اليورانيوم يتجه لمزيد من الارتفاع وسط طلب الطاقة النظيفة والاضطرابات

اليورانيوم يتجه لمزيد من الارتفاع وسط طلب الطاقة النظيفة واضطرابات آسيا الوسطى

12 يناير 2022
قوات ما يسمى بحفظ السلام تراقب بحذر حركات المواطنين بشوارع كازاخستان(Getty)
+ الخط -

بينما ترتبط أسعار الذهب بتوجهات السياسة النقدية العالمية وسعر صرف الدولار، وأسعار النفط بمعدلات النمو الاقتصادي العالمي، فإن أسعار اليورانيوم تتحرك تبعاً لسياسات الطاقة النظيفة وسرعة الدول في تنفيذ معاهدات برامج الأمم بخفض الانبعاثات الغازية الضارة بالبيئة.

ومنذ صعود الرئيس الأميركي، جو بايدن، للحكم في الولايات المتحدة باتت استراتيجية الطاقة النظيفة والتقليل من درجة التسخين الحراري حجر الزاوية في سياسات النمو الاقتصادي العالمي.
ويعد اليورانيوم من المعادن التي استفادت من هذه الاستراتيجية، حيث شهدت أسعاره ارتفاعاً متواصلاً خلال العام الماضي وهو يتجه لتسجيل ارتفاعات جديدة خلال العام الجاري ربما تصل إلى أعلى من 50 دولاراً للرطل في السوق ألفوري وسط تفجر بؤر ساخنة في مناطق الإنتاج الرئيسية في آسيا الوسطى والرغبة الروسية في التوسع وربما الاحتلال المباشر لجمهوريات آسيا الوسطى في المستقبل.

حركة التعاقد على صفقات اليورانيوم شهدت نشاطاً محموماً الأسبوع الماضي مع تفجر الاضطرابات في كازاخستان التي تعد أكبر دولة منتجة لليورانيوم

وحسب نشرة "ستاندرد آند بوورز غلوبال"، فإن حركة التعاقد على صفقات اليورانيوم شهدت نشاطاً محموماً خلال الأسبوع الماضي مع تفجر الاضطرابات في كازاخستان التي تعد أكبر دولة منتجة لليورانيوم في العالم.
وتشير بيانات النشرة المالية المتخصصة في الأسواق إلى أن أسعار اليورانيوم ارتفعت بنحو 3 دولارات في السوق الفورية في الخامس من يناير/ كانون الثاني الجاري، كما كسبت أسعار اليورانيوم نحو 8% يوم الأربعاء الماضي لترتفع إلى 45.25 دولاراً للرطل الواحد.

ولاحظت النشرة أن صفقات تقدر بنحو مليون رطل تم التعامل فيها في يوم واحد خلال الأسبوع الأول من الشهر الجاري، بسبب المخاوف من تداعيات اضطرابات كازاخستان على تدفق الإنتاج للأسواق.

لكن يلاحظ أن كازاخستان ليست وحدها في آسيا الوسطى الغنية باليورانيوم، إذ إن أوزبكستان المجاورة هي الأخرى لديها احتياطات ضخمة من المعدن النفيس وتنتج نحو 3.5 آلاف طن من اليورانيوم سنوياً.

وإذا أضفنا ذلك إلى ثروة أفغانستان من المعادن النادرة واليورانيوم والموقع الجغرافي يمكن فهم السرعة الروسية في التدخل العسكري تحت مظلة منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تديرها عسكرياً للهيمنة على دول آسيا الوسطى وفق مراقبين.
وبالتالي يلاحظ الاهتمام الكبير للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمنطقة آسيا الوسطى التي تعد عملياً من مخازن اليورانيوم في العالم وتنتج أكثر من 50% من الإنتاج العالمي إلى جانب أوكرانيا التي تنتج نحو 400 طن.
ويرى محللون أن دول آسيا الوسطى ربما تصبح من المفاتيح الرئيسية في تلبية الوقود الذري للطاقة النظيفة في العالم خلال العقود المقبلة، إذا توفر الاستقرار السياسي والاستثمار في الكشوفات والاستخراج.

يلاحظ اهتمام بوتين الكبير بمنطقة آسيا الوسطى التي تعد عملياً من مخازن اليورانيوم في العالم وتنتج أكثر من 50% من الإنتاج العالمي

وكانت الولايات المتحدة قد سعت خلال السنوات الماضية للاستثمار في دول آسيا الوسطى وتطوير القطاع الخاص عبر حوار استراتيجي أطلقت عليه مسمى "5+1".

لكن هذا الحوار كان بطيئاً ولم يوفر الثقة الكافية لمواطني آسيا الوسطى الذين يتعاطفون مع أفغانستان التي كانت تحت الاحتلال الأميركي قبل انسحاب قواتها في نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي.

على صعيد مستقبل الطلب على اليورانيوم الذي يحدد اتجاهات الأسعار، تتجه العديد من الاقتصادات الكبرى في العالم للتوسع في توليد الكهرباء من الطاقة الذرية خلال العقود المقبلة.

من بين هذه الاقتصادات أوروبا التي تتجه لاستثمار نحو نصف تريليون يورو في المحطات النووية لتوليد الكهرباء خلال العقود حتى نهاية عام 2050.
في هذا الشأن قال المفوض الأوروبي للسوق الداخلية تييري بريتون، في 9 يناير/ كانون الثاني الجاري، إن أوروبا بحاجة لاستثمار 50 مليار يورو في التوليد النووي للكهرباء بحلول عام 2030، كما أنها بحاجة لاستثمار 500 مليار يورو بحلول عام 2050 في الطاقة النووية، كجزء من عملية الانتقال في مجال الطاقة.
وأكد المفوض الفرنسي في مقابلة مع أسبوعية "لو جورنال دو ديمانش" الفرنسية أن "محطات الطاقة النووية الحالية وحدها تحتاج إلى استثمار قيمته 50 مليار يورو بحلول عام 2030، و500 مليار بحلول عام 2050 للجيل الجديد".

