استمع إلى الملخص
- جمعت عملة ترامب الرقمية حوالي 100 مليون دولار من رسوم التداول في أسبوعين، محققة أرباحًا لكبار المستثمرين وخسائر للمتداولين الصغار، مما أثار مخاوف بشأن تأثير المشاهير على الأسواق الرقمية.
- تعرضت العملات الرقمية المرتبطة بترامب لانتقادات بسبب تناقضها مع وعوده السابقة بدعم العملات الرقمية، مما يتطلب من المستثمرين توخي الحذر في هذه السوق المتقلبة.
شهدت العملتان الرقميتان المصدرتان تحت اسمي الرئيس الأميركي دونالد ترامب وزوجته ميلانيا تقلبات حادة في قيمتهما، انتهت بانهيار مفاجئ أدى إلى خسائر كبيرة للمستثمرين الصغار، بينما خرجت الحيتان بمكاسب ضخمة، في سيناريو شبيه بالمخططات الهرمية المعروفة في العديد من الأسواق الناشئة.
ومنذ إطلاقهما، حظيت العملتان بدعم من مؤيدي ترامب الذين اعتبروهما فرصة للاستثمار في رمز سياسي يحمل شعبية واسعة. غير أن المضاربة الشديدة وتحركات كبار المستثمرين أدت إلى تضخم الأسعار بسرعة غير مسبوقة، قبل أن تتسبب عملية بيع جماعي في انهيار قيمتهما في غضون ساعات. ومع انتصاف تعاملات يوم الخميس، انخفض سعر عملة ترامب الرقمية بنسبة تتجاوز 10%، لتسجل 17 دولاراً، ولتصل خسارتها خلال الأسبوع إلى أكثر من 37%، بينما كان سعر عملة السيدة الأولى الرقمية أقل من 1.6 دولار، متراجعة بأكثر من 90% من أعلى مستوى وصلت إليه.
ووفقًا لتقرير أصدرته رويترز، فإن دخول ترامب إلى عالم العملات الرقمية أثبت أنه مربح للغاية للجهات التي تقف وراء عملته الرقمية، حيث جمعت تلك الجهات، في غضون أسبوعين فقط، ما يقرب من 100 مليون دولار من رسوم التداول. ومع ذلك، وفي حين أن المستثمرين الكبار حققوا مكاسب هائلة، يُقال إن الآلاف من المتداولين الصغار انتهى بهم الأمر إلى خسائر كبيرة، الأمر الذي أثار مخاوف بشأن المشاريع الرقمية المدعومة من المشاهير، وتأثيراتها المتوقعة على السوق الأوسع.
ارتفاع وسقوط سريع لعملة ترامب
وأُطلقت عملة ترامب في 17 يناير/كانون الثاني، وحققت في البداية ارتفاعًا هائلًا حيث تجاوزت قيمتها السوقية 14 مليار دولار بعد يومين فقط، أي قبل تنصيب ترامب مباشرة. ومع ذلك، لم يستمر هذا الارتفاع طويلًا، فمنذ ذلك الحين، فقدت العملة أكثر من ثلاثة أرباع قيمتها. ورغم هذا الانخفاض، ظل نشاط التداول مكثفًا، ما أدى إلى تحقيق ملايين الدولارات من رسوم المعاملات.
وتُظهر بيانات موقع CoinMarketCap أنه خلال الـ24 ساعة الماضية، بلغ حجم تداول عملة ترامب أكثر من ملياري دولار. وخلال التداول اليومي، انخفضت قيمة العملة إلى أقل من 17 دولارًا، وهو انخفاض حاد مقارنة بأعلى قيمة وصلت إليها عند إطلاقها، التي بلغت 74 دولارًا.
ووفقًا لشركات تحليل البلوكتشين مثل Merkle Science وChainalysis، وصلت رسوم التداول من معاملات عملة ترامب الرقمية إلى ما بين 86 مليوناً و100 مليون دولار بحلول 30 يناير، حيث كان المستفيدون الرئيسيون هم الكيانات التي تقف وراء العملة، بما في ذلك شركة CIC Digital المملوكة لترامب. وتكشف بيانات البلوكتشين أن ما لا يقل عن خمسين من أكبر حاملي العملة حققوا أرباحًا تجاوزت عشرة ملايين دولار لكل منهم. ومع ذلك، ذكرت شركة Chainalysis أن حوالي 200 ألف محفظة رقمية، معظمها تابع لمتداولين صغار، تكبدت خسائر في البورصة التي شهدت الطرح الأولي للعملة.
