انقسامات داخل اتحاد الشغل التونسي... وانشغال عن حقوق العمال

19 فبراير 2025
مسيرة سابقة لاتحاد الشغل التونسي (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يواجه الاتحاد العام التونسي للشغل أزمة داخلية بسبب تعديل النظام الأساسي لترشح الأمين العام لدورة ثالثة، مما أدى إلى انقسام حاد أضعف قدرته على التفاوض بشأن زيادات الأجور وسط تضخم قياسي.
- تعمقت الأزمة بسبب الخلافات السياسية بين الأعضاء، مما عطل الحوار الاجتماعي ودور الاتحاد في الدفاع عن حقوق العمال، ودعا بعض الأعضاء إلى مؤتمر استثنائي لانتخاب قيادة جديدة.
- منذ تدابير الرئيس قيس سعيّد في 2021، ارتفعت الاحتجاجات الاجتماعية بشكل ملحوظ مع تزايد الغلاء وضعف الرواتب، مما يعكس عدم الرضا المتزايد بين العمال.

 

تُباعد الأزمة الداخلية في الاتحاد العام التونسي للشغل بين الوظيفة الأساسية للمنظمة النقابية وطموح العمال في تونس الذين يتطلعون إلى عودة سريعة للمفاوضات بشأن زيادات جديدة في أجورهم.
ويعيش الاتحاد التونسي للشغل (النقابة الأكثر تمثيلاً في البلاد) على وقع أزمة داخلية غير مسبوقة أدت إلى تشظي القرار صلب هياكله وانقسام بين أعضاء مكتبه التنفيذي، رغم محاولات عديدة لرأب الصدع عبر الوساطات من قيادات نقابية سابقة.
وتعود جذور الأزمة داخل المنظمة النقابية إلى عام 2010، عندما أُقر تعديل النظام الأساسي للاتحاد لتحديد دورات المكتب التنفيذي بدورتين فقط.

ومع اقتراب انتهاء الدورة الثانية لنور الدين الطبوبي، عُقد مؤتمر استثنائي عُدِّلَت خلاله بنود النظام الأساسي، ما سمح بترشحه لدورة ثالثة، الأمر الذي أدى إلى انقسام حاد داخل المنظمة، إذ اعتبره بعض النقابيين تلاعباً بالقوانين، غايته تثبيت قيادة الأمين العام لفترة ثالثة تدوم خمس سنوات.

وأدى صعود الطبوبي على رأس المنظمة لدورة ثالثة إلى تشكل تيار معارض داخل المكتب التنفيذي يقوده 5 أعضاء من داخل المكتب التنفيذي، طالبوا برحيل القيادة الحالية وعقد مؤتمر استثنائي في غضون السداسي الأول من العام الجاري لإعادة تصويب دفة القيادة.

وبينما تنشغل المنظمة النقابية بخلافاتها الداخلية، لا تظهر أي بوادر لإطلاق جولة جديدة من المفاوضات الاجتماعية بشأن تعديل الرواتب وفق الأعراف الجاري بها العمل، التي تقضي بإجراء جولة تفاوض كل ثلاثة سنوات.
وخلال شهر يناير/ كانون الثاني الماضي صرفت الحكومة القسط الثالث والأخير من زيادة الأجور التي حصلوا عليها بمقتضى اتفاق الزيادة الموقع في سبتمبر/ أيلول 2022 بواقع 5% قبل أن توصد السلطات في وجه الاتحاد كل أبواب التفاوض بشأن تطبيق الاتفاقات المعلقة أو تعديل جديد للرواتب بعد صعود التضخم إلى مستويات قياسية تجاوزت نسبة 10% خلال النصف الثاني من عام 2023.

وعلى مدار السنوات التي تلت الثورة، كان الاتحاد العام التونسي للشغل لاعباً رئيسياً في الساحة السياسية والاقتصادية في البلاد. غير أن تراجع دوره في رسم السياسات العامة للبلاد بسبب حالة الفتور بين القيادة وسلطة الرئيسي التونسي قيس سعيّد، كان من الأسباب التي عمّقت الشرخ الداخلي صلب هياكله.

