انفجار طلب الذهب في تركيا مع الإقبال على تخزينه "تحت الوسائد"
استمع إلى الملخص
- يواجه تجار الذهب تحديات بسبب التقلبات السريعة في الأسعار، مما يؤدي إلى فجوة بين أسعار السوق والأسعار الرسمية، ويزيد من تكلفة المستهلك وصعوبة إدارة السيولة والمخزون.
- يُعتبر الذهب وسيلة ادخار آمنة في تركيا، حيث يفضل الأتراك الاحتفاظ به في منازلهم، وزاد الإقبال عليه كملاذ آمن مع ارتفاع الأسعار بنسبة 50% واحتياطي البنك المركزي التركي يسجل مستوى قياسيًا.
زادت حمى وعدوى شراء الذهب في تركيا، بواقع مخاوف تراجع سعر صرف الليرة التي هبطت إلى 41.7 مقابل الدولار اليوم الخميس، وبالنظر إلى المعدن الثمين كملاذ آمن عقب تذبذب أسعار العملات الرئيسية والمخاوف الجيوسياسية، وتوقعات بتخفيض أسعار الفائدة المصرفية، بتركيا وبالولايات المتحدة.
وفي الوقت الذي تراجع سعر صرف الليرة التركية أمام الدولار اليوم إلى 41.7256 ونحو 48.6591 ليرة لليورو الواحد، سجلت أسعار الذهب بتركيا اليوم ارتفاعات جديدة ليصل سعر غرام الذهب عيار 24 قيراطاً إلى نحو 5417.24 والغرام من عيار 22 قيراطاً إلى 4976.05 ليرة والغرام من عيار 21 قيراطاً إلى 4749.86 ليرة ويسجل سعر الأونصة 168884 ليرة تركية.
وسجل سعر غرام الذهب في السوق المغلقة بحي الفاتح بإسطنبول ولأول مرة 5,500 ليرة تركية للغرام من عيار 22 قيراطاً، مع فارق أسعار بين البيع والشراء لنحو 500 ليرة، ما دفع العديد من المتاجر إلى وقف بيع الذهب اليوم، وسط تحذير خبراء من تقلبات عالية مشابهة لتلك التي حدثت في عام 1974 وقت شهدت السوق التركية تقلبات سعرية كبيرة.
ويبرر خبير الأسواق المالية والذهب، محمد علي يلدريم تورك، توقف الصاغة عن بيع الذهب بعد ارتفاع الأسعار بأن التجار يواجهون صعوبة في إعادة شراء الذهب بنفس السعر، فـ"المشتري الذي يخرج من المتجر يبدأ في الربح عند الباب"، مؤكداً خلال تصريحات اليوم، أن انفجار الطلب المحلي أثر بشدة على السوق الداخلية بشكل مستقل عن تحركات الأسعار العالمية.
ويضيف الخبير التركي أن التقلبات العالية والفورية جعلت السوق غير قابلة للتنبؤ، وأن تلبية الطلب أصبحت أكثر صعوبة، بعد حدوث فجوة كبيرة بين أسعار السوق المغلقة والأسعار الرسمية/الفورية. وهذه الفجوة تزيد من تكلفة المستهلك ومن صعوبة إدارة السيولة والمخزون لدى الصاغة، مشيراً إلى استمرار المصارف المركزية في شراء الذهب وزيادة انتشار اتجاهات المقايضة القائمة على السلع، فإن سعر الأونصة قد يرتفع إلى مستويات أعلى بكثير، حتى أنه يمكن أن يصل نظرياً إلى 10 آلاف دولار.
ويعرف عن الأتراك مسعاهم الدائم إلى الذهب واعتباره الادخار الأكثر ضماناً وأمناً، إذ ينتشر مصطلح ذهب "تحت الوسائد"، والمقصود به الذهب الذي اشتُري بطرق قانونية، لكنه خرج من النظام المالي بعد أن فضل الأتراك الاحتفاظ به في منازلهم عوضاً عن إيداعه في المصارف والبنوك. وتشير تقديرات إلى وجود نحو 5 آلاف طن من الذهب "المخبأ تحت الوسائد" في تركيا، لأن معظم الأتراك يتعاملون مع الذهب باعتباره أداة توفير وادخار وليس أداة استثمار، لأنه إذا ما تقرر استخدامه أداة استثمار "لن يبقى تحت الوسائد في المنازل، بل سيدخل النظام المالي من أجل تداوله عبر البنوك والمحافظ الاستثمارية"، وهو ما دعا إليه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مراراً.
