بريطانيا بين دعم العمال وتحديات أصحاب العمل
استمع إلى الملخص
- أعربت غرف التجارة واتحاد الصناعة عن قلقهما من تأثير الإصلاحات على الشركات الصغيرة والمتوسطة، بسبب زيادة حالات الغياب وصعوبة إيجاد بدائل للموظفين.
- تطالب بعض الجهات العمالية برفع الحد الأدنى للأجر المرضي إلى 95%، بينما تؤكد الحكومة أن التعديلات تهدف لتعزيز حقوق العمال وتحفيز الإنتاجية.
أعلنت الحكومة البريطانية اليوم إصلاحات جديدة في نظام أجر العمال المرضي القانوني في بريطانيا، من شأنها تحسين مستويات المعيشة لأكثر من مليون عامل في جميع أنحاء المملكة المتحدة.
في تحول جذري لسياسات العمل، سيصبح بإمكان العمال ذوي الدخل المحدود الحصول على 80% من رواتبهم الأسبوعية أجرًا مرضيًا بدءًا من اليوم الأول لغيابهم، أو الاستفادة من الحد الأدنى للأجر المرضي القانوني الذي سيرتفع إلى 118.75 جنيهًا إسترلينيًا أسبوعيًا اعتبارًا من إبريل/نيسان المقبل. ويُلغي هذا القرار شرط الانتظار لمدة ثلاثة أيام الذي كان معمولًا به سابقًا، ما يتيح للعمال الحصول على دعم فوري عند المرض، دون الحاجة إلى الاختيار بين صحتهم ومعيشتهم.
ووصفت وزيرة العمل والمعاشات، ليز كيندال، في تصريح لها اليوم على موقع الحكومة البريطانية، هذه الخطوة بأنها "تاريخية"، مؤكدة أنها تعكس التزام الحكومة تحسين ظروف العمل وتعزيز الأمان الوظيفي للعمال في جميع أنحاء البلاد.
أمّا جين غراتون، نائبة مديرة السياسة العامة في غرف التجارة البريطانية، فوصفت هذا الإعلان في تصريح لـ"العربي الجديد" بأنه حلٌّ وسط عادل ومعقول. وقالت: "بينما يسعى أصحاب العمل لدعم الموظفين، فإن من غير المنصف أن تتجاوز رواتب الإجازة المرضية ما يتقاضونه شهريًا."
وأضافت غراتون: "مع ذلك، تشعر الشركات بالقلق من أن منح الاستحقاق منذ اليوم الأول للإجازة المرضية لجميع العمال قد يؤدي إلى زيادة حالات الغياب، وهو أمر قد يكون من الصعب على الشركات الصغيرة والمتوسطة تحمّله."
وأشارت إلى أن أصحاب العمل غالبًا ما يواجهون صعوبة في إيجاد بدائل للموظفين المتغيبين في وقت قصير، ما يتسبب في اضطراب الخدمة المقدمة للعملاء. وأوضحت أن بحث غرف التجارة البريطانية أظهر أن نقص الموظفين لا يؤثر فقط بسير العمل، بل ينعكس أيضًا على معنويات ورفاهية أعضاء الفريق الآخرين، الذين يضطرون غالبًا إلى تحمّل أعباء إضافية لتعويض غياب زملائهم.
وحذّرت غراتون من أن تقييم التأثير الذي أجرته الحكومة يفتقر إلى أدلة قوية بشأن مسألة منح الحقوق منذ اليوم الأول، ما قد يؤدي إلى عواقب غير متوقعة.
قلق أصحاب العمل
من جانبه، قال راين نيوتن سميث، الرئيس التنفيذي لاتحاد الصناعة البريطاني، في بيان وصل لـ "العربي الجديد": "حظيت الحكومة، وبحق، بإشادة واسعة من قطاع الأعمال في الآونة الأخيرة، نظراً لاستعدادها لاتخاذ قرارات صعبة رغم المعارضة، وذلك بهدف دعم تحقيق النمو المستدام. ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن هذا المشروع القانوني سيعوق جهود الشركات للقيام بدورها في تحويل هذه الرؤية إلى واقع، في وقت لا تزال فيه العديد من الشركات تكافح لمواجهة التكاليف المتزايدة لممارسة الأعمال".
