استمع إلى الملخص
- تواجه الوكالة انتقادات من الجمهوريين الذين يرغبون في تقليص دورها، بينما يدافع الديمقراطيون عن استقلالها. يجادل الديمقراطيون بأن الرئيس لا يملك السلطة لحل الوكالة بمفرده.
- أطلق إيلون ماسك حملة لتقليص الإنفاق الحكومي، مستهدفًا الوكالة باعتبارها غير فعالة، مما أثار جدلاً حول حجم الإنفاق على المساعدات الخارجية.
أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأسبوع الماضي أن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID يجب أن "تُغلق"، واصفًا إياها بأنها "تقود اليسار الراديكالي المجنون" وأن "الفساد فيها وصل إلى مستويات نادرًا ما شوهدت من قبل". ونتيجة لذلك، أعلنت الوكالة وضع جميع موظفيها في إجازة إدارية اعتبارًا من الجمعة الماضية، بما في ذلك العاملون في الخارج، كما تم وضع الوكالة تحت الإشراف المباشر لوزير الخارجية ماركو روبيو، حيث تشير التقارير إلى أن عدد موظفي الوكالة سينخفض من 10,000 إلى حوالي 300 موظف.
وتتبع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية حكومة الولايات المتحدة الفيدرالية، وتأسست في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني عام 1961 بأمر تنفيذي من الرئيس جون كينيدي. وتُعنى الوكالة بإدارة المساعدات الخارجية المقدمة للمدنيين، وتهدف إلى مساعدة الشعوب في تحسين ظروف معيشتها، والتعافي من الكوارث، وتعزيز الديمقراطية والحكم الرشيد. وتعمل الوكالة في أكثر من 100 دولة حول العالم، وتدير ميزانية سنوية تزيد عن 40 مليار دولار.
وتُعد الوكالة الأميركية للتنمية الدولية أداة رئيسية للولايات المتحدة في تعزيز نفوذها العالمي، من خلال تقديم المساعدات الإنسانية والتنموية، وتعزيز الاستقرار في الدول النامية، وفتح أسواق جديدة، وخلق شركاء تجاريين. وتُركز الوكالة على مجالات متعددة، بما في ذلك تعزيز الازدهار الاقتصادي، وتعزيز الديمقراطية والحكم الرشيد، وحماية حقوق الإنسان، وتحسين الصحة العالمية، وتعزيز الأمن الغذائي والزراعة، وتحسين الاستدامة البيئية، وتعزيز التعليم، وتقديم المساعدة الإنسانية في أعقاب الكوارث.
ومن بين الدول التي تتلقى مساعدات كبيرة من الوكالة: أفغانستان، العراق، باكستان، نيجيريا، وإثيوبيا، حيث تُسهم هذه المساعدات في تعزيز النفوذ الأميركي من خلال بناء علاقات قوية مع هذه الدول، وتعزيز الاستقرار والتنمية فيها، مما يفتح المجال أمام التعاون الاقتصادي والسياسي. وتُعتبر خطوة الرئيس ترامب بإغلاق الوكالة الأميركية للتنمية الدولية تحولًا جذريًا في السياسة الخارجية الأميركية، وقد تؤثر بشكل كبير على قدرة الولايات المتحدة على التأثير في الساحة الدولية من خلال المساعدات التنموية والإنسانية.
نشأة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية
أنشأ الرئيس جون كينيدي الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في ذروة الصراع بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي خلال الحرب الباردة، حيث سعى كينيدي لإيجاد وسيلة أكثر كفاءة لمواجهة النفوذ السوفييتي في الخارج من خلال المساعدات الخارجية، حيث رأى أن وزارة الخارجية كانت تعاني من البيروقراطية المفرطة في أداء هذا الدور. وأقر الكونغرس قانون المساعدات الخارجية، وأنشأ كينيدي الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بصفتها هيئة مستقلة عام 1961.
وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991، استمرت الوكالة في العمل. ويجادل أنصارها اليوم بأن المساعدات الأميركية في الدول المختلفة تمثل وسيلة لمواجهة النفوذ الروسي والصيني، حيث تمتلك الصين برنامج مساعدات خارجية خاصًا بها تحت مسمى "مبادرة الحزام والطريق"، والذي يعمل في العديد من الدول التي ترغب الولايات المتحدة في الحفاظ على شراكتها معها، كما تقوم روسيا بمبادرات بين الحين والآخر لتقديم المساعدات للدول النامية، بهدف كسب بعض النفوذ.
