اليابان تواجه تحديات الديون السيادية وتراجع الين والبضائع الصينية

اليابان تواجه تحديات الديون السيادية وتراجع الين والبضائع الصينية

13 يناير 2022
رئيس وزراء اليابان الجديد فوميو كيشيدا (Getty)
+ الخط -

كشفت مؤشرات أخيرة عن تعرض الاقتصاد الياباني لضغوط شديدة أبرزها أزمة الديون السيادية وانتشار البضائع الصينية الرخيصة في الأسواق، والتوتر الجيوسياسي مع الصين، وتراجع الين مقابل الدولار لأدني مستوى في 5 عقود، وقال محللو مصرف "جيه بي مورغان تشيس" الأميركي إنه إذا واصل الين اتجاهه الهابط في 2022، فإن ذلك قد يتسبب في هروب رؤوس أموال الأسر اليابانية.

هذه المؤشرات وغيرها تثير المخاوف حول اقتصاد اليابان الذي يصنف على أنه ثالث أكبر اقتصاد في العالم بحجم يفوق 5 تريليونات دولار فيما عدد سكان يقدر بنحو 126 مليون نسمة، واليابان من الدول التي كانت تقود نمو الصادرات في العالم قبل صعود الصين الاقتصادي الكبير بعد أزمة المال العالمية في العام 2008. ومنذ صعود الصين في المسرح العالمي باتت اليابان تواجه مصاعب حقيقية في أسواقها العالمية.

ويرى محللون أن رئيس الوزراء الياباني الجديد فوميو كاشيدا الذي تولى الحكم في أكتوبر/تشرين الأول الماضي يواجه مجموعة تحديات رئيسية لإنعاش الاقتصاد، يلخصها خبراء في ارتفاع حجم الدين السيادي، وتراجع سعر صرف الين بنسبة 30%، والسيطرة على المتحور "أوميكرون"، وإعادة توزيع الثروة، وتعزيز النمو الاقتصادي والتوتر الجيوسياسي مع الصين.

وتعمل حكومة كيشيدا على تنفيذ نظرية "الرأسمالية الجديدة"، وهي نظرية تعتمد على توزيع الثروة ورفع دخول الطبقة الوسطى عبر تحفيز الشركات على زيادة الأجور مقابل منحها مزايا ضريبية وتشجيعها على مشاركة العمال في الأرباح المتحققة.

وتتوقع حكومة كيشيدا أن تتمكن عبر سياسة "الرأسمالية الجديدة" من تعزيز النمو الاقتصادي خلال العام المالي 2022 ـ 2023 ورفع معدل النمو بنسبة 3.2% والخروج من مسار الانكماش الذي كان عليه الاقتصاد في العام الماضي.

لكن، وبحسب مراقبين، فإن رئيس الوزراء الحالي كيشيدا يواجه أزمة الدين السيادي المرتفع. في هذا الشأن، يرى نائب وزير المالية السابق والبروفيسور الحالي بجامعة كولومبيا الأميركية، تكاتوشي إيتو، أن تراكم الدين السيادي قد يهدد مستقبل النمو الاقتصادي الياباني على الرغم من أن الحكومة اليابانية تعاملت معه حتى الآن دون مخاطر تذكر.

ويقول إيتو في تحليل بموقع "بروجيكت سيندكت"، إن الدين السيادي الياباني واصل التراكم منذ أزمة المال العالمية في 2008، ليبلغ 250% من إجمالي الناتج المحلي الياباني المقدر بأكثر قليلاً من 5 تريليونات دولار، وهو ما يعني أن حجم هذا الدين يقدر بنحو 12.5 تريليون دولار. ويفوق الدين الياباني بقياسه كنسبة من الناتج المحلي، الدين الأميركي الذي يقدر بنحو 160% من الناتج المحلي الأميركي وبلغ حتى نهاية العام 2021 نحو 31.5 تريليون دولار.

