بروكسل تستسلم لترامب... اتفاق تجاري يُخضع أوروبا

29 يوليو 2025   |  آخر تحديث: 09:09 (توقيت القدس)
دونالد ترامب وأورسولا فون دير لاين، اسكتلندا 27 يوليو 2025 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الاتفاق التجاري بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي: تم التوصل إلى اتفاق يفرض رسوماً بنسبة 15% على معظم الصادرات الأوروبية، بما في ذلك السيارات والرقائق الإلكترونية، مع انتقادات لكونه تنازلاً استراتيجياً من أوروبا.

- التزامات اقتصادية واستراتيجية: يتضمن الاتفاق شراء الاتحاد الأوروبي منتجات طاقة أميركية بقيمة 750 مليار دولار واستثمارات بقيمة 600 مليار دولار في الاقتصاد الأميركي، مع زيادة مشتريات المعدات الدفاعية.

- ردود الفعل الأوروبية والأسواق المالية: تفاوتت ردود الفعل بين الترحيب والانتقاد، حيث اعتبرت ألمانيا الاتفاق تجنباً للتصعيد، بينما وصفته فرنسا بالخضوع، مع تحذيرات من تأثير التوترات الجمركية على نمو منطقة اليورو.

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، مساء الأحد، التوصل إلى اتفاق تجاري يقضي بفرض رسوم جمركية بنسبة 15% على معظم الصادرات الأوروبية إلى الولايات المتحدة، من بينها السيارات والرقائق الإلكترونية والأدوية، وهي نسبة أقل من النسبة التي هدد بها ترامب سابقا (30%)، لكنها لا تزال أعلى بكثير من المعدلات التي كانت سارية قبل التصعيد، والتي تراوحت بين 1% و2% فقط، وفقا لمعهد بروغيل الاقتصادي في بروكسل.

الاتفاق، الذي جاء بعد مفاوضات متوترة استمرت أسابيع، أنقذ الجانبين من الدخول في حرب رسوم متبادلة كان من المتوقع أن تبدأ في الأول من أغسطس/آب. لكن في مقابل تفادي الصدام، تكبلت أوروبا بالتزامات ثقيلة على مستويي الاستيراد والاستثمار، دون أن تنال إعفاءات واضحة من القيود الأميركية، ما دفع أطرافا مركزية في القارة إلى وصف الاتفاق بأنه "تنازل استراتيجي أكثر منه شراكة متكافئة"، واستسلام أوروبي بحسب تعابير مسؤولين فرنسيين رفيعي المستوى.

ويلزم الاتفاق الاتحاد الأوروبي بتنفيذ حزمة من التعهدات الاقتصادية والاستراتيجية، أبرزها شراء منتجات طاقة أميركية، تشمل الغاز الطبيعي، والنفط، والوقود النووي، بقيمة تقدر بـ 750 مليار دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة، في جزء من توجه أوروبي لتقليل الاعتماد على روسيا بعد غزو أوكرانيا. كما يلتزم الاتحاد بضخ 600 مليار دولار إضافية استثمارات مباشرة داخل الاقتصاد الأميركي خلال فترة ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب الثانية.

ووفق بنود الاتفاق "لن تفرض الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أي رسوم جمركية على جميع الطائرات ومكوناتها وبعض المواد الكيماوية وبعض الأدوية المقلدة، التي لا تحمل اسماً تجارياً، ومعدات أشباه الموصلات وبعض المنتجات الزراعية والموارد الطبيعية والمواد الخام الأساسية. وستُضاف منتجات أخرى لاحقاً. أما بالنسبة للمشروبات الروحية، فلم يُحدد وضعها بعد". كما ستبقى الرسوم الجمركية على صادرات أوروبا من الصلب والألمنيوم عند 50% لكن فون ديرلاين قالت إن هذه الرسوم ستخفض لاحقاً وسوف تستبدل بنظام الحصص.

وبموازاة هذه الالتزامات، وافقت بروكسل على زيادة مشترياتها من المعدات الدفاعية والعسكرية الأميركية، دون سقف محدد، ما يرسخ الاعتماد الاستراتيجي على واشنطن في مجالات الأمن والدفاع. ورغم هذه التنازلات، لم تحصل أوروبا على إعفاءات شاملة من الرسوم الجمركية، إذ أبقت الولايات المتحدة على الرسوم بنسبة 15% على معظم السلع الأوروبية، واحتفظت برسوم بنسبة 50% على الصلب والألمنيوم، مع إمكانية مراجعتها لاحقا دون جدول زمني ملزم.

وستطبق الرسوم على السلع التي تمثل قرابة 60% من مجمل الصادرات الأوروبية إلى الولايات المتحدة، مع استثناءات محدودة شملت الطائرات وبعض المواد الخام والمنتجات الزراعية التقنية. كما منح الاتفاق البيت الأبيض صلاحية رفع الرسوم مستقبلا إذا رأى أن الجانب الأوروبي لم يلتزم بكامل تعهداته، ما يجعل الاتفاق عرضة لإعادة التفاوض في أي لحظة، ويحوله فعليا إلى صفقة ذات طابع أحادي تفرض بشروط أميركية أكثر منها شراكة متكافئة.

