بايدن يتخلَّص من العبء المالي الزائد

بايدن يتخلَّص من العبء المالي الزائد

23 ابريل 2021
الولايات المتحدة تترك أفغانستان في وضع أسوأ بكثير مما كان قبل دخولها (Getty)
+ الخط -

بعد مرور عقدين من الزمن، قرَّر الرئيس جو بايدن طيّ صفحة الوجود العسكري الأميركي في أفغانستان ابتداءً من الأول من أيار/ مايو 2021، ليزيح بذلك عبئاً مالياً ثقيلاً كلَّف الولايات المتحدة أكثر من ترليوني دولار.

وعلى النقيض من التحجُّج بتطهير أفغانستان من الإرهاب وتحويلها إلى بلد ينعم بالأمن والأمان، ستترك الولايات المتحدة أفغانستان في وضع أسوأ بكثير من ذلك الذي وجدتها عليه بعد أن عاثت فيها خراباً وفساداً ودماراً. فقد بدأت الأمور تسوء بشكل خطير في أفغانستان عندما حوَّلت واشنطن انتباهها إلى العراق، وتمكَّنت حركة طالبان من بسط نفوذها والسيطرة على نصف البلاد بفضل أرباح تجارة الأفيون ودعم جهاز المخابرات الباكستاني.

بعد تأييده للحرب على أفغانستان، ها هو بايدن يؤكِّد سحب جميع القوات الأميركية بشكل تام من هناك بحلول الذكرى العشرين لهجمات 11 أيلول/ سبتمبر، ويتعهَّد بالتزام بلاده المستمرّ تجاه الحكومة الأفغانية المنتخبة ليس حرصاً منه على مصالح أفغانستان، بل حرصاً على المصالح الأميركية وضماناً للسيطرة على ما تبقَّى من الخلايا الإرهابية.

بايدن على يقين في قرارة نفسه أنّ الحرب لن تنتهي بمجرّد سحب قوّات بلاده من أفغانستان، حيث ستستمرّ الحرب بها أو بدونها، ولكنّه اتَّخذ هذه الخطوة، وحذا حذو الرئيس السابق باراك أوباما الذي قرَّر إسدال الستار رسمياً على حرب العراق في عام 2011، بغية تخليص الولايات المتحدة من عبء الدعم المالي والعسكري لمكافحة الإرهاب في أفغانستان.

يرى أغلب الأميركيين أنّ الولايات المتحدة تسبَّبت في خسائر فادحة في الأرواح تُقدَّر بنحو 2442 قتيلاً في صفوف أفراد الجيش الأميركي و3936 قتيلاً من المتعاقدين الأميركيين وعشرات الآلاف من الضحايا المدنيين، فضلاً عن 20 ألف جريح، وكانت ترمي مليارات الدولارات في بلد متخلِّف ومكسور بشكل يستحيل إصلاحه.

في 15 نيسان/ إبريل 2021، أصدر معهد واتسون للشؤون الدولية والعامة في جامعة براون الأميركية تقريراً بعنوان "التكاليف البشرية والموازناتية حتى الآن للحرب الأميركية في أفغانستان: 2001-2021" "Human and Budgetary Costs to Date of the U.S. War in Afghanistan, 2001-2021" أشار إلى أنّ تكاليف تلك الحرب وصلت إلى 2.261 تريليون دولار، وهو مبلغ تقشعرّ له أبدان دافعي الضرائب في الولايات المتحدة، وكان من المفروض أن يتمّ تسخيره لخدمة مصالح الأميركيين من خلال استثماره في تعزيز البنى التحتية، وتحسين جودة التعليم وتقديم خدمات الرعاية الصحية الشاملة كخطوة مهمة لكسر حلقة الفقر والبطالة التي تنغِّص حياة شريحة واسعة من الأميركيين.

وتضمَّن هذا التقرير فاتورة مُفصَّلة لتلك التكلفة الباهظة بواقع 933 مليار دولار لعمليات الطوارئ الخارجية لوزارة الدفاع، 59 مليار دولار لوزارة الخارجية، و443 مليار دولار لميزانية الزيادات المرتبطة بالحرب التابعة لوزارة الدفاع، و296 مليار دولار لرعاية قدامى المحاربين في الحرب الأفغانية، و530 مليار دولار كقيمة للفائدة المُقدَّرة على قروض الحرب.