دماء جديدة لخدمة العمال

ويقول المسؤول النقابي في الاتحاد الجهوي بصفاقس محمد عباس، إن من أسباب دعوة شق نقابي إلى تقديم موعد مؤتمر الاتحاد العام التونسي للشغل وانتخاب قيادة جديدة، تردي الأوضاع داخل الاتحاد، وعدم توصل القيادة الحالية إلى فرض روزنامة جديدة للمفاوضات بشأن حقوق العمال، والزيادات في الأجور، وتطبيق اتفاقات سابقة ظلت معلّقة.
وأكد عباس في تصريح لـ"العربي الجديد" إن هناك إجماعاً من المجلس الوطني على ضرورة المرور سريعاً لعقد مؤتمر استثنائي وضخ دماء جديدة في المنظمة، موضحاً غياب الانسجام بين أعضاء المكتب التنفيذي الحالي الذي يقوده الأمين العام نور الدين الطبوبي.
وتحدث عباس عن أزمة في المنظمة أدت إلى تعطيل الحوار الاجتماعي وتعثّر جلسات التفاوض بين النقابات والسلطة، ما تسبب في توتير الأجواء صلب المنظمة النقابية التي أصبحت في شبه عطالة.

وأقرّ عباس بوجود محاولات لخنق المنظمة والتضييق عليها ورفض الحكومة فتح أبواب الحوار حول المطالب الاجتماعية. واعتبر المتحدث أن تقديم موعد المؤتمر هو الحل الوحيد لتجاوز الأزمة الداخلية الحالية للمنظمة والحفاظ على وحدتها وصلابتها ودورها الاجتماعي في الدفاع عن حقوق الشغالين.

ومنذ فرض الرئيس قيس سعيّد تدابير استثنائية في إدارة البلاد في جويلية/ يوليو 2021، مارست النقابات العمالية في تونس سياسة الهدوء الحذر بعد أن فرض عليها الوضع الاقتصادي الصعب للبلاد خفض سقف مطالبها، مكتفية بالتلويح باللجوء إلى الإضرابات لتحقيق مطالب القطاعات المحتجّة.
ويحاصر الغلاء وضعف الرواتب موظفي تونس، حيث كشفت بيانات رسمية لمعهد الإحصاء الحكومي أن معدل الراتب الشهري للموظف لنحو 670 ألف تونسي يعملون في القطاع الحكومي لا يتجاوز 1387 ديناراً، ما يعادل 450 دولاراً شهرياً ينفق 40 بالمائة منها على الأكل والتنقل.
وأبرزت الدراسة الصادرة عن معهد الإحصاء أن حجم الزيادات في الرواتب التي حصل عليها الموظفون خلال الفترة الممتدة ما بين 2015 و2022 تقدر بقيمة 471 ديناراً، أي نحو 150 دولاراً.
يرى المحلل السياسي صهيب المزريقي، في تصريح لـ"العربي الجديد" أن المحرك الأساسي للأزمة داخل الاتحاد العام التونسي للشغل هو الخلاف السياسي بين الأعضاء الذين ينتمون إلى تيارات سياسية مختلفة، لتنعكس لاحقاً على وظيفة المنظمة مدافعةً عن حقوق العمال.
ويرى المتحدث أن الانقسام السياسي في الاتحاد الذي تحوّل إلى جبهات خلاف مفتوحة، انتهى بتخلي النقابة عن دورها في دعم المطالب القطاعية وإيجاد الحلول اللازمة لمجابهة الغلاء وتدهور القدرة الإنفاقية للعمال في القطاعين الحكومي والخاص.
وإزاء هذا الموضع المركب، يقول المحلل السياسي إن القواعد النقابية باتت تعاني من أزمة ثقة عميقة، خصوصاً في ما يتعلق بقدرة الاتحاد في وضعه الحالي على قيادة جولات جديدة للمفاوضات الاجتماعية.
ومع بداية العام الجديد، سجلت تونس اتساعاً في رقعة التحركات الاجتماعية، وارتفع نسق الاحتجاجات خلال شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، واحتل الفاعلون الاجتماعيون الفضاء العام دورياً، مطالبين بتسوية الوضعية المهنية والقطع مع العمل الهش والحق في الانتداب ووضع حد للبطالة التي طال أمدها.
وبلغة الأرقام، شهد الشهر الأول من العام تصاعداً بنحو 181% في نسق التحركات الاجتماعية، لتقفز من 137 تحركاً احتجاجياً خلال يناير/ كانون الثاني 2024، إلى 386 تحركاً احتجاجياً في الشهر ذاته من عام 2025.

المساهمون