انهيار العملة ولهيب الأسعار يشعلان جذوة الجوع في اليمن

انهيار العملة ولهيب الأسعار يشعلان جذوة الجوع في اليمن

26 أكتوبر 2021
سوق في محافظة عدن (فرانس برس)
+ الخط -

قاد انهيار سعر صرف الريال اليمني إلى مرحلة انحدار جديدة للأوضاع المعيشية في البلاد، الرازحة تحت توترات أمنية وحرب مستمرة منذ عام 2015.

خلال الأيام الماضية، شهدت العملة المحلية تراجعاً قياسياً جديداً، حيث بلغ سعر الدولار الواحد في المحافظات الواقعة تحت سلطة الحكومة قرابة 1400 ريال، للمرة الأولى في تاريخ البلاد. وقبل الحرب في اليمن عام 2015، كان متوسط سعر الدولار في السوق المحلية 215 ريالا.

وأدى تراجع سعر العملة، إلى احتجاجات في عدة مدن يمنية، ومطالب شعبية متكررة بضرورة علاج أزمة الريال، وسط تحذيرات من اتساع رقعة الجوع والفقر.

يأتي ذلك، في الوقت الذي استمر استقرار العملة في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، منذ أكثر من عام، حيث يباع الدولار بـ 600 ريال. وأمام هذا التفاوت، بات سعر العملة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، أكبر من ضعف نظيره في المحافظات الواقعة تحت سلطة الحكومة.

هذا الانقسام والتباين في سعر العملة بين مناطق الحوثي والحكومة، أدى إلى تداعيات سلبية أثرت على حياة المواطنين. على سبيل المثال، من يريد تحويل مبلغ مالي من مدينة عدن (جنوب) إلى العاصمة صنعاء (شمال)، ينبغي عليه دفع أكثر من المبلغ المحول، كعمولة تحويل بسبب فارق سعر الصرف بين المحافظتين.

 سعر الدولار الواحد في المحافظات الواقعة تحت سلطة الحكومة يقترب من 1400 ريال، بينما يبلغ في مناطق سيطرة الحوثيين 600 ريال

وأدى هذا الأمر إلى تكبد المواطنين خسائر مالية كبيرة، جراء تباين سعر العملة، وعزوف البعض عن التحويل المالي من مناطق الحكومة إلى الأخرى الواقعة تحت سيطرة الحوثيين.

أما من يقوم بتحويل مبالغ مالية من صنعاء إلى مناطق الحكومة، فيقوم بتحويلها إلى الدولار أو الريال السعودي قبل إرسالها، كي يتم صرفها بما يعادلها بسعر العملة المحلية في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة.

وأدى الانهيار الكبير في العملة إلى ارتفاع ملحوظ في أسعار مختلف المواد، بما في ذلك الغذائية الأساسية. وشكا مواطنون من تداعيات إنسانية خطيرة جراء ارتفاع الأسعار.

وقالت أم عبد الله، ربة بيت في مدينة تعز جنوب غربي البلاد، لوكالة الأناضول، إن الأسعار أصبحت جنونية بشكل لا يوصف، مضيفة : "نذهب إلى السوق لشراء بعض مستلزمات البيت، فنعود ونحن نحمل كتلة كبيرة من الهم جراء الارتفاع الكبير للأسعار".

وتابعت "خلال شهر واحد، ارتفعت الأسعار قرابة 30%، فيما الكثير من الناس دون سيولة مالية.. أصبحنا نفكر كثيرا في كيفية شراء المستلزمات الأساسية فقط.. كل شيء مرتفع، ولا وجود لأي حلول".

وفي 13 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، أعلن برنامج الأغذية العالمي ارتفاع أسعار المواد الغذائية في اليمن، بنحو 70% في المناطق الواقعة تحت سلطة الحكومة، منذ مطلع 2021، جراء تدهور العملة المحلية. فيما يرى مراقبون أن الأسعار قد ارتفعت بما يقارب 100%بالمناطق الواقعة تحت سلطة الحكومة، خلال عام واحد.

وفي ظل استمرار تدهور العملة، أصبحت الأسعار في مناطق الحكومة ضعف الأسعار في المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحوثيين. وأدى ارتفاع الأسعار، إلى اتساع المخاوف من تزايد حالات الجوع في اليمن الذي يعتمد معظم سكانه على المساعدات.