مواقف أوروبية متباينة

تفاوتت ردود الفعل الأوروبية على الاتفاق بين لهجة الترحيب المشروط، والانتقاد المباشر لشروط الصفقة. ففي ألمانيا، اعتبر المستشار فريدريش ميرز أن الاتفاق "جنب العلاقات الاقتصادية عبر الأطلسي تصعيدا غير ضروري"، مشيرا إلى أن بلاده "تمكنت من الحفاظ على مصالحها الأساسية"، لكنه أضاف أنه "كان يأمل في إعفاءات أوسع لتخفيف العبء عن الصادرات". في المقابل، جاءت لهجة فرنسا أكثر حدة، إذ وصف رئيس الوزراء فرانسوا بايرو الاتفاق بأنه "خضوع" للولايات المتحدة واستسلام لها، وكتب على منصة "إكس": "إنه يوم قاتم حين تقبل تحالفات شعوب حرة، توحدت للدفاع عن قيمها ومصالحها، بأن تنتهي إلى الخضوع".

كما هاجم وزير الدولة الفرنسي للشؤون الأوروبية بنجامين حداد الاتفاق بشكل مباشر، وقال، وفقا لرويترز، إن "ما جرى ليس اتفاقا حقيقيا، بل مناورة تفاوضية لصالح واشنطن"، وأضاف: "ترامب أكل فون ديرلاين على الفطور". أما بلجيكا، فقد اتخذت موقفا وسطيا بين التحفظ والدعوة لإعادة التموضع. وكتب رئيس الوزراء بارت دي ويفر على منصة "إكس": "هذه لحظة ارتياح، لكنها ليست لحظة احتفال. آمل بصدق أن تتراجع الولايات المتحدة لاحقا عن وهم السياسات الحمائية، وأن تعود إلى التمسك بقيم التجارة الحرة، التي هي حجر الأساس لازدهارنا المشترك". وأضاف دي ويفر أن أوروبا يجب أن "تعزز سوقها الداخلية، وتخفف من التنظيمات المفرطة، وتفتح شراكات جديدة لتقليل اعتمادها التجاري على المحاور التقليدية".

نهاية حالة الغموض

استقبلت الأسواق المالية الاتفاق بين واشنطن وبروكسل بارتياح واضح، انعكس سريعا على مؤشرات الأسهم الأوروبية والآسيوية في أول جلسة تداول بعد الإعلان. فقد سجل مؤشر DAX الألماني ارتفاعا بنسبة 0.8%، بينما صعد مؤشر CAC 40 الفرنسي بنسبة 1%، وحقق مؤشر FTSE 100 البريطاني مكاسب بنحو 0.5%، بحسب رويترز. كما سجلت الأسواق الآسيوية صعودا محدودا، باستثناء اليابان التي تراجعت بفعل شكوك محلية حول اتفاق مشابه مع الولايات المتحدة. لكن في المقابل، حذر اقتصاديون من أن هذه الارتفاعات اللحظية لا تعكس بالضرورة متانة الاتفاق، ولا تلغي آثاره طويلة المدى على النمو.

وقال هولغر شميدينغ، كبير الاقتصاديين في بنك "بيرينبرغ" الاستثماري، بحسب صحيفة ذا غارديان البريطانية، إن الاتفاق "أنهى حالة من الغموض المربك للشركات"، لكنه أضاف أن الصفقة أسوأ بكثير من الوضع الذي سبق التصعيد الأميركي في بدايات هذا العام. وأشار شميدينغ إلى أن التوترات الجمركية المتواصلة مع واشنطن ستخصم ما يقرب من 0.3 نقطة مئوية من نمو منطقة اليورو، و0.5 نقطة من نمو الاقتصاد الألماني خلال عامي 2025 و2026 مجتمعين.

وفي السياق ذاته، ذكر محللون في بنك ING الهولندي أن الاتفاق، رغم كونه أفضل من سيناريو الحرب التجارية، لا يقدم حلا طويل الأمد، خصوصا في ظل غياب وثيقة مكتوبة أو التزامات محكمة، مما يبقي حالة القلق قائمة لدى المستثمرين، ويدفع الشركات إلى تأجيل قرارات استراتيجية حتى اتضاح الصورة الجمركية بالكامل. وقال كبير الاقتصاديين في البنك الهولندي، كارستن بريزسكي، إن "التحذير الأساسي في هذا الاتفاق أنه لا يوجد شيء على الورق حتى اللحظة". وأضاف: "في ظاهره، الاتفاق ينهي حالة عدم اليقين التي هيمنت على المشهد خلال الأشهر الأخيرة. لكن من حيث المضمون، فإن النتيجة لا تزال أسوأ بكثير من الوضع التجاري الذي كان قائما قبل بداية جولة ترامب الجديدة من الحروب التجارية".

وهو ما يعني أن الانتعاش اللحظي للأسواق المالية لا يخفي حقيقة أن الاتفاق أقرب إلى كمين اقتصادي من كونه شراكة متكافئة، بما يفرضه من التزامات ثقيلة على أوروبا دون ضمانات مكتوبة أو إعفاءات موازية. أما مارك وول، كبير الاقتصاديين في "دويتشه بنك"، أكبر مصرف أوروبي، فقال إن الاتفاق التجاري الأخير بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قد يقلل الحاجة إلى مزيد من خفض أسعار الفائدة من قبل البنك المركزي الأوروبي.

وأشار وول في مذكرة نقلتها صحيفة "وول ستريت جورنال"، إلى أن انحسار حالة الضبابية بشأن مستقبل السياسة التجارية قد يدفع المركزي الأوروبي لتثبيت أسعار الفائدة لفترة أطول. وتسعر الأسواق في منطقة اليورو احتمالية بنسبة تقلّ عن 60% لخفض الفائدة خلال ديسمبر، فيما تُظهر بيانات "إل إس إي جي" أن فرص خفض الفائدة في سبتمبر أو أكتوبر لا تزال ضعيفة.

المساهمون