الوجه الآخر للتطبيع

الوجه الآخر للتطبيع

10 ديسمبر 2020
وفد إسرائيلي يصل إلى مطار دبي في أول رحلة لشركة فلاي دبي من تل أبيب (Getty)
+ الخط -

كم هي تكلفة الفرص الضائعة على العرب بسبب عرب آخرين؟ سؤال راودني، وأنا أتابع الأخبار يوماً بيوم، مثل باقي المأزومين، صباح مساء، ممن يسمعون من مآسٍ ويشاهدون من عذابات، الواحدة تلو الأخرى. لقد تقلّص الحلم العربي بوحدة اقتصادية يعطي العربيُّ فيها للعربي الأفضلية في السلع والخدمات، وفِي التوظيف الرأسمالي، بشرياً كان أم مالياً. وينسق مع أخيه حتى لا ينافسه في قوته الأساسي، إلى أن وصلنا إلى عالمٍ عجيبٍ نرجو فيه ألا يتعمّد العربي، ويتقصد إيذاء شقيقه العربي. عام 1979، وفِي قمة بغداد العربية، اتفق الفرقاء الحاضرون على مقاطعة مصر سياسياً واقتصادياً، واستثنوا من ذلك العمالة المصرية في الأقطار العربية. ولكن بعد حرب الخليج التي تلت احتلال العراق دولة الكويت، غادر أكثر من ثلاثمائة ألف أردني وفلسطيني الكويت دفعاً أو هرباً. ولَم تعد دولة الكويت كما كانت، حسب ما يقوله كثيرون من أهلها، خصوصا خلال الانتخابات النيابية التي انتظمت أخيرا، وأسْقَطَت بعض المتطرفين والمتصهينين وعميدة التعصب ضد العرب الآخرين. 

وأرسلت المملكة العربية السعودية مئات الآلاف من العمال اليمنيين إلى ديارهم لأسباب سياسية أمنية قبل أكثر من عقدين، ما أربك الاقتصاد اليمني. وعلى الرغم من كل هذه التطورات، فإن عمالة عربية عادت إلى دول الخليج مكان التي خرجت أو أُخرجت. بعد ذلك كله، وقبل ثلاث سنوات ونصف السنة، جاء حصار دولة قطر اقتصادياً من أربعة أقطار عربية في يونيو/حزيران 2017، ونأمل أن ينتهي هذا الواقع الذي أثبتت الدلائل أنه لم يؤثر على الاقتصاد القطري. وصدقت توقعات كثيرين من المحللين المحايدين أن هذه المقاطعة، أو هذا الحصار، يمكن أن تتجاوزه قطر.
ولكن في هذه الآونة، وفِي السنوات التي سُميت الربيع العربي، شاهدنا أمثلة على أن الخلافات العربية لم تسهم في حل مشكلات سورية أو اليمن أو الصومال أو ليبيا، ولكنها أذكت النيران ونفخت فيها، على حساب ملايين المهجّرين والجرحى والقتلى والجياع والمرضى. وفي المقابل، استقبلت دول عربية، مثل الأردن ولبنان ومصر، ملايين السوريين الذين سعوا إلى دول الجوار، طلباً للملاذ الآمن من ويلات الحرب في وطنهم.

مخاطر التطبيع مع إسرائيل
وأخيراً جاءنا التطبيع مع إسرائيل، وقامت اثنتان من دول الخليج، الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين، بذلك. ونرى مما ينشر من تصريحات وفيديوهات على المواقع الإلكترونية أن بعض المواطنين من هاتين الدولتين يبدون فرحاً بهذا التطبيع، وصوراً أخرى تعكس مقدار التواد والتصادق بين مواطنين من هاتين الدولتين ومواطنين اسرائيليين. 
وقد سمعنا رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، يتباهى أمام شاشات التلفزة بنجاحه الباهر في لقاء مسؤولين خليجيين، صادقاً كان أم كاذباً. وأكاد أتخيل صورة أمٍ فلسطينيةٍ ثكلى، أو أم سجين فلسطيني، أو صوراً لمتطرّفين يهود يقتحمون المسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي، وأتخيل ردّة فعل هؤلاء الأمهات على صور الصداقة والتطبيع بين بعض الدول الخليجية وإسرائيل.
لهذا التطبيع في الوقت الراهن آثار سلبية على اقتصادات بعض الدول العربية، ومنها تحديدا الأردن الذي، كما يعلم معظم العرب، على الرغم من شُح موارده الطبيعية، استطاع بغناه في الموارد البشرية أن يجعل من وادي الأردن مصدر غداء أساسي له ولدول عربية مجاورة. وكان الأردن يفخر أن إنتاجه من الفواكه والخضار يلاقي قبولاً حسناً من العملاء الكرام في دول الجوار، سورية ولبنان والعراق، وفِي دول الخليج، وخصوصا دولة الإمارات. ويصدّر الأردن إلى هذه الدول خضاراً، والأهم من ذلك التمر المسمّى "المَجوْل"، ذو الطعم الغني والنوعية المتميزة، وقد توسع الأردنيون في زراعته اعتماداً على زيادة الطلب عليه.

منتجات المستوطنات
لقد شكى بعض المصدّرين الأردنيين، في الآونة الأخيرة، من أن المستوردين لهذا التمر في دولة الإمارات يقولون لهم "نحن آسفون، لن نستطيع الاستيراد منكم لأننا سنستورده من إسرائيل"، متغاضين عن أن معظم هذا التمر يأتي من إنتاج مستوطنات إسرائيلية غير مشروعة على أراضي فلسطين المحتلة.
أوروبا ومستوردون كثيرون في العالمين، الغربي والشرقي، اتخذوا إجراءات لمنع استيراد أي منتجات وسلع من المستوطنات، فكيف يمكن أن يفسّر قرار هؤلاء المستوردين من دولة الإمارات للمزارع الأردني الذي استثمر اعتماداً على السوق الخليجية. وكذلك، هنالك من يقول إن متانة العلاقات بين دولة الإمارات والأردن يجب ألا تتحوّل إلى "كعب أخيل" اقتصادي، يضرب في المصالح الأردنية، فهنالك شركة صرافة في الإمارات هرب مالكها الهندي من العدالة، ويقال إنها ستباع لشركة مالية إسرائيلية، ولهذه الشركة فروع في الأردن، وهنالك أيضاً شركات أردنية أخرى ساهمت فيها شركات إماراتية، فهل سيتحوّل جزء من هذه الملكيات لشركات إسرائيلية.
بالطبع، الأردن وقع معاهدة سلام مع إسرائيل في أكتوبر/تشرين الأول 1994، ولكن له موقفاً تفاوضياً اقتصادياً طويلاً ومعقداً مع الحكومة الإسرائيلية. وإدخال إسرائيل إلى الدول العربية عبر دولة الإمارات سوف يُضعف الموقف التفاوضي الأردني والفلسطيني حيال إسرائيل. فهل درس الإخوة في الإمارات هذا الملف؟ 

لا نريد أن تصبح الدول المُطبعة حديثاً حصان طُروادة لغزو الاقتصادات العربية من الأبواب الخلفية، من دون أن تحصل هذه الدول عند تحقيق السلام والتطبيع على مقابلٍ عادلٍ من الاقتصاد الاسرائيلي. والحديث في هذا الموضوع يطول، ويحتاج إلى مزيد من الدراسات.

المساهمون