ويوم الجمعة الماضي، أعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، أن "دوافع أزمة اليمن، المتمثلة بالصراع والانحدار الاقتصادي، لا تظهر أي بوادر لتراجعها، ما يؤدي إلى تزايد الجوع".

وأوضح البرنامج، في بيان مقتضب، "هذا يدفع العائلات في اليمن إلى اللجوء إلى تدابير قاسية، مثل أكل أوراق الشجر للبقاء على قيد الحياة". وكان البرنامج نفسه قد دعا منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، المجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لوقف الجوع في اليمن.

وقال المواطن محمد علي سيف إن "الجوع يطرق أبواب الكثير من اليمنيين، وسط عجز واضح من قبل السلطات في معالجة أزمة ارتفاع الأسعار". وأضاف أن "ثمة أسرا تعيش ظروفا أشبه بالمجاعة، حيث أصبح الشاي نوعا من الرفاهية، فيما شرب الماء النقي أصبح مقتصرا على بعض الأسر".

أمام استمرار تدهور العملة المحلية ولهيب الأسعار، قررت الحكومة اتخاذ العديد من الإجراءات في سبيل الحفاظ على قيمة الريال، غير أن ثمار ذلك لم تأت حتى الآن.

وخلال الأيام الماضية فقط، أعلن البنك المركزي اليمني في العاصمة المؤقتة عدن، إغلاق 54 شركة ومنشأة صرافة، بعد اتهامها بالمضاربة بسعر العملة. فيما أغلقت السلطات المحلية في مدينة تعز 14 شركة صرافة مخالفة، بسبب المضاربة بسعر العملة.

 80% من السكان، البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة، يعتمدون على الدعم والمساعدات، في أسوأ أزمة إنسانية بالعالم، وفق الأمم المتحدة

والأربعاء، أعلنت الحكومة حظر استخدام العملات الأجنبية في التعاملات الداخلية، وحصرها بالعملة المحلية فقط، للحد من عمليات المضاربة على أسعار صرف العملة الأجنبية، ووقف تدهور العملة المحلية أمام نظيراتها الأجنبية.

وشددت الحكومة وفق بيان على "استخدام العملة الوطنية في جميع المعاملات الداخلية من بيع وشراء السلع والخدمات والعقود والصفقات".

ولم يشهد الريال اليمني أي تحسن بعد هذه الإجراءات، فيما يرى مراقبون أن سعر العملة فقط قائم على العرض والطلب، وأن معالجة أزمة الريال تتطلب بشكل سريع توفير نقد أجنبي فوري.

وسبق أن ناشدت الحكومة اليمنية المجتمع الدولي بضرورة التدخل العاجل لوقف انهيار الاقتصاد والعملة، في مؤشر على عجز واضح في معالجة أزمة الريال.

ويشهد اليمن حربا منذ أكثر من 7 سنوات، أودت بحياة 233 ألف شخص، وبات 80% من السكان، البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة، يعتمدون على الدعم والمساعدات، في أسوأ أزمة إنسانية بالعالم، وفق الأمم المتحدة.

وتسبب أطراف الحرب في تعميق أكبر أزمة إنسانية على مستوى العالم، فقد دأبوا في الفترة الأخيرة على استغلال الحصار المتبادل كأداة رئيسية في الصراع، ما يفاقم معاناة اليمنيين، حيث أضحى غذاؤهم وتنقلهم في مرمى الاستهداف، بعد أن طاولت شظايا المتناحرين معظم قطاعات الإنتاج وفرص العمل على مدار السنوات الست الماضية.
ويشير تقرير حديث لمنظمات يمنية ودولية، إلى أن جميع أطراف الحرب في اليمن استخدموا التجويع كأسلوب من أساليب الحرب، إذ أعاق سلوكهم بشكل كبير وصول المدنيين إلى الغذاء والماء، وقد قاموا بذلك بالرغم من علمهم الواسع بالوضع الإنساني المزري في اليمن، حيث كان الناس، بمن فيهم الأطفال، يموتون من الجوع.

ووثق التقرير، الذي اطلعت عليه "العربي الجديد"، تحقيقات ميدانية استمرت لمدة عام، كيف حرمت أطراف النزاع المدنيين من المواد الضرورية لبقائهم على قيد الحياة، لافتا إلى أن الأسلوب الذي تم به تنفيذ الهجمات يشير إلى القصد في تدمير مصادر الغذاء مثل المحاصيل في الأراضي الزراعية والماشية، وكذلك إعاقة ترميم البنية التحتية وزراعة الأراضي في المستقبل.