إلا أن منتقدي الوكالة يرون أن برامجها غير فعالة، وتهدر أموال دافعي الضرائب، وتروج لأجندة ليبرالية.
ما الذي يحدث مع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية؟
في يومه الأول في المنصب في 20 يناير/كانون الثاني، فرض الرئيس دونالد ترامب تجميدًا لمدة 90 يومًا على المساعدات الخارجية. وبعد أربعة أيام، قام بيتر موروكو، الذي عاد إلى الحكومة كمُعين سياسي من فترة ترامب الأولى، بصياغة تفسير أكثر صرامة لهذا الأمر، مما أدى إلى إغلاق آلاف البرامج في جميع أنحاء العالم، وإجبار الموظفين على إجازات غير مدفوعة أو تسريحهم من العمل.
ومنذ ذلك الحين، تحرك وزير الخارجية ماركو روبيو للسماح باستمرار بعض البرامج الإنسانية الطارئة خلال فترة التجميد. لكن الارتباك حول البرامج المستثناة من أوامر التوقف عن العمل التي فرضتها إدارة ترامب، بالإضافة إلى المخاوف من فقدان المساعدات الأميركية بشكل دائم، أدى إلى تجميد برامج الإغاثة والتنمية على مستوى العالم. وتم وضع عشرات المسؤولين رفيعي المستوى في إجازة إدارية، وتم تسريح آلاف المتعاقدين، كما طُلب من الموظفين عدم دخول مقر الوكالة في واشنطن، الذي أزيحت عنه اللافتة الحاملة لاسم الوكالة.
وبالإضافة إلى ذلك، تم إيقاف موقع الوكالة الإلكتروني وحسابها على منصة X (تويتر سابقًا). وبينما اعتبرت كل تلك الخطوات جزءًا من حملة أوسع تشنها إدارة ترامب على البرامج الحكومية، إلا أن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية والمساعدات الخارجية كانت من بين الأكثر تضررًا. وصرح روبيو بأن الهدف من هذه الإجراءات هو مراجعة كل برنامج على حدة لمعرفة مدى إسهامه في جعل "أميركا أكثر أمانًا أو قوة أو ازدهارًا".
وأشار إلى أن قرار تعليق البرامج الممولة من الولايات المتحدة خلال المراجعة التي تستمر 90 يومًا أدى إلى "تحقيق مزيد من التعاون" من مستفيدي المساعدات الإنسانية والتنموية والأمنية.
ما الذي يقوله منتقدو الوكالة الأميركية للتنمية الدولية؟
عادةً ما يضغط الجمهوريون لمنح وزارة الخارجية، التي توفر التوجيه العام للسياسة الخارجية وتراقب تمويل الوكالة، سيطرة أكبر على قرارات الوكالة. أما الديمقراطيون، فعادةً ما يدافعون عن استقلالها واستقلال سلطاتها. وكانت الوكالات التابعة للأمم المتحدة، مثل وكالات حفظ السلام وحقوق الإنسان وشؤون اللاجئين، أهدافًا تقليدية للإدارات الجمهورية لتقليص التمويل. وخلال ولاية ترامب الأولى، خفضت إدارته الإنفاق على المساعدات الخارجية، وأوقفت التمويل عن العديد من وكالات الأمم المتحدة، بما في ذلك صندوق الأمم المتحدة للسكان والسلطة الفلسطينية.
كما انسحبت الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وتخلت عن التزاماتها المالية تجاهه خلال فترة ترامب الأولى. ويُحظر على الولايات المتحدة أيضًا تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، بموجب قانون وقعه الرئيس جو بايدن في مارس/آذار الماضي. وكممثل لولاية فلوريدا في مجلس الشيوخ، كان روبيو يدعو عادةً إلى مزيد من الشفافية في إنفاق المساعدات الخارجية، لكنه كان عمومًا داعمًا لها.
وفي منشور على وسائل التواصل الاجتماعي عام 2017، صرح بأن المساعدات الخارجية "ليست عملاً خيرياً"، وأن على الولايات المتحدة "التأكد من إنفاقها بشكل جيد"، كما وصف المساعدات الخارجية بأنها "ضرورية للأمن القومي الأميركي". وفي عام 2023، رعى روبيو مشروع قانون كان سيُلزم الوكالات الأميركية للمساعدات الخارجية بتقديم مزيد من المعلومات حول المنظمات التي تنفذها هذه المساعدات على الأرض.
