بعد عاصفة الذهب.. السباق على الفضة يسجل مستويات تاريخية في لندن

12 أكتوبر 2025   |  آخر تحديث: 12 أكتوبر 2025 - 00:36 (توقيت القدس)
سبائك ومشغولات فضية (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهدت سوق الفضة في لندن ارتفاعًا تاريخيًا في الأسعار، متجاوزة 50 دولارًا للأونصة، مدفوعة بعوامل مثل الإغلاق الحكومي الأمريكي، ومخاوف الرسوم الجمركية من ترامب، وزيادة الطلب من الهند.
- تراجعت مخزونات الفضة في لندن بمقدار الثلث منذ منتصف 2021، مما أدى إلى نقص في المعروض ودفع المتعاملين لنقل الفضة جواً من نيويورك.
- ارتفعت تكاليف الاقتراض مع تجاوز الأسعار مستويات قياسية، ويتوقع المحللون حل الأزمة بزيادة المعروض وتخفيف الرسوم الجمركية المحتملة.

بعد عاصفة الذهب، حان وقت عاصفة الفضة التي ارتفعت أسعارها في لندن إلى مستويات غير مسبوقة مع سعي المستثمرين لملاذات آمنة خوفا من تبعات الإغلاق الحكومي الأميركي ومن إمكانية أن يفرض عليها الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسوما جمركية.

ويقول تقرير لوكالة بلومبيرغ إن سوق الفضة التاريخي في لندن يعيش حالة من الفوضى بعد ضغوط البيع المفاجئة أمس الجمعة، حيث ارتفعت أسعار المعدن إلى أكثر من 50 دولارا للأونصة، للمرة الثانية فقط في التاريخ، مثيرةً ذكريات محاولة الأخوين المليارديرين هانت احتكار السوق عام 1980.

أسعار الفضة في لندن، التي تعتبر سوقا مرجعية، قفزت إلى مستويات غير مسبوقة تقريبًا مقارنة بنيويورك. ووصف المتعاملون سوقًا نضبت بالكامل، ما جعل المشترين الطامحين لصفقات فورية يعانون للحصول على المعدن، ويضطرون لدفع تكاليف اقتراض باهظة لتأجيل صفقاتهم إلى تواريخ لاحقة.

وقد أصبح الوضع شديدا لدرجة أن بعض المتعاملين سارعوا إلى حجز مساحات في عنابر الشحن على الرحلات الجوية عبر الأطلسي لنقل سبائك الفضة الضخمة، وهو أسلوب نقل باهظ عادة ما يُستخدم للذهب، للاستفادة من الفارق الكبير في الأسعار بين لندن ونيويورك. ويقول المتعاملون والمحللون إنه لا يوجد في الوقت الحالي من يحاول احتكار السوق مثل الأخوين هانت، مشيرين بدلا من ذلك إلى مجموعة من العوامل التي دفعت الأسعار إلى الارتفاع، لكن فوضى اليومين الماضيين تشبه إلى حد كبير أزمة عام 1980، بل إنها من بعض الجوانب أكثر حدة.

وتنقل بلومبيرغ عن أنانت جاتيا، الرئيس التنفيذي للاستثمار في صندوق التحوط "غرينلاند إنفستمنت مانجمنت" قوله: "لم أرَ شيئا كهذا من قبل. ما نشهده في سوق الفضة غير مسبوق تماما".

عدم يقين

على مدى أكثر من قرن، كانت لندن قلب أسواق المعادن النفيسة، حيث تحدد مجموعة صغيرة من البنوك الأسعار العالمية للذهب والفضة المتداولة والمخزنة في عدد محدود من الخزائن في أنحاء المدينة. وفي نهاية كل يوم، تنقل شاحنات مؤمّنة السبائك بين خزائن المتعاملين لتسوية الصفقات. وقد جاء الارتفاع الأخير في الأسعار مدفوعا إلى حد كبير بموجة من الاستثمار في الذهب والفضة، تغذيها مخاوف من ارتفاع مستويات الديون في الغرب وتراجع قيمة العملات، وهي موجة تسارعت وسط أزمة الميزانية والإغلاق الحكومي في الولايات المتحدة.

لكن الأزمة تعكس أيضا عوامل خاصة بسوق الفضة، إذ يشير المتعاملون إلى قفزة مفاجئة في الطلب من الهند خلال الأسابيع الأخيرة، إلى جانب تراجع المعروض من السبائك المتاحة للتداول، ومخاوف من احتمال فرض الولايات المتحدة رسوما جمركية على المعدن.

