بنك إنكلترا في مواجهة هبوط قاسٍ يهدد نمو الاقتصاد البريطاني
- تباطؤ النمو الاقتصادي البريطاني يتزامن مع تراجع ثقة المستثمرين وارتفاع تكاليف المعيشة، بينما تؤثر التحولات في التجارة العالمية وضعف الجنيه الإسترليني على الشركات البريطانية.
- بنك إنكلترا يواجه معضلة في إدارة السياسة النقدية، حيث أن التأخر في خفض الفائدة قد يعمق الركود، بينما الإسراع في التخفيض قد يعيد إشعال التضخم.
يعود القلق مجددًا ليخيّم على المشهد الاقتصادي في المملكة المتحدة، مع تصاعد التحذيرات من داخل بنك إنكلترا بشأن احتمالات انزلاق الاقتصاد نحو ركود جديد. فبينما تحاول السلطات النقدية تحقيق توازن دقيق بين كبح التضخم ودعم النمو، يتزايد الجدل حول بطء وتيرة خفض أسعار الفائدة في ظل بيئة اقتصادية تتسم بالهشاشة والتباطؤ، وفق صحيفة ذا وول ستريت جورنال.
ويأتي تصريح آلان تايلور، أحد أبرز واضعي السياسات في البنك، ليعكس انقسامًا داخليًا بشأن الاتجاه الأمثل للسياسة النقدية، وسط مؤشرات مقلقة على أن الاقتصاد البريطاني يسير على حافة هبوط حاد قد تكون تداعياته طويلة الأمد.
في السياق، حذّر آلان تايلور، اليوم الثلاثاء، من أن اقتصاد المملكة المتحدة يواجه احتمالًا متزايدًا للدخول في ركود، نتيجة ارتفاع تكاليف الاقتراض بشكل مفرط. وفي خطاب ألقاه في جامعة كامبريدج، قال آلان تايلور إن إحجام البنك المركزي عن خفض سعر الفائدة الرئيسي بسرعة يجعل من غير المرجح أن يحقق الاقتصاد هبوطًا هادئًا يعود فيه التضخم إلى هدف 2% من دون انكماش اقتصادي أو ارتفاع في معدلات البطالة. وأضاف تايلور أن السيناريو الأكثر ترجيحًا حاليًا هو الهبوط الحاد، حيث يتراجع التضخم إلى ما دون 2% بحلول أواخر عام 2026، بينما يظل الاقتصاد في حالة ضعف ممتدة. وأوضح أن هناك خطرًا متزايدًا من أن يتطور هذا الهبوط إلى ديناميكيات ركود.
وقال: "الاقتصاد يلامس حدّ النمو الصفري، وقد تؤدي أي قراءات سلبية بسهولة إلى تغيير المسار المستقبلي نحو الأسوأ. إن احتمال حدوث هذه النتيجة لم يعد ضئيلًا كما كان من قبل". وأشار تايلور إلى أن نتيجة الهبوط الحاد ستكون انخفاضًا قويًا في التضخم مقارنة بالهبوط المتعثر، مضيفًا: "الوصول إلى هذه المرحلة سيكون خطأً فادحًا".
وخلال الأشهر الأخيرة، صوّت تايلور مرارًا لصالح خفض سعر الفائدة الرئيسي بوتيرة أسرع من معظم زملائه في لجنة السياسة النقدية، وتشير تعليقاته الأخيرة إلى أنه سيصوّت مجددًا لصالح الخفض في اجتماع نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. يُذكر أن تايلور أستاذٌ للاقتصاد في جامعة كولومبيا، وهو أحد أربعة أعضاء في لجنة السياسة النقدية لا يعملون بدوامٍ كاملٍ في بنك انكلترا.
من جهة أخرى، أشار تايلور إلى أن اقتصاد المملكة المتحدة، الذي نما بسرعة في الربع الأول من العام، شهد تباطؤًا حادًا في الربع الثاني. ولفت إلى مؤشرات مبدئية تفيد بأن الشركات الصينية بدأت تخفض أسعارها لجذب عملاء جدد في أوروبا، بعد أن حُرمت الوصول إلى الأسواق الأميركية بسبب الرسوم الجمركية المرتفعة، وهي ظاهرة تُعرف بـ"تحويل التجارة". وأوضح أن أسعار السلع المستوردة تشهد انخفاضًا منذ عدة سنوات، متوقعًا استمرار هذا الاتجاه وربما تسارعه مع تزايد عمليات تحويل التجارة عالميًا، طالما بقيت المملكة المتحدة منفتحة نسبيًا ولم تتخذ سوى خطوات حمائية محدودة.
يمرّ الاقتصاد البريطاني بمرحلة حساسة تتقاطع فيها تداعيات السياسة النقدية المتشددة مع آثار تباطؤ التجارة العالمية وارتفاع تكاليف المعيشة. فمنذ أن رفع بنك إنكلترا أسعار الفائدة بوتيرة غير مسبوقة لمواجهة التضخم، بدأت علامات الإرهاق تظهر في القطاعات الإنتاجية والخدمية على حد سواء. وقد انعكس هذا الضغط في تباطؤ النمو وضعف الإنفاق الاستهلاكي، فيما تتراجع ثقة المستثمرين تدريجيًا بسبب المخاوف من ركود ممتد.
وتتزامن هذه التطورات مع تحوّلات دولية في التجارة، أبرزها إعادة توجيه الصادرات الصينية نحو الأسواق الأوروبية بعد العقوبات والرسوم الأميركية، ما أدى إلى موجة من الأسعار المنخفضة التي تضغط على الشركات البريطانية. كذلك فإن استمرار ضعف الجنيه الإسترليني يزيد كلفة الواردات ويقيد قدرة الأسر على الاستهلاك، فيما تواجه الحكومة تحديات مالية بسبب ارتفاع فوائد الدين العام وتراجع الإيرادات.
في هذا السياق، تبدو المخاطر المزدوجة واضحة أمام بنك انكلترا، فالتأخر في خفض الفائدة قد يعمّق الركود، بينما الإسراع في التخفيض قد يعيد إشعال التضخم قبل استقراره الكامل. هذه المعادلة الدقيقة تجعل من كل قرار نقدي اختبارًا حساسًا لمصداقية البنك واستقلاليته.
لذلك، تؤكد تصريحات تايلور أن الاقتصاد البريطاني يسير على خيطٍ رفيع بين السيطرة على التضخم والحفاظ على النمو. فبينما يطالب بعض صناع القرار بتخفيف السياسة النقدية لحماية النشاط الاقتصادي، يخشى آخرون من أن أي تراجع سريع في الفائدة قد يبدد مكاسب عامين من الجهود لمكافحة التضخم. وفي ظل تباطؤ عالمي يهدد الصادرات وارتفاع الدين المحلي، يبدو أن معركة الاستقرار الاقتصادي في بريطانيا لا تزال في بدايتها، وأن الهبوط الحاد الذي يحذر منه تايلور قد يصبح واقعًا ما لم يُتخذ مسار متوازن بين الحذر والجرأة في إدارة السياسة النقدية.