ووصلت العملة الخاصة بميلانيا إلى قيمة سوقية بلغت 2.1 مليار دولار في ذروتها. لكن بعد أن سجلت أعلى سعر لها عند 13.73 دولارًا، أصبحت تُتداول الآن بحوالي 1.50 دولار. وفي حين أن هذا النوع من التراجع في الأسعار هو أمر شائع بالنسبة للعملات الرقمية، خاصة الصغيرة منها التي تسمى عملات ميمية، إلا أن جو مكّان، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة Asymmetric، يرى أن تصرفات ترامب يمكن أن تؤثر على جميع الأسواق، بما في ذلك العملات الرقمية.
وقال مكّان: "على عكس العملات الرقمية الميمية الأخرى، لدينا رئيس الولايات المتحدة الفعلي الذي يتمتع بقدرة استثنائية على إثارة الجدل الفيروسي على الإنترنت، سواء أعجبك ذلك أم لا، وهذا قد يكون له تأثير على سعر عملته الرقمية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر". ومنذ إطلاقها، يُعتقد أن عملة ترامب الرقمية ولّدت ما لا يقل عن 11.5 مليون دولار من الرسوم لصالح الكيانات المرتبطة بالرئيس، وفقًا لشركة Gauntlet المتخصصة في نماذج تحليل المخاطر. لكن معظم المحافظ التي اشترت العملة لم تربح أكثر من 13 دولارًا في الوحدة الواحدة، وفقًا لتحليل أجرته بلومبيرغ.
الانتقادات والجدل
وعلى الرغم من تحقيق بعض الجهات مكاسب مالية كبيرة، تعرض إصدار عملة ترامب لانتقادات واسعة، فيما رأى العديد من الخبراء في القطاع أن ترامب لم يكن مشاركًا بشكل مباشر في تفاصيل العملة أو آليات تشغيلها. وأشار المنتقدون إلى أن تورط ترامب في عملة رقمية يتناقض مع وعوده السابقة بدعم صناعة العملات الرقمية من خلال تنظيم واضح. وكان ترامب قد أعرب سابقًا عن اهتمامه بالعملات الرقمية، وحقق ملايين الدولارات من مبيعات الرموز غير القابلة للاستبدال (NFTs) في عام 2022.
وفي هذه الأثناء، يواصل عالم العملات الرقمية مراقبة عملة ترامب من كثب، حيث يعتقد البعض أنها تضع سابقة خطيرة للسياسيين الذين يستخدمون نفوذهم لتحقيق مكاسب مالية، بينما يرى آخرون أنها تمثل تطورًا طبيعيًا للأصول الرقمية.
وعلى الجانب الآخر، تظهر البيانات المتاحة أن الحيتان، وهم كبار المستثمرين الذين امتلكوا كميات ضخمة من العملات، استغلوا هذا الصعود السريع لتحقيق أرباح هائلة، حيث بدأوا في بيع ما في حوزتهم عند بلوغ العملة ذروتها. وهذا النمط، المعروف في أسواق العملات المشفرة باسم "الضخ والتفريغ"، سمح لهم بتحقيق أرباح طائلة، قبل أن يتسبب البيع الجماعي في انهيار السعر تاركًا المستثمرين الصغار في مواجهة خسائر قاسية. واتهم محللون هذه الحيتان بالاحتيال المنظم، معتبرين أن المشروع كان مخططًا لجذب السيولة قبل التلاعب بالسوق.
ولم تقتصر انعكاسات هذا الانهيار على الخسائر المالية، إذ أثارت تساؤلات حول مصداقية العملات المشفرة التي تحمل أسماء شخصيات عامة، ومدى قدرتها على البقاء في سوق يسيطر عليها المضاربون. ورغم ذلك، لا يزال البعض يأمل إمكانية عودة هذه العملات إلى الصعود، بينما يحذر الخبراء من أن مثل هذه النماذج غالبًا ما تكون قصيرة العمر وتفتقر إلى الأسس الاقتصادية القوية التي تضمن استدامتها.
وتظل العملات المشفرة مجالًا محفوفًا بالمخاطر، حيث يمكن أن تتحول الفرص الواعدة إلى كوارث مالية في لمح البصر، ما يفرض على الراغبين في خوض المغامرة توخي الكثير من الحذر قبل اتخاذ قرار الاستثمار في تلك السوق التي لا ترحم.