النفط الجديد.. سباق عالمي على مراكز البيانات العالمية

28 يوليو 2025   |  آخر تحديث: 09:03 (توقيت القدس)
من قمة الذكاء الاصطناعي في باريس، 10 فبراير 2025. (جويل ساجيت/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تشهد الساحة الاقتصادية العالمية تنافساً حاداً بين القوى الكبرى للاستحواذ على مراكز البيانات، التي تُعتبر "النفط الجديد"، مع توقعات بنمو السوق إلى أكثر من 150 مليار دولار بحلول 2035، مما يعزز النفوذ الاقتصادي العالمي.

- تتوزع المنافسة بين شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى، وشركات الاستثمار الخاصة، والصناديق السيادية لدول مثل الإمارات والصين، مع تحديات تنظيمية كما في التحقيقات الأوروبية ضد KKR.

- دخلت دول الخليج بقوة في سباق مراكز البيانات، معلنة عن مشاريع ضخمة لتعزيز الاقتصاد الرقمي، مما يعكس أهمية هذه المراكز كعصب للاقتصاد الرقمي العالمي.

تشهد الساحة الاقتصادية العالمية حرباً صامتة بين القوى الكبرى والشركات العملاقة للاستحواذ على مراكز البيانات، أو ما يعرف في الأوساط الاستثمارية باسم "النفط الجديد". فمع تنامي الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، والحوسبة السحابية، وخدمات الإنترنت الفائقة، تحولت مراكز البيانات من بنية تحتية تقنية إلى أصل استراتيجي تتحرك نحوه صناديق الاستثمار السيادية، وشركات التكنولوجيا، والمؤسسات الأمنية، في سباق متسارع. 

ووفقاً لتقرير صادر عن مؤسسة "ماركت ريسيرتش فيوتشر"، من المتوقع أن يقفز حجم سوق خدمات مراكز البيانات العالمية من 55.6 مليار دولار عام 2023 إلى أكثر من 150 مليار دولار بحلول عام 2035، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 8.61%، ما يضع هذه المراكز في قلب خريطة النفوذ الاقتصادي العالمي، خاصة مع سيطرة شركات أميركا الشمالية على السوق العالمية بحصة 38.83% في عام 2024.

مَن يقود المعركة؟ 

تتوزع أطراف هذه الحرب الصامتة على ثلاث جبهات رئيسية: الأولى تقودها شركات التكنولوجيا الأميركية الكبرى، مثل أمازون، ومايكروسوفت، وغوغل، وذلك عبر توسعات مباشرة أو تحالفات مع مشغلي مراكز بيانات إقليميين. أما الجبهة الثانية، فتمثلها شركات الاستثمار الخاصة، وعلى رأسها شركة كيه كيه آر (KKR)، وهي واحدة من أضخم شركات الاستثمار العالمي، وتدير أصولاً تتجاوز 500 مليار دولار، وصعدت مؤخراً بوصفها لاعباً محورياً في هذا السوق عبر سلسلة استحواذات استراتيجية كبرى.

والجبهة الثالثة تتمثل في الصناديق السيادية التابعة لدول مثل الإمارات، والصين، وسنغافورة، والتي دخلت مجال البنية الرقمية أداة لتعزيز نفوذها الاقتصادي. ويشير محللون، بحسب "بلومبيرغ" إلى أن هذه المعركة تجري "بصمت"، بعيداً عن أضواء الأسواق التقليدية، عبر صفقات مغلقة، وعمليات تمويل عابرة للحدود، وشراء حصص في مشغلين حيويين. وكشفت "بلومبيرغ"، أمس الأحد، عن مفاوضات تجريها شركة الاستثمار الأميركية KKR للاستحواذ الكامل على شركة (STT GDC) السنغافورية، التي تعد من أكبر مشغلي مراكز البيانات في آسيا، وتدير أكثر من 100 مركز في 20 سوقاً، منها الهند واليابان وكوريا الجنوبية والمملكة المتحدة.

ووفق "بلومبيرغ"، فإن هذه الصفقة التي قد تتجاوز قيمتها خمسة مليارات، تعد من أضخم استحواذات KKR في قطاع البنية الرقمية هذا العام، وتبرز التحول في أولويات الشركات الاستثمارية نحو أصول البيانات لا النفط أو العقار. في المقابل، لا تخلو هذه المعارك من توتر تنظيمي؛ إذ أعلنت المفوضية الأوروبية، في 24 يوليو/تموز الجاري، فتح تحقيق ضد KKR بسبب صفقة استحواذها على شبكة الألياف الضوئية، التابعة لشركة شركة تيليكوم إيطاليا، في صفقة بلغت 22 مليار يورو، وهي الأكبر في قطاع الاتصالات الأوروبي خلال 2024. وتحقق بروكسل فيما إذا قدمت KKR معلومات مضللة حول التأثير التنافسي للصفقة، خصوصاً ما يتعلق بخدمات النطاق العريض بالجملة في إيطاليا، بحسب "فاينانشال تايمز". 

