استمع إلى الملخص
- البنوك المركزية الخليجية تعزز احتياطاتها من الذهب كجزء من استراتيجيات تنويع الأصول، بينما تركز البنوك التجارية على المنتجات التقليدية مع بعض الاستثناءات، مما يشير إلى نمو محتمل في الاستثمار بالذهب.
- يعتبر الذهب خياراً استثمارياً أساسياً للحفاظ على قيمة العملة في ظل التوترات العالمية، حيث تسهل البنوك الخليجية الاستثمار فيه عبر محافظ مالية مخصصة، مما يعزز جاذبيته كاستثمار طويل الأمد.
تشهد دول مجلس التعاون الخليجي في الأسابيع الأخيرة اندفاعاً متزايداً نحو الذهب باعتباره ملاذاً آمناً في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية العالمية، لا سيّما مع تصاعد النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين، وأزمة البنك الفيدرالي الأميركي، ومخاوف دخول الاقتصاد الأميركي في حالة ركود، واستمرار الأزمات في الشرق الأوسط وأوكرانيا، ما ساهم في تسجيل أسعار الذهب ارتفاعات تاريخية في العالم والمنطقة.
وجاء الارتفاع الذي تجاوز أمس 3500 دولارا للأوقية مدفوعاً بعوامل بينها اندفاع المستثمرين الخليجيين إلى شراء الذهب بحثاً عن الأمان، وسط تقلبات الأسواق العالمية التي لم تشهد مثلها منذ جائحة كورونا والأزمة المالية عام 2008. وتؤكد بيانات الأسواق أنّ الطلب على الذهب في المنطقة لا يزال مرتفعاً رغم الأسعار القياسية، ما يعكس تفضيل المستثمرين في الخليج للذهب خياراً أولاً للتحوّط من المخاطر، وفقاً لما أورده تقرير نشره موقع "أرابيان غلف بيزنس إنسايدر" (AGBI).
ويشير خبراء في إدارة المخاطر إلى أن هذا التوجه مرشح للتصاعد، إذ يتوقع بعض المحلّلين أن تصل أسعار الذهب إلى مستويات غير مسبوقة في حال استمرار التصعيد الجيوسياسي أو تصاعد التوترات التجارية، وفقاً لما أورده تقرير نشره الموقع الرسمي لمجموعة Coface المتخصّصة في تأمين الائتمان وإدارة مخاطر التجارة.
ويأتي هذا في سياق عالمي أوسع، إذ ارتفعت أسعار الذهب مدفوعة بتزايد مشتريات البنوك المركزية حول العالم، خاصة في الاقتصادات الناشئة، وازدياد الطلب الاستثماري على الصناديق المتداولة المدعومة بالذهب، حسب تقدير نشره موقع Newsmax الأميركي. وبلغت أسعار الذهب ذروة قياسية عالمياً ولامست عتبة 3500 دولار، أمس الثلاثاء، في الوقت الذي واصل فيه الدولار التراجع إلى أدنى مستوى منذ ثلاث سنوات.
أما على صعيد البنوك الخليجية، فلا مؤشرات قوية حتى الآن على أنها تدعم الذهب مباشرة، باعتباره ملاذاً آمناً للمواطنين في الأوقات الحرجة، عبر منتجات ادّخارية أو استثمارية واسعة النطاق موجهة للأفراد حسب تقرير Coface، مشيراً إلى أنّ الدعم المؤسّسي للذهب يتركز غالباً في سياسات البنوك المركزية، التي تواصل تعزيز احتياطاتها من الذهب باعتباره جزءاً من استراتيجيات تنويع الأصول والتحوّط من مخاطر العملات الأجنبية والتقلبات الاقتصادية.
ارتفاع هائل لسعر الذهب
أما البنوك التجارية، فلا تزال تركز في الغالب على المنتجات التقليدية، مع بعض الاستثناءات المحدودة في أسواق مثل دبي، إذ تتوفر حسابات ذهبية أو منتجات استثمارية مرتبطة بالذهب، لكنّها لم تتحول بعد إلى تيار رئيسي في القطاع المصرفي الخليجي، بحسب التقرير ذاته. لكنّ توقعات المنصة المتخصصة تشير إلى أن هذا الاتجاه مرشح للنمو في ظل استمرار حالة عدم اليقين العالمية، وازدياد وعي المستثمر الخليجي بأهمية تنويع الأصول والتحوّط من المخاطر.