وأكَّد التقرير أنّ تلك التكلفة الإجمالية لا تشمل الأموال التي تلتزم الحكومة الأميركية بإنفاقها على الرعاية مدى الحياة للمحاربين القدامى الأميركيين في أفغانستان، ولا مدفوعات الفوائد المستقبلية على الأموال المُقترَضة لتمويل تلك الحرب، وهذا ما يعكس ضخامة التكلفة الفعلية والحقيقية لتلك الحرب الضارية.

لكن ما يعاب على هذا التقرير هو عدم تبيانه للمساهمة المالية المهمة التي حصلت عليها أميركا من الدول الحليفة لها والمُؤيِّدة لسياساتها العسكرية، والتي لولاها لما صمد التدخُّل العسكري الأميركي عشرين سنة في أفغانستان، حيث يُصوِّر لنا هذا التقرير بأرقام موجزة وكأنّ الولايات المتحدة هي المُموِّل الوحيد للحرب في أفغانستان، مُتجاهلا الدعم المالي السخيّ المُقدَّم من طرف الدول الأعضاء لحلف الناتو وأطراف أخرى للبنتاغون في الحرب الأميركية على الأراضي الأفغانية.

ما كانت الفاتورة البالغة 2.261 تريليون دولار لتصل إلى هذا المبلغ الخيالي لولا ممارسات الاحتيال والتبذير وسوء الاستخدام، حيث أشار تقرير صادر في تشرين الأول/ أكتوبر 2020 عن هيئة المفتش العام الخاص بإعادة إعمار أفغانستان (سيغار) "Special Inspector General for Afghanistan Reconstruction"، وهي جهة رقابية تابعة للكونغرس متخصِّصة في تتبُّع أموال دافعي الضرائب الأميركيين التي تمَّ إنفاقها على الحرب في أفغانستان، إلى أنّ تلك الممارسات كلَّفت الولايات المتحدة ما لا يقلّ عن 19 مليار دولار من أموالها التي تمَّ تخصيصها لإعادة الإعمار في أفغانستان خلال الفترة الممتدة من أيار/ مايو 2009 إلى 31 كانون الأول/ ديسمبر 2019.

وأفاد هذا التقرير بأنّ نسبة 90 بالمائة من تلك الخسائر المُقدَّرة بـ 19 مليار دولار كانت ناتجة عن التبديد والإنفاق بلا مبالاة، و9 بالمائة من الخسائر خلَّفتها ممارسات الاحتيال، و1 بالمائة منها تسبَّب بها سوء الاستخدام.

كما حدَّدت هيئة "سيغار" خسارة أميركا حوالي 1.8 مليار دولار بسبب التبديد، الاحتيال وإساءة الاستخدام خلال الفترة الممتدة من كانون الثاني/ يناير 2018 إلى 31 كانون الأول/ ديسمبر 2019 فقط، وأضافت لها مبلغ 1.6 مليار دولار متعلِّقاً بالأموال المخصَّصة للبرامج التي فشلت في مكافحة المخدرات وتحقيق الاستقرار في أفغانستان، وذلك علاوة على حوالي 15.5 مليار دولار فقدتها الولايات المتحدة لنفس الأسباب بين عامي 2009 و2017.

كما قامت هيئة "سيغار" بمراجعة وتتبُّع 47 بالمائة فحسب من 134 مليار دولار تمَّ تخصيصها لإعادة إعمار أفغانستان منذ عام 2002، وهذا ما يعكس حقيقة مرّة ومجحفة وغير عادلة بحقّ دافعي الضرائب الأميركيين مفادها بأنّ قسطاً كبيراً من 2.261 تريليون دولار ذهب جفاءً.

خلاصة القول إنّ بايدن يريد أن يتحاشى، قدر استطاعته، انتقادات دافعي الضرائب الأميركيين الذين ضاقوا ذرعاً بهدر أموالهم على حرب لا طائل منها، ويدرك تماماً أنّ أي استثمار في أفغانستان لن يؤتي أكله في ظلّ انعدام المساءلة وأوضاع الفساد المستشري في البلاد بصورة غير مشهودة ولا معهودة، كما يبدو أنّه على أتم الاقتناع بأنّ تحقيق الاستقرار في أفغانستان قد غدا أمراً ميؤوساً منه، ولا أمل فيه، لذلك قرَّر أن يمضي قدماً ولا يلتفت يمنة ويسرة لحال بلد أصبح أسوأ مما كان عليه قبل 20 عاماً.