكومة الصينية بناء على استراتيجية "الصين الواحدة" أن تايوان مقاطعة تابعة لحكومة البر الصيني وذات حكم ذاتي فقط، ويجب على واشنطن عدم الاعتراف الدبلوماسي بها كدولة مستقلة أو تسليحها. من جانبها، تواصل واشنطن التعامل مع تايوان كدولة مستقلة وقلعة ديمقراطية يجب الدفاع عنها في وجه الحكم الأوتوقراطي الصيني.

المساهمون