وفي هذا الإطار، يشير الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ الارتفاع الهائل الذي شهده سعر الذهب جاء نتيجة لتقلبات ناجمة عن فرض رسوم جمركية من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بالإضافة إلى بداية ما يُعرف بحرب العملات، وهذه العوامل دفعت المستثمرين للركض نحو الذهب باعتباره ملاذاً آمناً، لافتاً إلى أنّ سياسات المصارف المركزية حول العالم ساهمت في هذا الارتفاع، إذ قامت بطباعة كميات كبيرة من النقود لتحفيز الاقتصادات المتضرّرة من جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، وهي السياسات التي أدت إلى فقدان الثقة في سندات الخزينة السيادية، ما دفع المستثمرين للبحث عن بدائل مثل الذهب والمعادن الثمينة الأخرى، بما في ذلك الفضة.
لكنّ التقلبات السعرية الكبيرة التي صاحبت سوق الذهب أثارت تساؤلات حول استمرار هذا الدور التقليدي له باعتباره ملاذاً آمناً، ويرى عجاقة أن هذه الفكرة باتت محل شكّ لدى العديد من المستثمرين، خاصة مع تزايد احتمالات التوصل إلى اتفاقات جمركية ثنائية قد تؤدي إلى انخفاض حادٍ في أسعاره، ولذا يصبح الاستثمار في الذهب بالنسبة للمواطنين الخليجيين وغيرهم أمراً محفوفاً بالمخاطر إذا جرى التعامل معه باعتباره خياراً وحيداً.
وعن دور البنوك في دول مجلس التعاون الخليجي في استثمارات الذهب، فيبين عجاقة أنها لا تزال تدعم المعدن الأصفر جزءاً من استراتيجياتها، لكنّه يعتقد أن هذا الدعم لم يعد كافياً لتشجيع الاستثمار الكبير فيه. وبدلاً من ذلك، يشدّد عجاقة على أهمية التنويع في المحافظ الاستثمارية، خاصة بالنسبة للمواطنين العاديين الذين ليسوا خبراء في الأسواق المالية، مشيراً إلى أنّ التنويع يمثل استراتيجية أساسية لتقليل المخاطر وتحقيق عوائد مستدامة.
الذهب أحد الخيارات الاستثمارية الأساسية
في المقابل، يرى الخبير الاقتصادي والمستشار المالي علي أحمد درويش، أن التوترات السياسية بين القوى الكبرى مثل الصين والولايات المتحدة، بالإضافة إلى حالة عدم الاستقرار الاقتصادي العالمي، تجعل من الذهب أحد الخيارات الاستثمارية الأساسية للحفاظ على قيمة العملة، لافتاً إلى أن تراجع الدولار الحاد في الفترة الأخيرة أدى إلى زيادة إقبال المواطنين الخليجيين على الذهب وسيلة لحماية مدخراتهم، حسب إفادته لـ"العربي الجديد".
ويوضح درويش أن الاستثمار في الذهب لا يوفر عوائد مالية مباشرة غالباً، لكنّه يمثل وسيلة فعالة للحفاظ على القيمة الشرائية للأموال في ظل التقلبات الاقتصادية، وهذا الدور يعزّز مكانة الذهب باعتباره ملاذاً آمناً مقارنة بالاستثمارات التقليدية الأخرى، خاصة في ظل الاضطرابات الجيوسياسية والاقتصادية التي تشهدها المنطقة والعالم، مرجحاً أن يظل الإقبال مستمراً على شراء الذهب مع استمرار نمط الصراعات الاقتصادية وعدم الاستقرار السياسي.
ولا يقتصر هذا الإقبال على شراء السبائك أو الحلي بحسب درويش، بل يتعداه إلى لعب البنوك الخليجية دوراً محورياً في تسهيل الاستثمار بالذهب عبر محافظ مالية مُخصّصة، مؤكداً أن تبني البنوك لهذا النمط الاستثماري سيجعلها جسراً للاستثمارات الذهبية، بدلاً من اقتصار التعامل على شراء السبائك وتخزينها، كما أن تثقيف المستثمرين حول آليات الاستثمار في الذهب سيسهم في تعميق جاذبيته. ويلفت درويش إلى أن التوقعات ترجح مزيداً من الارتفاع في أسعار الذهب خلال المرحلة المقبلة، خاصة على المديَين القصير والمتوسط (نحو سنة).