بركان غضب ضد مصارف لبنان: معركة تحرير الودائع اندلعت

بركان غضب ضد مصارف لبنان: معركة تحرير الودائع اندلعت

17 فبراير 2023
جانب من تحركات المودعين الغاضبة أمس الخميس (حسين بيضون/العربي الجديد)
+ الخط -

شهد الشارع اللبناني، الخميس، تحركاً غاضباً بوجهِ المصارف، خاصة في منطقة بدارو، حيث عمد مودعون وناشطون إلى تكسير واجهات البنوك وأجهزة الصراف الآلي وإشعال النار في محيطها، قبل أن ينتقلوا إلى منزل رئيس جمعية المصارف سليم صفير محاولين اقتحامه، وسط إجراءات أمنية مشددة.

وأعلن المودعون أن حملة تحرير الودائع بدأت، ولا يمكن السكوت بعد اليوم، خصوصاً أن 3 سنوات مرّت على الأزمة الاقتصادية والأمور تزداد سوءاً، ومن غير المقبول رؤية المصارف تبتز الناس وتتحكم بجنى عمرهم، وتضغط عليهم بالإقفال المؤقت، وتهدّدهم بالإغلاق الشامل، للتهرّب من المساءلة والعقاب وحماية نفسها قضائياً.

ودعا المودعون والناشطون الذين شاركوا في التحرك جميع اللبنانيين للنزول إلى الشارع، ورفع الصوت عالياً بوجه المسؤولين السياسيين والماليين والمصرفيين، وبعض القضاة الذين يؤمنون لهم الغطاء، والمطالبة بمحاسبة كل الذين أوصلوا لبنان إلى الانهيار.

وطالبوا بتحرير ودائعهم بالدولار، التي تخسر القسم الأكبر من قيمتها، بفعل تعاميم حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة، في وقتٍ يحاصَر المواطنون بغلاءٍ فاحش، ويعيشون تحت رحمة تجار الدولار والأزمات، الذين يستغلون الوضع والفوضى وغياب الرقابة لجني أرباح كبيرة.

وقال: "تحالف متحدون" (من الداعين إلى التحرك)، في بيان، إن "المودعين عمدوا إلى إضرام النار بواسطة حرق الإطارات أمام مدخلي مصرفي فرنسبنك وعودة، قبل أن يتطور الأمر إلى تكسير واجهات زجاج بنكي بيبلوس وBBAC وإشعال الإطارات أمام الأخير، ثم الانتقال إلى تحطيم واجهة البنك اللبناني الفرنسي ودواليك، في ظل وجود كثيف لعناصر القوى الأمنية والجيش، كما عمدت سيارات الدفاع المدني إلى إطفاء الحرائق، وذلك قبل توجه المودعين إلى منزل رئيس جمعية المصارف سليم صفير في سن الفيل - بيروت".

وأشار التحالف إلى أن "الهدف من التحرك توجيه رسالة إنذار أخيرة وحاسمة، بضرورة وقف تعسّف وتعنّت أصحاب المصارف وجمعيتهم التي جرى الادعاء عليها، أول من أمس، بعرقلة العدالة كجمعية أشرار، وضرورة تطبيق القرارات القضائية المبرمة ولا سيما قراري محكمة التمييز بشأن مصرف فرنسبنك".

وتواصل جمعية المصارف في لبنان إضرابها المفتوح منذ 7 فبراير/شباط الجاري، ويشمل إقفالاً جزئياً مع الإبقاء على خدمات الزبائن الأساسية، وذلك اعتراضاً على الاستدعاءات والأحكام القضائية بحقها، منها التي طاولت "فرنسبنك"، وأعطت الحق لمودعين اثنين باستيفاء وديعتيهما نقداً بالدولار، أي بعملة الإيداع، ورفضاً لبعض القرارات الصادرة أخيراً، منها عدم الاعتراف بالشيك المصرفي كوسيلة دفع وإيفاء للودائع.

ويوم الاثنين الماضي، ادعت النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون على "بنك عودة" ورئيس مجلس إدارته سمير حنا ورئيس مجموعة "بنك عودة" تامر غزالة، وكل من يظهره التحقيق بجرم تبييض الأموال.

وقال رئيس "متحدون"، المحامي رامي عليق، لـ"العربي الجديد"، إن "إضراب المصارف غير مقبول، ويعيد مشهد انتفاضة 17 تشرين 2019 إلى الواجهة، وتساءل: "كيف أقفلت البنوك، وهربت الأموال وحوّلت المليارات إلى الخارج، ولا تزال تقوم بعمليات مشبوهة، والوضع بات لا يطاق أبداً؟".

ويلفت عليق إلى أن "المصارف تحاول اتباع النهج نفسه المعتمد من قبل السياسيين في قضية انفجار مرفأ بيروت، بحيث إن كل قاض يصدر قراراً لصالح مودع، يصار إلى رفع دعوى ضده، ودعاوى لمخاصمة الدولة، وكله بهدف التهرب من المسؤولية والمساءلة، في حين صوتنا اليوم يعلو، لترك القضاء ينفذ قراراته، وتحركنا سيستمرّ حتى يحصّل المودعان الاثنان الأموال التي حكم لهما بها القضاء من فرنسبنك".