دول الخليج تدخل على الخط

في السنوات الأخيرة دخلت دول الخليج بقوة على خط سباق مراكز البيانات العالمية، في خطوة تعكس تحولاً استراتيجياً في أولويات السياسات الاقتصادية، من الاعتماد على النفط إلى توطين الاقتصاد الرقمي، وبناء بنية تحتية سيادية لمعالجة وتخزين البيانات. ففي العامين الأخيرين، أعلنت الإمارات والسعودية وقطر عن مشاريع بمليارات الدولارات لتشييد مراكز بيانات فائقة السعة، بالتعاون مع عمالقة التكنولوجيا حول العالم.

وتشير بيانات منصة "داتا سنتر دايناميكس" المتخصصة في تحليل تطورات سوق مراكز البيانات عالمياً، إلى أن دول الخليج بصدد ترسيخ نفسها ممراً رقمياً بين آسيا وأوروبا وأفريقيا، مستفيدة من وفرة الطاقة والأنظمة الجاذبة للاستثمار. وتعد الإمارات، بحسب المنصة، من بين أكثر عشر دول نمواً في سعة مراكز البيانات عالمياً، وقد أنشأت منشآت ضخمة بالشراكة مع شركات مثل أوراكل، وأمازون ويب سيرفيسز، ومايكروسوفت. وتخطط السعودية لتحويل "نيوم" إلى عقدة إقليمية للبيانات (مركزي إقليمي) ضمن استراتيجية رؤية 2030.

وتعد قطر لاعباً متنامياً، اعتماداً على شركات مثل أوريدو وميزة، حيث خططت شركة "أوريدو" لاستثمار نحو 550 مليون دولار في توسيع شبكتها لمراكز البيانات، بهدف دعم تطبيقات الذكاء الاصطناعي، بالتعاون مع إنفيديا الأميركية، كما أعلنت تشغيل مراكز بقدرة 40 ميغاوات، وتحقيق نمو بنسبة كبيرة في السعة التخزينية لمراكزها الحالية. وتظهر تقارير أن سوق الكلوكيشن في قطر سوف ينمو من 115 مليون دولار في 2023 إلى 316 مليون بحلول 2029، بمعدل نمو سنوي متوسط يبلغ 18.35%.

كما يشهد سوق مراكز البيانات في البحرين وعُمان والكويت نشاطاً متزايداً، مدعوماً بتحسين القوانين وتدشين مناطق خدمات البيانات الخاصة. ووفق المركز الإحصائي الخليجي، فإن السوق الخليجي الإجمالي قد نما من 3.48 مليارات دولار في 2024 إلى توقعات ببلوغه 9.49 مليارات بحلول 2030.

لماذا مراكز البيانات؟

ويعود السبب في هذا التحول نحو مراكز البيانات إلى أنها باتت "عصب الاقتصاد الرقمي"، حيث تخزن فيها بيانات الملايين من المستخدمين، وتشغل منها خوارزميات الذكاء الاصطناعي، وتدار فيها المعاملات المالية والمؤسساتية حول العالم. وتزامن ذلك مع الطفرة غير المسبوقة في استخدام الأدوات الرقمية بعد جائحة كوفيد، وصعود تطبيقات مثل "شات جي بي تي"، وخدمات بث الفيديو، ومنصات الألعاب الرقمية. ووفق تقرير صادر عن الاتحاد الدولي للاتصالات في يناير/كانون الثاني 2025، تحتاج البنية التحتية الرقمية إلى استثمارات إضافية تتجاوز 1.6 تريليون دولار حتى عام 2030 لسد الفجوة العالمية، الأمر الذي يجعل مراكز البيانات هدفاً لكل من يطمح إلى النفوذ في العقد المقبل.

وهذا يعني أن الحرب الصامتة على مراكز البيانات لم تعد تقنية، بل أصبحت سياسية وسيادية بامتياز. فكما كانت خطوط أنابيب النفط في القرن العشرين سبباً في معادلات الجغرافيا والسيادة، فإن خريطة مراكز البيانات في القرن الحادي والعشرين تعيد تشكيل مراكز النفوذ العالمي. ومن يملك أكبر قدرة على التخزين والمعالجة والربط هو من يمتلك الهيمنة المعلوماتية، وبالتالي الاقتصادية والسياسية. لذلك يتحرك أطراف هذه الحرب بكل أدوات القوة الناعمة والخشنة، لتأمين حصصهم من نفط العصر الرقمي.

المساهمون