استمع إلى الملخص
- جاءت التقييدات نتيجة حملة من قراصنة إلكترونيين تستهدف الحسابات البنكية، مما دفع البنوك لفرض إجراءات مشددة لحماية الأموال، رغم صعوبتها على المواطنين.
- دعا رئيس اتحاد الغرف التجارية والمختصون الاقتصاديون إلى تخفيف القيود المصرفية لتسهيل المعاملات المالية وتحذير من تفاقم الأزمة الاقتصادية.
فرضت بنوك فلسطينية تقييدات كبيرة على التحويلات المالية إلى الحسابات الإلكترونية ولحسابات التجار والباعة، في معاناة إضافية لأهالي غزة الذين يعيشون أزمة سيولة خانقة دفعت بأغلبيتهم إلى الدفع الإلكتروني بدلا من التعامل بالنقد.
وتأتي هذه القيود في تناقض واضح لعمل سلطة النقد الفلسطينية (البنك المركزي) التي تشجّع المواطنين على التعامل بالدفع الإلكتروني بدلا من النقد، في وقت تزداد القيود على التحويلات بين الحسابات وعلى عمليات الشراء المحلية.
وتتهم قطاعات واسعة من المواطنين والمؤسسات، سلطة النقد والبنوك العاملة في القطاع بالقصور في التعامل مع هذه الأزمة، بسبب تقييدات مشددة على التحويلات البنكية، الأمر الذي زاد الطين بلة في منطقة تعيش أصلا على حافة الانهيار المالي. وتقول هذه القطاعات إن سلطة النقد لا تزال تلتزم الصمت، دون تقديم أي بيانات تتعلق بمشكلة السيولة والتحويلات المالية بغزة، وهو ما دفع لرواج السوق السوداء وتحكم فئة من التجار في سوق الصرف بدلا من البنوك.
تقييدات مشددة
وكشف مصدر مطلع من سلطة النقد عن وجود حملة منظمة من قراصنة إلكترونيين في الخارج تستهدف الحسابات البنكية والمحافظ الإلكترونية للمواطنين في قطاع غزة، مستغلين ضعف الثقافة المالية لدى الآلاف الذين أُجبروا على التعامل مع التطبيقات البنكية الإلكترونية بسبب الحرب والظروف الطارئة.
وقال المصدر، الذي رفض ذكر اسمه، في حديث لـ "العربي الجديد" إن هذه الهجمات الإلكترونية دفعت البنوك والجهات المالية إلى فرض تقييدات مشددة على عمليات السحب والتحويلات المالية، وذلك بهدف تقليل نسبة السرقة وحماية أموال المواطنين.
وأشار إلى أن جزءا كبيرا من الحسابات البنكية يتم إخضاعها لإجراءات رقابية إضافية في إطار جهود التصدي لمحاولات القرصنة والهجمات الإلكترونية، مضيفا أن التقييدات الحالية تسعى للحد من المخاطر، خاصة أن تحويلات معظم المواطنين في أسواق غزة تعتبر مبالغ بسيطة لا تتجاوز 500 شيكل يوميا.
وبيّن المصدر أن قرار إلغاء استخدام البصمة في بعض التطبيقات البنكية مرتبط بمسائل تتعلق بالأمان الرقمي، مرجحا أن يكون هناك ثغرات تقنية تم رصدها، مما استدعى تعديل بعض الإجراءات لضمان حماية حسابات المستخدمين من الاختراقات المحتملة.
ولفت إلى أنّ هذه الإجراءات، رغم صعوبتها على المواطنين، تهدف بالأساس إلى الحفاظ على أموالهم ومنع تعرضهم لخسائر جسيمة نتيجة للهجمات الإلكترونية المتزايدة.
وضع استثنائي في غزة
في المقابل أكد رئيس اتحاد الغرف التجارية في قطاع غزة، عائد أبو رمضان، أن التقييدات المفروضة على حسابات الأفراد تعتبر طبيعية ومشروعة في الظروف الاعتيادية، إلا أن الوضع الحالي مختلف تماما بسبب "الحرب الشرسة" التي يعيشها القطاع، والتي أدت إلى نقص حاد في السيولة النقدية.
