استمع إلى الملخص
- تهدد استقرار النظام النقدي الحالي أربعة عوامل: التوترات الجيوسياسية، مستويات الدين المرتفعة، الضغوط التضخمية، وضعف القطاع المصرفي، مما يثير تساؤلات حول استقراره.
- يتوقع صندوق النقد الدولي نمواً بنسبة 3.3% لعامي 2025 و2026، محذراً من الضغوط التضخمية والتوترات الجيوسياسية التي قد تؤدي إلى اضطرابات مصرفية، مما يهدد مكانة الدولار كعملة احتياط.
خلال ما يزيد قليلاً عن قرن، انهار النظام النقدي الدولي ثلاث مرات، في عام 1914، وفي عام 1939، وفي عام 1971، عندما قطع نيكسون آخر روابط الدولار بالذهب وجرى إنقاذه بواسطة اتفاقية " البترودولار" مع الرياض. ومصطلح النظام النقدي العالمي يشير إلى منظومة القواعد والمؤسسات والاتفاقيات التي تحكم العلاقات المالية الدولية، بما في ذلك أسعار الصرف، والموازين التجارية، وتدفقات رأس المال. وقد تطوّر هذا النظام على مر العقود. ويرى العديد من المحللين حالياً أننا نشهد حالة من اللا نظام، تتسم بغياب الاتفاقيات المتماسكة بين الاقتصادات الكبرى، خاصة بعد وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي يعمل على بناء عالم جديد ونظام عالمي جديد بتفكيك النظم المالية والنقدية والتحالفات القائمة منذ الحرب العالمية الثانية.
ويرى محللون أن هنالك أربعة عوامل رئيسية ربما تساهم في انهيار النظام النقدي الحالي، وهي التوترات الجيوسياسية، حيث أوجدت التوترات الجيوسياسية المستمرة، وخاصة بين القوى الكبرى، مثل الولايات المتحدة والصين، والتوترات الحالية بين الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وكندا، بيئة غير مستقرة للتجارة والتمويل الدوليين. ويمكن أن يؤدي تصاعد الحمائية والسياسات التجارية التي يطبقها الرئيس دونالد ترامب حالياً تحت شعار "أميركا أولاً" و"التعريفات الجمركية" والحروب التجارية إلى زعزعة العلاقات الاقتصادية الراسخة، وأن يؤدي ذلك تلقائياً إلى تجزئة الأسواق العالمية.
أما العامل الثاني، فهو مستويات الدين المرتفعة، إذ تواجه العديد من الدول مستويات مرتفعة تاريخيًا من نسب الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي. على سبيل المثال، اعتباراً من أوائل عام 2024، بلغت نسبة الدين غير المالي إلى الناتج المحلي الإجمالي في الصين 290%، بينما بلغ الدين العام في الولايات المتحدة أكثر من 36 تريليون دولار وفي منطقة اليورو بلغت نسبة الدين العام الإجمالي إلى الناتج المحلي الإجمالي 88.2% بحلول نهاية الربع الثالث من العام الماضي، وفق بيانات المفوضية الأوروبية. وتعاني العديد من الدول المتقدمة أيضاً من نسب مرتفعة مماثلة.
والعامل الثالث، الضغوط التضخمية، إذ يلاحظ أن التضخم العالمي يشهد ارتفاعاً مستمراً بسبب عوامل مختلفة، مثل اضطرابات سلسلة التوريد وارتفاع أسعار السلع الأساسية والتعريفات الجمركية الأميركية على السلع التي تورد للولايات المتحدة. وعلى الرغم من أنه من المتوقع أن ينخفض التضخم تدريجياً مقارنة بمستوياته بعد الحرب الأوكرانية والعقوبات التجارية على روسيا، إلا أن استمرار التضخم الأساسي لا يزال مصدر قلق بالنسبة للاقتصادات العالمية الكبرى في أميركا وأوروبا. ويقول محللون، إذا تواصلت مستويات التضخم في الارتفاع، فقد يُعقّد ذلك جهود البنوك المركزية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والحفاظ على الثقة بالعملات. في هذا الصدد يُسلّط تقرير شركة ديلويت العالمية لتدقيق الحسابات في تقرير يوم الثلاثاء الضوء على أنه في حين انحسرت الضغوط التضخمية وانخفضت أسعار الفائدة، تواجه البنوك تحدياتٍ ناجمة عن ضعف النمو الاقتصادي وعدم اليقين التنظيمي.
أما العامل الرابع فهو ضعف القطاع المصرفي. وتُسلّط الأزمات المصرفية الأخيرة في الولايات المتحدة الضوء على نقاط الضعف في القطاع المالي. وتُظهر حالات فشل بنوك أميركية مثل بنك وادي السيليكون فالي وبنك سيغنتشر مدى سرعة تآكل الثقة بالمؤسسات المالية، في الولايات المتحدة. ويمكن أن يؤدي فقدان الثقة بالبنوك إلى زعزعة استقرار اقتصادي أوسع نطاقاً.
في هذا الصدد، يتوقع صندوق النقد الدولي في تقرير، بإبريل الجاري، نمواً عالمياً بنسبة 3.3% لعامي 2025 و2026، مع مخاوف بشأن الضغوط التضخمية والاستدامة المالية التي تؤثر على قرارات السياسة النقدية. ويثير هذا السياق تساؤلات حول استقرار النظام النقدي الدولي. وكان الصندوق قد سلّط الضوء في تقرير في مارس 2024 الضوء على المخاوف بشأن نقاط الضعف في النظام المالي العالمي، والتي قال إنها تفاقمت بسبب الاضطرابات المصرفية الأخيرة. وأكد التقرير أنه على الرغم من تخفيف حدة المخاطر المباشرة من خلال إجراءات منسقة من جانب البنوك المركزية وتوفير السيولة، إلا أن قضايا أساسية مثل ارتفاع أسعار الفائدة والتضخم قد تُشكّل تهديدات طويلة الأجل للاستقرار المالي.
في ذات الشأن، أشار خبراء من مجلة ريتيل بانكر إنترناشونال، في تقرير أمس الأربعاء، إلى أن التوترات الجيوسياسية وعدم اليقين الاقتصادي قد يؤديان إلى اضطرابات كبيرة في العمليات المصرفية عالمياً. من جانبه حذّر تقرير صادر عن مركز التقدم الأميركي سنتر فورأميركان بروغريس، من جهود تحرير الأنظمة المقترحة في إطار مشروع 2025، والتي قد تزيد من المخاطر في الأسواق المالية. ويشير التحليل إلى أن إضعاف الأطر التنظيمية للبنوك الأميركية الذي أعلن عنه الرئيس ترامب قد يؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار في الأنظمة المصرفية، مما قد يُهدد سلامة الترتيبات النقدية الدولية.
ويرى محللون أن الدولار الذي يعدّ الركيزة الأساسية للنظام المالي العالمي يواجه حالياً اختباراً صعباً، حيث تراجع الأسبوع الماضي أمام العملات الرئيسية وسط هروب المستثمرين من الأسواق الأميركية وسط مخاوف من أن يواجه الاقتصاد الأميركي فترة من الركود التضخمي. ويتوقع الخبير الاقتصادي دوغلاس كيسي في تحليل على نشرة "زيرو هيدج" الأميركية، ومن المتوقع إذا حدث انهيار في النظام النقدي العالمي أن يفقد الدولار هذه المرة مكانته كعملة الاحتياط الأولى في العالم. وتداعيات مثل سيناريو كهذا يصعب تقديرها.