النظام السوري يدفع الشركات للإفلاس: إضرابات عمالية

النظام السوري يدفع الشركات للإفلاس: إضرابات عمالية

19 يوليو 2021
تراجع كبير في قيمة أجور العمال (لؤي بشارة/ فرانس برس)
+ الخط -

تتوالى إغلاقات المعامل والمنشآت الصناعية في سورية، بعد زيادة ساعات تقنين الكهرباء وارتفاع أسعار المازوت، الأمر الذي يكبّد المنشآت خسائر باهظة، ما دفع العديد منها للإغلاق المؤقت وتسريح العمال أو تخفيض أجورهم، لتنتشر موجة إضرابات جزئية عن العمل في العديد من المنشآت.
وفي هذا السياق، يكشف المستثمر الصناعي، محمد مارتيني، لـ"العربي الجديد" أنّ "معظم المنشآت الصناعية في حلب خفضت إنتاجها وساعات العمل، بعدما ارتفع سعر المازوت الأسبوع الماضي، إلى 500 ليرة (الدولار = نحو 3200 ليرة) لليتر وزيادة ساعات تقنين الكهرباء لتصل أحياناً إلى عشرين ساعة يومياً".

ويقول المتخصص بالصناعات البلاستيكية إنّ منشأته تواصل الخسائر منذ نحو عامين، بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج وشبه تعطل التصدير وتراجع الطاقة الإنتاجية، بعد اقتصار العمل على خط إنتاجي واحد للمحافظة على الآلات وبعض العمال.

ويعترف بالتسريح المؤقت لنحو 60% من العمال وإبقاء بعض المهرة، قائلاً: "الأصعب على ربّ العمل خسارة عماله وعدم قدرته على منح الأجور".

وحول ردود فعل العمال المسرحين، يضيف مارتيني أنّ معظمهم "تقبّل الوضع بعد منحهم مكافآت وراتباً إضافياً. ووعدتهم بالعودة للعمل إن تحسن السوق وزادت ساعات الكهرباء".
ولم ترفع المنشآت الخاصة في سورية أجور العمال، بالتوازي مع مرسوم رئيس النظام السوري الأسبوع الماضي برفع الأجور والرواتب 50% للعاملين بالقطاع الحكومي و40% للمتقاعدين، لأنّ الأجور بالقطاع الخاص مرتفعة بالنسبة لأجور الدولة، كما يقول رجل الأعمال السوري محمد العلو لـ"العربي الجديد".

يضيف أنّ متوسط أجر العامل بالقطاع الخاص يبلغ نحو 100 ألف ليرة سورية، ويصل أجر العامل الماهر والمتخصص إلى نحو 250 ألف ليرة، في حين لا يزيد متوسط الأجور لدى القطاع الحكومي بعد الزيادة عن 75 ألف ليرة.

ويرى المتخصص بصناعة وتجارة الحبوب والمواد الغذائية، أنّ من حق العمال أن يضربوا عن العمل أو يفعلوا ما يشاؤون "لأنّ الجوع كافر والحاجة مُرّة" لكنّ السبب ليس من القطاع الخاص الذي يحاول تقليص الخسائر، بسبب تراجع القدرة الشرائية وقيود وتكاليف التصدير، والتي زادها مؤخراً ارتفاع أجور النقل وسعر المازوت وانقطاع التيار الكهربائي.
ونشرت صحيفة "النور" الناطقة باسم الحزب الشيوعي السوري بدمشق، أنّ العديد من المعامل والمنشآت، شهدت "إضرابات جزئية" احتجاجاً على تسريح العمال أو عدم الاستجابة لطلبات رفع الأجور بما يتناسب مع غلاء الأسعار.

وتقول إحدى العاملات في الصناعات النسيجية: "أصبحنا بلا عمل لأنّ المعمل أغلق أبوابه، وإغلاق المعمل أبوابه يعني الشيء الكثير بالنسبة لي كوني المعيلة لأولادي، وهذا واقع حال آلاف العمال الذين أصبحوا بلا عمل أي بلا موارد تتيح لهم العيش".
في المقابل، وبحسب الصحيفة نفسها خلال عددها الأسبوعي الأخير، تؤكد عاملة أخرى أنّه بسبب واقع المعمل الذي هو قاب قوسين أو أدنى من الإغلاق، نفذت مع زملائها إضراباً محدوداً عن العمل من أجل زيادة أجورهم التي لا تتجاوز 100 ألف ليرة سورية مع ساعات عمل طويلة وشروط عمل قاسية تفرضها طبيعة المهنة.
وتغيّرت خريطة العمالة بسورية بعد عشر سنوات على حرب هدمت جلّ البنى والمنشآت، فتحولت نسبة البطالة من نحو 11% عام 2010 إلى أكثر من 83% حالياً بحسب منظمات ومراكز من داخل سورية وخارجها.

وتراجع دخل العامل من نحو 400 دولار (نحو عشرين ألف ليرة) عام 2011 إلى نحو 23 دولاراً ( نحو 75 ألف ليرة) حالياً.

ويقول عامل بمنشأة صناعية بمنطقة القابون في دمشق لـ"العربي الجديد": "لا نجرؤ على الإضراب عن العمل أو الخروج إلى ما بعد المنشأة لأنّ ذلك سيفسر تمردا ويمكن أن ندفع ثمناً يصل للسجن" فالوضع العام، بحسب العامل الذي طلب عدم ذكر، اسمه "لا يسمح بأيّ تصرف احتجاجي ويمكن أن يتهمونا بالإرهاب أو مناصرة الثورة والتخريب".

ويكشف العامل بمنشأة تريكو (نسيج محبوك) أنّ "متوسط الأجور بالمنشأة بين 80 و100 ألف ليرة، في حين أنّ تكاليف المعيشة عشرة أضعاف هذا المبلغ، لكنّ العمل بأجر قليل أفضل من انضمامنا إلى قوائم البطالة".
وتشير مصادر سورية إلى أنّ قوة العمل في البلاد، قبل عام 2011، كانت تزيد عن 3.5 ملايين عامل، منها نحو 1.8 مليون عامل بالقطاع الحكومي، لكن حالياً ورغم عدم توفر أيّ إحصاء رسمي، لا يزيد العمال بالقطاعين العام والخاص عن مليون عامل، بعد التهجير والقتل والتسريح من العمل.
ويرى الاقتصادي السوري، محروس الخطيب، أنّ تحميل وزر التسريح أو قلة الأجور لأرباب العمل "فيه ظلم" لأنّ ظروف العمل والمبيعات الداخلية والتصدير، بأسوأ أحوالها، ومعظم المنشآت المتبقية على قيد الإنتاج، تحاول عدم خسارة العمال واسمها بالسوق وسمعة أصحابها بإعلان الإفلاس.

يضيف مدير النقل السابق لـ"العربي الجديد" أنّ إجراءات حكومة النظام تدفع الصناعيين للإغلاق، ففضلاً عن ارتفاع أسعار المواد الأولية التي تستورد بالدولار، جاء غلاء الطاقة وضعف تغذيتها، كضربة قاضية للصناعة السورية.

المساهمون