انقطاع الكهرباء في العراق الثري بين الفساد والتآمرية

18 اغسطس 2025   |  آخر تحديث: 21:06 (توقيت القدس)
مولّد خاص للكهرباء في العراق، بغداد في 13 يوليو 2023 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تعاني الدول العربية مثل سوريا واليمن والسودان ولبنان من انقطاع الكهرباء بسبب الأزمات الاقتصادية والسياسية، حيث تؤدي الحروب الأهلية والفساد ونقص الوقود والنقد الأجنبي إلى تدهور الخدمات الأساسية.
- العراق، رغم كونه ثاني أكبر منتج للنفط في أوبك، يعاني من انقطاعات كهربائية متكررة بسبب الفساد وسوء الإدارة، مما أدى إلى انهيار شبكة الكهرباء.
- لا توجد مبررات اقتصادية لانقطاع الكهرباء في العراق، حيث تتطلب المشكلة تحسين كفاءة المحطات وتطوير أنظمة النقل والتوزيع لضمان استقرار التيار الكهربائي.

أن ينقطع التيار الكهربائي في دول عربية فقيرة الموارد، فهذا أمر غير مستغرب، لكن أن تنقطع الكهرباء في العراق، ثاني أكبر منتج للنفط داخل منظمة أوبك، فهذا أمر لا يمكن تصديقه رغم أنه بات من الأمور شبه اليومية في حياة العراقيين، مثلا أن ينقطع التيار في دول مثل سورية وليبيا واليمن والسودان والصومال وموريتانيا في بعض السنوات الماضية، فهذا أمر يمكن تفهّمه، خاصّة أن تلك الدول مرت بقلاقل أمنية وسياسية عنيفة وصلت إلى حد الاقتتال الداخلي، واندلاع أزمات اقتصادية قادت إلى الإفلاس المالي وانهيار الخدمات والبنية التحتية.

سورية مثلاً عانى مواطنوها بشدّة خلال فترة حكم المخلوع بشار الأسد التي فقدت فيها الدولة المركزية السيطرة على ثروات البلاد، ومنها حقول النفط والغاز الرئيسية، وعانت من ندرة النقد الأجنبي بسبب اختفاء السياح والاستثمارات الأجنبية وتراجع الصادرات والتحويلات الخارجية بحدّة، وتوجيه موارد الخزانة العامة لتمويل الحرب الأهلية وملاحقة المعارضين.

العراق يصنف أنه ثاني أكبر منتج للنفط الخام في منظمة أوبك، بمتوسط إنتاج يبلغ 4.6 ملايين برميل يومياً، ومن المخطط زيادته إلى ستة ملايين

واليمن يعاني منذ العام 2015 من حرب أهلية طاحنة أثرت على كلّ مناحي الحياة، بما فيها الخدمات المقدمة للمواطن من تعليم وصحة ومياه وكهرباء ومواصلات وبنية تحتية واتصالات، أمّا السودان فحدّث ولا حرج، إذ سنوات طويلة من الحروب الأهلية والانهيارات المالية والاقتصادية المتتالية والفساد المستشري والتخلف المصرفي، هي عوامل أفقدت الحكومة المركزية القدرة على تقديم معظم الخدمات، حتّى تلك الرئيسية والحيوية للمواطن.

وأن تنقطع الكهرباء في مصر في بعض الأوقات، فالأسباب كثيرة من أبرزها نقص الوقود اللازم لتغذية محطات توليد وإنتاج الكهرباء، وندرة النقد الأجنبي في بعض الأوقات، وانقطاع الغاز الإسرائيلي المغذي للمحطات والمصانع بالوقود من وقت إلى آخر.

ينطبق الأمر على دول عربية أخرى تعاني من أزمات تمويلية وأحياناً قلاقل سياسية مثل لبنان وتونس. لبنان مثلاً يشهد منذ سنوات انقطاعات واسعة للتيار بسبب نفاد احتياطيات الوقود وعدم توفّر النقد الأجنبي اللازم لتمويل واردات المحروقات، وقبل أسبوع شهدت البلاد انقطاعاً شاملاً للتيار بسبب عطل في محطة الكهرباء الرئيسية، وبات انقطاع التيار مشكلة مزمنة يئن منها معظم اللبنانيين.

وبعضنا يذكر كيف أن انقطاعاً واسعاً ومتواصلاً حدث للتيار في جميع أنحاء الدولة اللبنانية عام 2024، وهو ما أدى إلى نقص واسع النطاق في مياه الشرب وتوقف أنظمة معالجة مياه الصرف الصحي وخدمات الموانئ والمطارات والسجون، وفاقم الأزمة رفض العراق تجديد عقدها لتزويد لبنان بالوقود بسبب مخاوف مالية.

وفي العراق شهدت شبكة الكهرباء انهياراً واسعاً وكاملاً قبل أيام قليلة، أدى إلى انقطاع التيار في العاصمة بغداد وعدد من المحافظات الجنوبية والشمالية، كما حدث انهيار شامل لمنظومة الطاقة الكهربائية في وسط البلاد، ما أعاد إلى الأذهان أزمات انقطاع التيار المتكرّرة التي تشهدها البلاد منذ سنوات طويلة، خاصّة في مرحلة ما بعد الاحتلال الأميركي في العام 2003 وسيطرة الإرهاب على مساحات كبيرة من أراضي الدولة، وبدلاً من أن تكشف السلطات المسؤولة عن أسباب انقطاع الكهرباء على نطاق واسع راحت تتحدث عن عمل تخريبي متعمّد، وهو السيناريو الذي تردّد في لبنان قبل أيام.

العراق لديه احتياطي ضخم من النقد الأجنبي يتخطى المئة مليار دولار، وهو مبلغ كافٍ لتمويل الواردات بما فيها الوقود، إضافة إلى تدفق المليارات على خزينة الدولة من مبيعات النفط

وإذا كان نقص الإمكانات المالية والوقود أحد أبرز أسباب انقطاع التيار الكهربائي في العديد من الدول العربية، فإنّ هذه المبرّرات لا يمكن أن تنطبق على العراق الذي يصنف أنه ثاني أكبر منتج للنفط الخام في منظمة أوبك، بمتوسط إنتاج يبلغ 4.6 ملايين برميل يومياً، ومن المخطط زيادته إلى ستة ملايين، كما أن العراق لديه احتياطي ضخم من النقد الأجنبي يتخطى المئة مليار دولار، وهو مبلغ كافٍ لتمويل الواردات بما فيها الوقود والأغذية وسداد الديون المستحقة على الدولة، إضافة إلى تدفق مليارات الدولارات على خزينة الدولة من مبيعات النفط.

ويكفي القول إنّ إيرادات صادرات العراق النفطية عام 2024، اقتربت من 100 مليار دولار، وإنّ تلك الإيرادات تجاوزت نحو 43.51 مليار دولار، خلال النصف الأول من العام الجاري، وإن العراق يتوقع تحقيق إيرادات نفطية بنحو 482 مليار دولار خلال الفترة من 2024 إلى 2028، ليظل قطاع النفط هو المساهم الأكبر في ميزانية البلاد.

إذاً، لا يوجد مبرّرات للانقطاع الشامل للكهرباء في العراق سوى الفساد وسوء الإدارة، والإهمال الحكومي الجسيم على مستوى تطوير الإنتاج وتحسين كفاءة المحطات القائمة وتطوير أنظمة النقل والتوزيع وبناء شراكات لتأمين الغاز للمحطات.

المساهمون