لكن الخبير المالي إيتو يشير إلى أن هنالك فارقاً كبيراً بين قدرة الولايات المتحدة على تلبية تسديد سندات الدين مقارنة باليابان بسبب جاذبية الدولار الذي يسيطر على النظام المالي العالمي، وتدفق المستثمرين من أنحاء العالم على السوق الأميركي مقارنة بمحدودية السوق الياباني.

ويقول في تحليله إن الحكومة اليابانية قد تصل إلى مرحلة تجد فيها صعوبة في تسديد هذا الدين أو خدمة أقساطه. ووفق محللين، فإن الدولار سيظل لعقود مهيمناً على الاقتصاد العالمي، وبالتالي فإن الجاذبية الاستثمارية في الأدوات المالية المقومة بالدولار ستتواصل بغض النظر عن حجم الاستدانة.

أما بالنسبة لليابان، فيرى إيتو أن الحكومة اليابانية ربما ستضطر للتوقف عن إصدار سندات دين جديدة بفائدة أعلى من التضخم البالغ 2.0% حاليا، حسب بيانات بلومبيرغ، وهو ما قد يقود إلى ركود اقتصادي باليابان. ويقول المسؤول الياباني السابق، إن الخيارات المتاحة لدى طوكيو في حال التوقف عن إصدار سندات دين جديدة هي مواصلة البنك المركزي الياباني" بنك اليابان" شراء المزيد من أدوات الدين السيادي، وهو ما قد يؤدي إلى ارتفاع معدل التضخم في البلاد.

على صعيد تراجع سعر صرف الين الذي بات يهدد مدخرات المواطن الياباني، يرى الخبير الأميركي وليام بيزيك صاحب كتاب " اليابانية: ما الذي يمكن أن يتعلمه العالم من العقود الضائعة باليابان"، أن رئيس الوزراء الياباني الأسبق شينزو آبي ضغط عل البنك المركزي الياباني لخفض سعر صرف الين بنسبة 30% مقابل الدولار على أمل دعم سوق البضائع اليابانية في الخارج. لكن محافظ بنك اليابان هاروهيكو كورودا، أكتشف أن التداعيات السلبية لهذا الخفض الكبير في سعر صرف الين تفوق الإيجابيات.

وأبلغ كورودا مجموعة من قادة الأعمال التجارية في طوكيو الأسبوع الماضي، أن هذا التراجع الكبير في سعر العملة اليابانية بات يهدد القدرة الشرائية للأسر اليابانية عبر ارتفاع أسعار السلع، كذلك يسبب مخاطر هروب الأموال من أدوات الين إلى الدولار.

من الناحية النظرية يبدو صحيحاً أن سعر صرف الين المنخفض يرفع من تنافسية البضائع اليابانية في الخارج، كما أنه يزيد من ربحية الشركات اليابانية التي تعتمد على المبيعات في الأسواق الخارجية، ولكنه من الناحية السلبية، فإنه يرفع من كلف المواد المستوردة في الصناعة ويدمر القوة الشرائية للمستهلك، في اقتصاد يعتمد بنسبة 50% من ناتجه المحلي على مشتريات المستهلكين. كما أن الين المنخفض يزيد من خسائر متاجر القطع في اليابان.

أما على صعيد التوتر الجيوسياسي مع الصين، فالشركات اليابانية تتهم الصين بسرقة الملكية الفكرية لمنتجاتها، وبالتالي تعمل على تحويل صناعاتها خارج الأراضي الصينية إلى دول مثل الهند ودول النمور الآسيوية. كما أن اليابان تدخل في نزاع حدود مع الصين حول جزيرة سينكاكو. ويرى محللون أن الصين واحدة من أكبر العقبات التي تقف أمام انتعاش الاقتصاد الياباني، حيث إنها باتت تنتج العديد من السلع المصنعة التي كانت تنعش أعمال الشركات اليابانية وبأسعار رخيصة وتصدرها لأوروبا والمنطقة العربية ودول أميركا اللاتينية.

المساهمون