تأخر التصليح ينذر بتعطل خطي "السيل الشمالي": مليارات مدفونة

تأخر التصليح ينذر بتعطل خطي "السيل الشمالي": مليارات مدفونة

05 أكتوبر 2022
جانب من أنابيب نورد ستريم التي تنقل الغاز الطبيعي إلى أوروبا (Getty)
+ الخط -

شكلت الأعمال التخريبية التي استهدفت أنابيب خطي "السيل الشمالي" و"السيل الشمالي-2" (Nord Stream)، في نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي سابقة لانتقال أعمال القتال من الجبهات العسكرية والسياسية والاقتصادية إلى استهداف البنية التحتية في مجال الطاقة في عمق البحار، وسط ضعف الآمال في التوصل إلى المتسببين فيه، نظراً لظروف انعدام التعاون والثقة بين روسيا والغرب.

وفي الوقت الذي تؤكد فيه روسيا أن أعمال التصليح تتطلب وقتاً رغم توفر الإمكانات الفنية لذلك، يحذر خبراء في شؤون الطاقة من أن التأخر في بدء أعمال صيانة أنابيب الخطين ينذر بتعطلهما نهائياً ودفن استثمارات تفوق قيمتها 20 مليار دولار في قاع البحر.
ويشير رئيس معهد الطاقة والمال في موسكو، مارسيل صالحوف، إلى أن روسيا وألمانيا هما الخاسران الأكبران جراء الأضرار اللاحقة بالخطين، محذراً من أن التأخر في الصيانة سيؤدي إلى تآكل الأنابيب من الداخل، مما سيحول دون إعادة تشغيلها في المستقبل.
ويقول صالحوف في حديث لـ"العربي الجديد": "أعتقد أن الضرر الأكبر لحق بالبلدين الممتد بينهما خط أنابيب الغاز، أي روسيا وألمانيا. صحيح أن خطي الغاز لم يكونا يستخدمان فعلياً لتوريد الغاز في الوقت الحالي، ولكنه كان يمكن استئناف استخدامهما فيما بعد لولا هذه الحادثة".
ويقدر خسائر "غازبروم" جراء الحادثة بمليارات الدولارات، مضيفاً: "خطا أنابيب الغاز مدرجان فعلياً ضمن أصول الشركة، ما يعني أنه يجب في جميع الأحوال إعادة تقييمها. وفي حال أجريت أعمال صيانة، فستكون على نفقة "غازبروم" أيضاً، وحتى الغاز التقني الذي تسرب هو أيضاً غاز الشركة، فيجري الحديث عن خسائر مالية بقيمة مليارات الدولارات. لكن ألمانيا خاسرة أيضاً من جهة تراجع أمنها الطاقي بعد تدمير منشأة كان يمكن استخدامها لتوريد الغاز إليها، بصرف النظر عن الظروف الجيوسياسية الراهنة".
ويحذر من الإتلاف النهائي لأنابيب الغاز ما لم يتم الإسراع في صيانتها، مضيفاً: "فيما يتعلق بالحالة الفنية للأنابيب، فكل ما يتم تداوله حالياً حول حجم الأضرار والفترة الزمنية والموارد المالية المطلوبة لتصليحها هو مجرد مضاربات. وبشكل عام، فإن أنابيب الغاز البحرية قابلة للتصليح، ولكن في حال التأخر في إجرائه، ستدخل المياه إليها، مما قد يؤدي إلى تآكل الأنابيب من الداخل".

ويلفت صالحوف إلى أنه كلما تأخر التصليح، ازداد أيضاً احتمال تعطل الأنابيب نهائياً، مشيراً إلى أنه من مصلحة روسيا وأوروبا إجراء أعمال التصليح للحفاظ على خطي "السيل الشمالي" و"سيل الشمال-2" البالغة تكلفتهما الإجمالية أكثر من 20 مليار دولار، للمستقبل.
بدوره، يؤكد نائب مدير صندوق أمن الطاقة الوطني في موسكو، أليكسي غريفاتش، أن تصليح الخطين وارد من الناحية الفنية عن طريق رفع الأنابيب لتلحيمها بسفينة، مع وجود تساؤلات حول وجود جدوى من ذلك، وفق تقديره.
ويقول غريفاتش في تعليق لـ"العربي الجديد": "يجب أولاً فحص موقع الحادثة لتقييم الخسائر، والتصليح، بالطبع، وارد من وجهة النظر التقنية، ولكن هناك تساؤلات حول المدة الزمنية والموارد المطلوبة وجدواه".
وحول الأساليب الفنية المتبعة لإصلاح الأنابيب في قاع البحر، يضيف: "تصليح الأنابيب البحرية أصعب من مثيلاتها البرية، خاصة أنه لا يعتمد على المسائل الفنية فحسب، وإنما أيضاً السياسية والتنظيمية والتجارية. بحر البلطيق ليس عميقا جدا، ولذلك يمكن رفع الأنابيب إلى سفينة لإجراء أعمال التلحيم. وهناك أيضاً نظم للتلحيم تحت سطح الماء".
ويعتبر أن تدمير أنابيب الغاز يصب في مصلحة أعداء الغاز الروسي في أوروبا، قائلاً: "لا يصب الوضع الراهن في مصلحة أوروبا كونه يحرمها حتى نظرياً من المناورة وإمكانية تسوية مسألة الحصول على الغاز من روسيا، ولكنه يصب في مصلحة من يعمل على إبعاد الغاز الروسي عن أوروبا".
ولما كان الرئيس الأميركي، جو بايدن، توعد في فبراير/شباط الماضي، بوضع حد لمشروع "السيل الشمالي-2" في حال غزت روسيا أوكرانيا، وفر ذلك لكبار المسؤولين والصحافة الروسية الموالية للكرملين ذريعة لتوجيه اتهامات صريحة إلى الولايات المتحدة بالوقوف وراء الأعمال التخريبية.
وزعم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في كلمة ألقاها الجمعة الماضي أثناء مراسم التوقيع على قبول أقاليم جديدة، أي "جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين" المعلنتين من طرف واحد ومقاطعتي زاباروجيا وخيرسون، إلى قوام روسيا أن الغرب لم يعد يكفيه ضغط العقوبات على روسيا، فانتقل إلى أعمال تخريبية.
وقال بوتين: "الأنجلوساكسونيون لا تكفيهم العقوبات، فانتقلوا إلى أعمال تخريبية، وهذه حقيقة مدهشة، عن طريق تنظيم تفجيرات بخطوط الغاز الدولية لـ"السيل الشمالي" الممتدة في قاع بحر البلطيق، وانتقلوا فعلياً إلى تدمير البنية التحتية لعموم أوروبا في مجال الطاقة".
من جانب آخر، أقر أمين مجلس الأمن الروسي، نيقولاي باتروشيف، بأن روسيا لا تتوفر لديها بيانات حول ضلوع أجهزة الاستخبارات الغربية في الأعمال التخريبية في بحر البلطيق.

المساهمون