يعتمد سوق الفضة على مئات الملايين من الأونصات المخزنة في خزائن لندن لتوفير المعروض في الأسواق. إلا أن هذا المخزون تراجع بشكل مطّرد في السنوات الأخيرة: أولا بسبب عجز الإنتاج المعدني عن تلبية الطلب الصناعي والاستثماري (مثل الألواح الشمسية)، ثم هذا العام بسبب اندفاع الشحن إلى الولايات المتحدة وسط مخاوف من الرسوم الجمركية.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

انخفضت مخزونات الفضة في لندن بمقدار الثلث منذ منتصف عام 2021، بينما تقلص "المخزون الحر"، أي الكميات المتاحة فعليا للتداول، إلى نحو 200 مليون أونصة، بانخفاض 75% عن ذروتها التي تجاوزت 850 مليون أونصة في منتصف 2019، وفقًا لحسابات بلوميبرغ. وتزامن ارتفاع الشراء الاستثماري هذا الشهر مع زيادة حادة في الطلب من الهند. فبعد أن كانت الهند تشتري من هونغ كونغ، تحولت إلى الشراء من مصادر أخرى.

وأصدرت رابطة سوق السبائك اللندنية (LBMA) بيانا قالت فيه إنها "على علم بحالة الشح في سوق الفضة وتتابع الوضع من كثب".

تحطيم الأرقام القياسية

اخترقت الأسعار عدة مستويات قياسية خلال اليومين الماضيين، فقد تجاوزت مزادات الفضة اليومية في لندن، المستمرة منذ عام 1897، حاجز 50 دولارا لأول مرة على الإطلاق يوم الجمعة. وارتفع السعر الفوري في لندن بفارق بلغ 3 دولارات عن عقود نيويورك الآجلة، وهو فارق لم يُشهد منذ أزمة الأخوين هانت. كما تجاوزت تكاليف اقتراض الفضة في لندن بين عشية وضحاها 100% على أساس سنوي، وهو مستوى أعلى مما لوحظ حتى في أزمة 1980، وفقا لأحد خبراء السوق. وفي مؤشر آخر على الضغط في السوق، اتسعت الفروق بين أسعار الشراء والبيع من نحو 3 سنتات للأونصة إلى أكثر من 20 سنتا.

في عام 1980، كُسر احتكار السوق بتدخل من البورصات، حيث فرضت بورصة كومكس، وهي سوق السلع الأساسية للمعادن الثمينة، ومجلس شيكاغو للتجارة، قواعد منعت المتعاملين من فتح مراكز جديدة وسمحت فقط بتصفية المراكز المفتوحة. أما اليوم، فلا يوجد حل سهل مماثل. ومن المرجح أن تُحل الأزمة حين يتوفر المزيد من الفضة في لندن، سواء من خلال إقدام صناديق صناديق الاستثمارات أو المستثمرين على بيع ما لديهم أو نقل السبائك من مناطق أخرى من العالم.

ويبدو أن هذا بدأ بالفعل، فقد قال مسؤول في شركة لوجستية إنه تلقى مكالمات متزايدة خلال الأسبوع الماضي من عملاء يسعون إلى نقل الفضة من خزائن نيويورك إلى لندن جوا، وقدّر الكميات المراد شحنها بنحو 15 مليون أونصة إلى 30 مليون أونصة. وشهدت بورصة "كومكس" يوم الجمعة أكبر سحب يومي للفضة منذ أكثر من أربع سنوات. ويرجّح آخرون أن تبدأ الصادرات من الصين، حيث تُتداول الأسعار حاليا بأقل من أسعار لندن، رغم أن الكميات قد تكون محدودة بسبب شح الإمدادات المحلية.

ومع ذلك، يتردد بعض المتداولين في تصدير الفضة من نيويورك بسبب تعقيدات النقل، خصوصا مع مخاوف من أن الإغلاق الحكومي الأميركي قد يبطئ إجراءات الجمارك، إضافة إلى أن أي تأخير ليوم واحد فقط قد يكون مكلفا جدا في ظل أزمة لندن. ولا تزال هناك مخاوف من أن يفرض ترامب رسوما جمركية على واردات الفضة ضمن ما يُعرف بتحقيقات المادة 232 الخاصة بالمعادن الحيوية، التي تشمل الفضة.

وتقول آمي غاور، المحللة في مورغان ستانلي، إنه إذا لم تُفرض رسوم جمركية على الفضة، فقد يؤدي ذلك إلى تخفيف الطلب الشديد في السوق الأميركية وتخفيف الشح في لندن، فالأسعار المرتفعة غالبا ما تكون الحل المؤقت لمثل هذه الأزمات.

المساهمون