ويشير إلى أن "التحرك كان بالأساس نحو منزل رئيس جمعية المصارف، ولكن شمل البنوك لأن الناس لم تعد قادرة على التحمّل وضاقت ذرعاً بما يحصل، ولم تعد هناك حدود لغضبها المشروع"، مؤكداً أن "هدفنا اليوم أصحاب المصارف ومن يقف وراءهم، ورؤوس النيابات العامة الذين يعدون بمثابة حماة لمافيا الدولة العميقة".

وتريثت المصارف في إعلان قرار الإقفال التام الذي يشمل جميع العمليات المصرفية، في ظل انقسام الآراء داخل الجمعية حول هذه الخطوة، نظراً لتداعياتها الخطيرة اقتصادياً، وبانتظار مصير الجلسة التشريعية التي يتمهّل رئيس البرلمان نبيه بري في دعوة النواب إليها أيضاً، نظراً للاعتراضات على عقدها في ظل الشغور في سدة الرئاسة الأولى.

وتضغط المصارف التي يرتقب أن تصدر قراراً رداً على الاعتداءات التي طاولت بعض فروعها الخميس، لتسريع عقد الجلسة التشريعية لإقرار بعض التشريعات المالية التي تصبّ في صالحها، وعلى رأسها قانون الكابيتال كونترول الذي صيغ بطريقة يؤمن لها الحماية القضائية ويجعلها بمنأى عن أي ملاحقة أو شكوى أو دعوى طيلة فترة سريانه، وهي سنة قابلة للتجديد.

في السياق، تقول النائبة عن "قوى التغيير" حليمة القعقور، لـ"العربي الجديد"، إن "مشروع قانون الكابيتال كونترول المُقترح يقنن القيود غير العادلة التي فرضت على المودعين منذ أكتوبر/تشرين الأوّل 2019، ويعفي المصارف والقيّمين عليها من ضغوط الملاحقات القضائيّة السابقة واللاحقة، رغم تعثرها وسوء حوكمتها وعدم ملاءتها، بما يحول دون تبيان الحقائق من حيث الأرقام والأفعال ويمنع المودعين من المطالبة بحقوقهم، ويسمح للمصارف بالاستمرار بالتحكّم بالودائع وإلزام المودعين بالتقيّد مكرهين بالتدابير الاستنسابية التي تعتمدها".

وتشير القعقور، التي ستقاطع مع عددٍ من النواب الجلسة التشريعية عند الدعوة إليها، إلى أنه "يجرى التذّرع بصندوق النقد الدولي لإقرار هذا القانون، في حين أن بنوده تتعارض مع التوجّهات الرئيسية للصندوق، إذ ينطوي على خطر تحوّله إلى رديفٍ للإصلاحات الضرورية للنهوض بالاقتصاد، وأهمّها إعادة هيكلة الدين ووضعه على مسار الاستدامة، وتوحيد أسعار الصرف وإعادة هيكلة القطاع المصرفي، وهو ما ينسف أي إمكانيّة لإبرام اتفاق مع صندوق النقد ويعيق إمكانيّة النهوض".

وتلفت القعقور إلى أن "عدداً من النواب وقعوا على رسالة تفنّد أسباب مقاطعة الجلسة، وتؤكد الرفض التام لأي عفو عام جديد عن الجرائم التي ارتكبتها السلطتان السياسية والمالية بحق الشعب اللبناني، والتمسّك بمبدأ المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب". وتشدد القعقور على أن إقفال المصارف يجب أن يقابل بدعوات قضائية ضدها.

وعلى وقع هذه الأحداث، واصل سعر صرف الدولار أمس تسجيله أرقاماً قياسية جديدة متخطياً حاجز 80 ألف ليرة، في ظلّ تقلبات سريعة جداً، تزيد من قلق اللبنانيين الذين يعتبرون أنهم باتوا في فوضى شاملة، لا سقف لها ولا حدّ، مع غياب الحلول والخطط الشاملة، واستمرار المسؤولين السياسيين باتخاذ خطوات تعمّق الأزمة أكثر وتفاقم معاناتهم.

وآخر هذه الخطوات إعلان وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة تصريف الأعمال أمين سلام، أمس، دخول قرار تسعير السوبرماركت بالدولار حيّز التنفيذ، على أن يُلتزَم به يوم الأربعاء المقبل كحد أقصى، علماً أن غالبية اللبنانيين يتقاضون أجورهم بالليرة اللبنانية.

وترى جمعية المستهلك أن "مشهد البلاد اليوم لم يعد يحتمل هذا الجهل المقنع الذي يهدف إلى التعمية وادعاء الصلاح، وهو في حقيقته يخفي سياسات تهدف إلى استمرار نهب ما تبقى من عملات أجنبية وسرقة قوت عمل الناس عبر أجور لم تعد تساوي شيئاً"، مشيرة إلى أن "الوزارة لن تستطيع التحكم بالدولرة على الإطلاق، بل هي ستهدي فقط التجار سلاحاً حاداً يسمح لهم بإدارة العملية التجارية وفق مصالحهم".

أما بالنسبة للمحروقات، التي بدورها تشهد ارتفاعاً كبيراً، مرّتين في اليوم الواحد، لتلامس أسعار صفيحة كل من المازوت والبنزين المليوني ليرة لبنانية، وقارورة الغاز المليون ليرة، فيتمسّك وزير الطاقة والمياه وليد فياض بالتسعير بالليرة مع تعديلها لتعكس سعر صرف الدولار، معلناً أن التسعيرة قد تتغير أكثر من مرتين في النهار، وذلك بعد اجتماع ترأسه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أمس لبحث ملف المحروقات.

المساهمون