وقال أبو رمضان في حديث لـ "العربي الجديد" إن الاعتماد على وسائل الدفع الإلكتروني أصبح أمرا متزايدا في ظل هذه الأزمة، خاصة مع إغلاق عدد من فروع البنوك، مما يستدعي ضرورة توسيع أنظمة التحويل المالي بما يتيح للمواطنين إجراء معاملاتهم بسلاسة. وشدد على أهمية تخفيف القيود المصرفية بشكل مدروس، خاصة في ظل التوجه الرسمي من سلطة النقد لدعوة المواطنين إلى استخدام الدفع الإلكتروني كوسيلة بديلة للنقد.
وأوضح أبو رمضان أن الغرفة التجارية في غزة مستعدة بشكل دائم للتعاون مع سلطة النقد، من خلال تقديم المشورة الاقتصادية والفنية، بما يلبي احتياجات التجار ويساهم في تنشيط الحركة التجارية بالأسواق، وتقليل الخسائر الناتجة من أزمة السيولة الحالية التي أثرت بشكل مباشر على عمليات البيع والشراء.
وتأتي هذه التصريحات في وقت تتزايد فيه المطالب المجتمعية والاقتصادية بإيجاد حلول عملية للأزمة المالية التي تعصف بالقطاع، وسط دعوات لمزيد من التنسيق بين البنوك والمؤسسات الاقتصادية. المختص في الشأن الاقتصادي محمد بربخ، حذّر من تفاقم أزمة السيولة والتحويلات المالية في قطاع غزة، مع تصعيد البنوك العاملة هناك لقيودها على التحويلات بشكل صارم وغير مسبوق.
وقال بربخ في حديث لـ "العربي الجديد" إن البنوك فرضت قيودا مشددة على الحوالات الصادرة والواردة، حيث وصلت القيود إلى حد سحب 500 شيكل فقط يوميا، بالإضافة إلى تحديد سقوف أسبوعية وشهرية للسحب، الأمر الذي فاقم من معاناة المواطنين وأثر بشكل مباشر على الحركة الاقتصادية في القطاع.
اختناق اقتصادي
وأشار إلى أن بعض التحويلات المالية القادمة من الخارج تم حجبها أو تأخيرها بحجج تتعلق بالتدقيق الأمني أو وجود مشاكل فنية مزعومة في إجراءات التحويل، ما زاد من تعقيد المشهد المالي.
في حين أشاد بربخ في خطوة التحقق عبر "الكود" بجانب البصمة، مشيرا إلى أن هذه الخطوة تقلل من عمليات القرصنة وسرقة الحسابات وتساهم في حفظ أموال العملاء.
ونبّه بربخ إلى أن استمرار هذه السياسات المالية الصارمة سيؤدي إلى مزيد من الاختناق الاقتصادي، داعيا سلطة النقد لضرورة أن تعمل وفق معايير وتصنيفات معينة على توسيع التحويلات المالية من حساب لآخر. وطالب بضرورة تحرك فوري من الجهات المعنية، وعلى رأسها سلطة النقد، لتخفيف هذه القيود وتسهيل تدفق التحويلات المالية بما يضمن حماية المجتمع الغزي من الانهيار الاقتصادي.
ووفق تقديرات اقتصادية، فإن السيولة في أسواق غزة انخفضت بأكثر من 55% منذ بداية الحرب، في وقت ترفض فيه إسرائيل السماح بإدخال أي كميات من الشيكل ضمن حرب الإبادة الجارية. ويدخل ضمن أزمة السيولة العملة القديمة والمهترئة وفئة 10 شواكل التي يرفض التجار والمواطنين التعامل معها، وهو ما يجعلها ضمن "الشيكل الخامل".
وبسبب نقص السيولة، يعجز أكثر من 80% من أصحاب الحسابات البنكية عن سحب أموالهم بالشكل الذي يغطي حاجاتهم الأساسية، وهو ما ساهم برفع نسبة الحصول على الكاش لأكثر من 30%.