لماذا يستهدف إيلون ماسك الوكالة الأميركية للتنمية الدولية؟
وأطلق الملياردير الشهير إيلون ماسك، المقرب من الرئيس الأميركي والذي يقود وزارة الكفاءة الحكومية (DOGE)، وهي هيئة جديدة مكلفة بتقليص الإنفاق الحكومي، حملة واسعة لإقالة الموظفين الحكوميين وخفض تريليونات الدولارات من الميزانية الفيدرالية. وتعد وكالة التنمية من أبرز أهدافه، حيث زعم أن تمويل الوكالة قد استُخدم لتمويل برامج "مميتة"، واصفًا إياها بأنها "منظمة إجرامية".
ما الذي تأثر بتجميد مساعدات USAID؟
من المتوقع أن تعاني منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى أكثر من أي منطقة أخرى خلال فترة تعليق المساعدات، حيث قدمت الولايات المتحدة لهذه المنطقة أكثر من 6.5 مليارات دولار مساعدات إنسانية في العام الماضي. وفي ظل التجميد، وجد مرضى الإيدز في أفريقيا أنفسهم غير قادرين على دخول العيادات التي كانت تمولها الوكالة الأميركية لعلاجهم.
أما في أميركا اللاتينية، فقد تأثر العديد من البرامج بالفعل. ففي المكسيك، أُغلقت عيادة طبية كانت تخدم اللاجئين، كما تم إلغاء برنامج دعم الصحة النفسية لشباب مجتمع الميم الفارين من فنزويلا. وفي كولومبيا وكوستاريكا والإكوادور وغواتيمالا، تم إغلاق "مكاتب التنقل الآمن"، التي كانت تتيح للمهاجرين التقدم بطلبات دخول قانوني إلى الولايات المتحدة. ولا تزال منظمات الإغاثة تحاول تقدير مدى تأثير التجميد، بما في ذلك عدد البرامج التي توقفت وعدد الموظفين الذين تم تسريحهم.
كم تنفق الولايات المتحدة على المساعدات الخارجية؟
في العام المالي 2023، أنفقت الولايات المتحدة حوالي 40 مليار دولار على المساعدات الخارجية، وفقًا لتقرير صادر عن خدمة أبحاث الكونغرس غير الحزبية. وتعد الولايات المتحدة أكبر مقدم للمساعدات الإنسانية في العالم، على الرغم من أن بعض الدول الأخرى تنفق نسبة أكبر من ميزانيتها على المساعدات الخارجية. وإجمالاً، تمثل المساعدات الخارجية أقل من 1% من الميزانية الفيدرالية الأميركية.
ووفقًا لاستطلاع أُجري في مارس/آذار 2023 من قبل وكالة AP-NORC، قال حوالي 6 من كل 10 أميركيين إن الحكومة تنفق "أكثر من اللازم" على المساعدات الخارجية. وعند سؤالهم عن النفقات المحددة، قال حوالي 7 من كل 10 أميركيين إن الحكومة تضع أموالًا أكثر مما ينبغي تحت بند المساعدات الخارجية. ووجدت استطلاعات أخرى أن الجمهور الأميركي غالبًا ما يبالغ في تقدير نسبة الميزانية الفيدرالية التي تُخصص للمساعدات الخارجية، حيث يعتقد الأميركيون، في المتوسط، أن الإنفاق على المساعدات يشكل 31% من الميزانية، في حين أنه لا يتجاوز 1% فعليًا.
هل يمكن لترامب حل الوكالة بمفرده؟
يجادل الديمقراطيون بأن الرئيس لا يملك السلطة الدستورية لحل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، ولكن ليس من الواضح ما الذي يمكن أن يمنعه من المحاولة. وسبق أن نشب صراع قانوني مصغر حول هذا الأمر خلال فترة ترامب الأولى، عندما حاول خفض ميزانية العمليات الخارجية بمقدار الثلث. وعندما رفض الكونغرس، استخدمت إدارة ترامب تجميد التمويل وتكتيكات أخرى لقطع التدفقات المالية التي سبق أن أقرها الكونغرس. في النهاية، قضى مكتب المحاسبة العامة بأن ذلك انتهك قانون السيطرة على الحجز المالي. وقال ماسك على منصة X يوم السبت: "من يعش بقرار تنفيذي، يمُت بقرار تنفيذي"، في إشارة إلى مصير الوكالة الأميركية للتنمية.