يرى محللون أن دول آسيا الوسطى ربما تصبح من المفاتيح الرئيسية في تلبية الوقود الذري للطاقة النظيفة في العالم خلال العقود المقبلة

من جانبه قال نائب رئيس معهد الطاقة النووية، جون كوتيك، لنشرة "أي أن أن" التي تهتم بأخبار اليورانيوم واستثماراته، إن استخدام اليورانيوم في توليد الطاقة الكهربائية يواصل الارتفاع في العالم، وإن استخداماته في توليد الطاقة النظيفة بلغت نسبة 10% من إجمالي توليد الكهرباء، وهو بهذه النسبة يمثل ثاني أكبر مصدر لتوليد الطاقة النظيفة عالمياً.
وعلى الرغم من أن هذا الرقم قد لا يرتفع خلال العام الجاري وفقاً لحساب عدد المولدات النووية تحت التشييد، لكن الخبير كوتيك لاحظ أن هنالك رغبة لدى دول العالم في بناء المزيد من محطات توليد الكهرباء عبر المفاعلات النووية خلال العقود المقبلة.
ورأى كوتيك أن عدد المفاعلات النووية سيتضاعف خلال العقود المقبلة مقارنة بعدده الحالي البالغ 445 مفاعلاً نووياً لتوليد الكهرباء.

موقف
التحديثات الحية

وتجرى العديد من دول العالم عملية إحلال لمحطات الطاقة الحرارية التي تعمل بالفحم الحجري الملوث للبيئة، إذ تنفذ حالياً عملية إحلال لنحو 50 محطة طاقة حرارية تعمل بالفحم الحجري معظمها في الصين التي تشهد أكبر معدلات التلوث البيئي في العالم.
ولاحظت نشرة "آي أن أن" أن إنتاج اليورانيوم بلغ أعلى مستوياته في عام 2016، حيث بلغ الإنتاج العالمي نحو 63.207 ألف طن، لكن الإنتاج تراجع خلال السنوات حتى نهاية عام 2019.
ويعود هذا التراجع، وفق مؤسسات تتابع تحركات أسعار المعادن والسلع الرئيسية، إلى عدة أسباب، أهمها تراجع أسعار اليورانيوم في السوق ألفوري، والتداعيات السالبة لجائحة كورونا خلال عام 2020 على عمال المناجم، إذ أدت الجائحة إلى عمليات إغلاق في عدد من الدول مثل ناميبيا وأستراليا.

أسعار اليورانيوم عادت للارتفاع وبقوة في العام الماضي 2021، حيث بلغ سعر رطل اليورانيوم أعلى من 45 دولاراً في السوق الفوري

لكن أسعار اليورانيوم عادت للارتفاع وبقوة في العام الماضي 2021، حيث بلغ سعر رطل اليورانيوم أعلى من 45 دولاراً في السوق الفوري.
ويقول الخبير بتوجهات أسعار اليورانيوم جون سيامباغليا لنشرة "ستاندر آند بوورز غلوبال" "المستثمرون في اليورانيوم يراقبون بحذر مستقبل الاستقرار السياسي في كازاخستان".
وعلى الرغم من أن الحكومة الكازاخية تقول إن الأوضاع عادت إلى طبيعتها، إلا أن العنف المفرط الذي قابلت به القوات الروسية المحتجين قد يكون السبب في الهدوء الذي تشهده البلاد حالياً، ولا يستبعد محللون أن تكون هنالك شرارة تحت الرماد لم تنطفئ، وأن عاصفة أخرى قد تشعل البلاد وسط الإحساس بالظلم والقهر لدولة غنية جداً بالموارد ويعيش معظم سكانها في فقر مدقع.

وتعد كل من كازاخستان وأوزبكستان في آسيا الوسطى من بين الدول الكبرى في إنتاج اليورانيوم وكذلك من حيث حجم الاحتياطات.
وتتصدر كازاخستان المرتبة الأولى في الإنتاج العالمي الذي يقدر بنحو 63 ألف طن سنوياً.

وتنتج كازاخستان نحو 40% من الإنتاج العالمي، حيث تنتج سنوياً نحو 19.477 ألف طن سنوياً وفقاً لبيانات نشرة "أي أن أن"، لكن بيانات الحكومة الكازاخية تشير إلى إنتاج البلاد السنوي من اليورانيوم يقدر بأكثر من 20 ألف طن.
وتعد الصين الدول الرئيسية في استهلاك اليورانيوم الكازاخي إلى جانب دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وتأتي أوزبكستان في آسيا الوسطى في المرتبة الخامسة بإنتاج 3.5 آلاف طن.

وتأتي أستراليا في المرتبة الثانية بإنتاج 6.203 آلاف طن سنوياً، وتأتي ناميبيا في المرتبة الثالثة بإنتاج 5.413 آلاف طن سنوياً. كما أن كندا تحتل المرتبة الرابعة بإنتاج 3.885 آلاف طن سنوياً.

وبالتالي فإن اليورانيوم قد يكون المفتاح لخروج آسيا الوسطى من طي النسيان وفترة الفقر التي عاشتها دول المنطقة طوال هيمنة موسكو على الموارد والثروات.

المساهمون