ويقول أستاذ المالية بجامعة باشاك شهير بإسطنبول، فراس شعبو، إن الذهب متجه إلى مزيد من الصعود، بعد أن وصل سعر الأونصة إلى 4049 دولارا، لأن المستثمرين وحتى صغار المدخرين يرونه الملاذ الآمن ومخزناً للقيمة بواقع المخاطر السياسية وعدم الاستقرار والوضوح الاقتصادي، خاصة في ظل تخفيض أسعار الفائدة وزيادة شراء المصارف المركزية الذهب، وفي مقدمتها الصين.
أوضح شعبو لـ"العربي الجديد" أن أسعار الذهب ارتفعت بنحو 50% خلال العام الماضي، ما عزز مكانته وسيلة للادخار وملاذا آمنا. وأضاف أن هذا الارتفاع جاء نتيجة تفاقم المشاكل الاقتصادية الناتجة عن الحروب واضطرابات سلاسل التوريد والرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة على كبريات الدول الصناعية. كما ساهمت في رفع الطلب زيادة مشتريات المصارف المركزية خلال العام الجاري، بما في ذلك الصين والمصارف الأوروبية وتركيا، والتي بلغت نحو 900 طن، ما أدى إلى الوصول إلى هذا السعر غير المسبوق، وأدى إلى توجه حتى حاملي المبالغ الصغيرة نحو اقتناء الذهب.
وسجل احتياطي البنك المركزي التركي مستوى قياسيا جديدا حتى نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي، ليبلغ 182 مليارا و953 مليون دولار، وهو أعلى مستوى على الإطلاق. وبحسب بيانات المركزي التركي، سجل الاحتياطي النقدي الأجنبي زيادة بمقدار مليار و601 مليون دولار، ليصل إلى 86 مليارا و699 مليون دولار. كما ارتفع إجمالي احتياطي الذهب بمقدار 2.4 مليار دولار، إلى 96 مليارا و254 مليون دولار. وبذلك يسجل احتياطي البنك المركزي التركي مستوى قياسيا جديدا يبلغ 182 مليارا و953 مليون دولار.
وحول أثر ما قيل عن اعتقال مشتبه بهم بمصفاة إسطنبول للذهب بما تشهده السوق التركية اليوم، من إقبال وارتفاع السعر، يشير شعبو إلى أنه لا علاقة لتلك الحادثة بارتفاع الأسعار وحركة الشراء، إذ إن الأتراك، تاريخياً، يميلون لاقتناء الذهب، ولكن بواقع المخاوف وتراجع سعر الصرف، زاد الشراء هذه الفترة، لأن الاقتصاد التركي يعاني من ركود وقد يكون الادخار الأكثر أماناً، هو الذهب "طبعاً من دون التنكر للمخاوف العالمية التي انتقلت لتركيا".
يذكر أن الشرطة التركية، اعتقلت أول من أمس، 21 مشتبها به على صلة بتحقيق يتعلق بمصفاة إسطنبول للذهب وشركات مرتبطة بها بتهمة الحصول على دعم من الدولة بوسائل احتيالية.
ويشير بيان المدعي العام في إسطنبول إلى أن مسؤولي المصفاة، ومنهم المساهم الرئيسي أوزجان هالاج، أسسوا شركات لتلقي دعم حكومي يبلغ 3% على صادرات قيمتها 543.6 مليون دولار، مما أدى إلى خسارة الدولة مبالغ تصل إلى 12.5 مليون دولار. وأن المصفاة تلقّت دعما حكوميا يبلغ 3% لبيعها عملات أجنبية للبنك المركزي مقابل الليرة التركية، وذلك بموجب برنامج حوافز مصمم لدعم العملة المحلية. لكن المشتبه بهم، وبحسب التحقيقات وبيان المدعي العام، انتهكوا قانون البنك المركزي وقانونا آخر يتعلق بالمالية وكذلك قاموا بمخالفة قانون آخر معنِي بحماية قيمة الليرة التركية.
كما أن مصفاة إسطنبول للذهب مملوكة لعائلة هالاج، وهي واحدة من المصافي المعتمدة من رابطة سوق السبائك في لندن، وفقا لبيانات الملكية بالسجل التجاري الرسمي في تركيا.