وأوضح سميث أنّ الحكومة أبدت انفتاحًا جديرًا بالثناء في الاستماع إلى آراء القطاع الصناعي بشأن هذه الخطط، بيد أنّ الشركات لا تزال تشعر بقلق عميق لأن هذا الاستعداد للحوار لم يُترجم إلى تغييرات حقيقية لمعالجة العديد من القضايا الرئيسية، حيث يفرض التشريع قيودًا لا رجعة فيها.
وقال: "أفادت العديد من الشركات أن المشكلة لا تكمن في الأفكار ذاتها، بل في العواقب غير المقصودة لكيفية تنفيذ هذه السياسات، التي قد تؤدي إلى آثار مدمّرة على النمو والوظائف والاستثمار. هناك خطر حقيقي من أن يفرض هذا التشريع مجموعة واسعة من اللوائح التنظيمية على جميع الشركات، ما يعوق قدرتها على خلق الوظائف الآمنة وعالية الجودة التي نسعى جميعًا لتحقيقها".
وأضاف سميث: "تقف الشركات بشكل واضح وراء مهمة النمو التي تتبناها هذه الحكومة، وتدعم جهودها لتحقيقها. ولا يزال بالإمكان التوصل إلى تسوية تحظى بثقة كل من الشركات والعمال، وذلك من خلال تخصيص الوقت الكافي لبناء توافق يضمن لهذه الإصلاحات أساسًا راسخًا لتحقيق تأثير إيجابي مستدام. والآن هو الوقت المناسب لجعل بناء هذا التوافق بمثابة البوصلة التي توجه تنفيذ هذه الحزمة من الإصلاحات".
العمال غير راضين
تدافع الحكومة عن التعديلات الجديدة باعتبارها خطوة إيجابية لدعم العمال ذوي الأجور المنخفضة وضمان العدالة لأصحاب العمل، حيث تؤكد كيندال أن "السعر الجديد جيد للعمال ومنصف للشركات، كجزء من خطتنا لتعزيز الحقوق وجعل العمل أكثر إنصافًا".
ومع ذلك، ترى بعض الجهات العمالية أن هذه التعديلات لا تزال غير كافية، إذ تطالب برفع الحد الأدنى للأجر المرضي للعمال الأقل دخلاً ليصل إلى 95% من أجرهم الأسبوعي.
وفي هذا السياق، شدد بول نواك، الأمين العام لـ "مؤتمر نقابات العمال"، على ضرورة استمرار الجهود لتحسين الأجور المرضية، وقال في تصريحات على موقع الحكومة البريطانية: "لا ينبغي أن تكون هذه نهاية القصة. إننا نحث الوزراء على رفع معدل التعويض لأصحاب الدخل المنخفض إلى أكثر من 80%، وإجراء مراجعة شاملة لمعدل الأجر القانوني للإجازات المرضية".
وفي خضم التحديات الاقتصادية التي تواجهها المملكة المتحدة، تسعى الحكومة لإعادة تشكيل قوانين العمل جذرياً، ما قد يعيد تعريف العلاقة بين العمال وأصحاب العمل. من تمديد فترة الاختبار للموظفين الجدد إلى تسعة أشهر، إلى إلغاء الحق في "إيقاف التشغيل" خارج ساعات العمل، تبدو هذه التعديلات محاولة لتحقيق توازن جديد بين تعزيز الإنتاجية وحماية حقوق العمال.
يأتي ذلك في وقت تشهد فيه المملكة المتحدة تباطؤًا في معدلات الإنتاجية يفوق المعدلات العالمية، وهو ما يُعتبر عقبة رئيسية أمام تحقيق النمو الاقتصادي المستدام. وترى الحكومة أن هذه الإصلاحات ضرورية لتحفيز الإنتاجية وتمهيد الطريق لعقد من التجديد الوطني.
وفي هذا الصدد، أكدت نائبة رئيس الوزراء، أنجيلا راينر، أن الاستثمار في القوى العاملة استثمار في المستقبل، قائلة: "ما نضعه في القوى العاملة لدينا، نعود إليه وأكثر". وأشارت في تصريح على موقع الحكومة البريطانية إلى أن الإصلاحات الجديدة ستجعل الأجر المرضي القانوني حقًا لجميع العمال لأول مرة، ما يضمن لهم البقاء في وظائفهم دون المخاطرة بفقدان مصدر دخلهم.