المونة المنزلية في حلب شمالي سورية فرصة عمل موسمية لفاقدات المعيل

18 سبتمبر 2025   |  آخر تحديث: 16:42 (توقيت القدس)
تحضير المؤن المنزلية في حلب، سبتمبر 2025 (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- النساء في حلب وريفها يلجأن لتحضير "المونة" التقليدية كوسيلة لتأمين دخل في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، مثل حميدة العمر التي تعتمد على تجهيز وبيع المؤن المنزلية لتغطية احتياجات أسرتها.
- سمر خليل تستفيد من الطلب المتزايد على المونة وتستخدم مواقع التواصل الاجتماعي للترويج لمنتجاتها، معتبرة أن المونة وسيلة للعيش بكرامة.
- ارتفاع تكاليف الغاز والنقل يؤثر على أسعار المونة، ويعتبرها الخبير الاقتصادي مروان درويش شريان حياة للنساء فاقدات المعيل، مشددًا على أهمية دعم هذا النشاط.

في أحياء مدينة حلب وريفها، شمالي سورية، تعود رائحة "المونة" لتملأ الأزقة مع اقتراب موسم الشتاء، حيث تنشغل نساء كثيرات بتحضير المؤن المنزلية التقليدية مثل المربيات والمخللات ودبس البندورة والفليفلة المجففة والمكدوس. لكن هذه العادة التي ارتبطت بالذاكرة الاجتماعية باتت في السنوات الأخيرة تتحول إلى فرصة عمل موسمية للنساء اللواتي فقدن المعيل، في ظل الغلاء والظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها المنطقة.

وفي هذا السياق، تقول حميدة العمر، وهي أرملة في الأربعينيات من العمر تقيم في حي الشعار، إنها باتت تعتمد على تجهيز المؤن وبيعها للجيران والمعارف وسط قلة مصادر الدخل. وتشير في حديثها لـ"العربي الجديد"، إلى أنها وجدت في هذا العمل وسيلة لتأمين مصدر دخل ولو بسيطا يقي أسرتها من الحاجة، فهي تصنع دبس البندورة وقديد الباذنجان والمربيات بكميات محدودة، وتبيعها حسب الطلب.

وتوضح حميدة أن العمل مرهق ويحتاج إلى وقت وجهد كبيرين، إضافة إلى ارتفاع أسعار المواد الأولية وتكاليف الغاز، لكن الحاجة دفعتها للاستمرار فيه. وتبين أن دخلها الشهري يتراوح بين 200 و400 دولار، يختلف بحسب الموسم والإقبال، إلا أنه غالباً ما يغطي أساسيات الحياة من طعام ولباس ورسوم مدرسية لأولادها الثلاثة، من دون أن تضطر لطلب المساعدة من أحد.

وتشير إلى أن كثيراً من نساء حي الشعار يعملن في المجال نفسه، لا سيما الأرامل أو زوجات المفقودين، إذ لا تتوفر أمامهن فرص عمل بديلة في سوق العمل التقليدية. وتقول إن هذا النشاط الموسمي بات يشكل شبكة تضامن غير معلنة بين النساء، حيث تتعاون بعضهن في شراء البندورة أو الفليفلة بكميات كبيرة لتخفيض الكلفة، أو يتقاسمن العمل في تحضير المونة وتوزيع الأرباح فيما بينهن. وترى أن المونة لم تعد مجرد عادة اجتماعية مرتبطة بالماضي، بل تحولت إلى مورد أساسي لمئات العائلات في المدينة، وأن استمرارها في هذا العمل هو ما يمنحها القدرة على إعالة أسرتها والشعور بالاستقلالية والكرامة.

من جهتها، توضح سمر خليل لـ"العربي الجديد"، التي تقيم مع عائلتها في حي الحمدانية، أن الطلب على المونة يزداد مع نهاية الصيف: "العائلات العاملة أو المغتربون القادمون يفضلون شراء المونة جاهزة بدل تحضيرها. نحن نستفيد من هذا الطلب، فمثلاً أبيع الكيلوغرام من دبس الفليفلة بـ45 ألف ليرة سورية، ودبس البندورة بـ30 ألفاً، أما المربى فيتراوح بين 35 و50 ألفاً حسب نوع الفاكهة"، (1 دولار= 13.005 ليرة سورية).

وتضيف أنّ الوضع الاقتصادي المتدهور دفعها إلى هذا العمل الذي لا يتطلب منها مغادرة المنزل، سوى للتسوق من سوق الهال بأسعار الجملة. بينما تتعاون مع بناتها وأخواتها لإنجازه بسرعة وتلبية الطلبات، مستفيدة من مواقع التواصل الاجتماعي التي ساعدت في الترويج لمنتجاتها. وتوضح: "نحن لا نحلم بالربح الكبير، يكفينا أن نؤمن حاجتنا ونشعر أننا نعمل بأيدينا. المونة بالنسبة لنا ليست فقط طعاماً، بل وسيلة للعيش وشيء من الكرامة".

من جانبه، يرى مناف التمر، أحد تجار المواد الغذائية في سوق باب جنين بمدينة حلب، أنّ حركة السوق تشهد نشاطاً غير اعتيادي هذه الأيام، لكنها حركة يثقلها هاجس الأسعار المتصاعدة. ويقول في حديث لـ"العربي الجديد"، إن تكلفة الغاز والنقل انعكست بشكل مباشر وقاسٍ على أسعار المونة المنزلية التي تعد عماداً للكثير من الأسر في مواجهة الشتاء.

ويضيف: "بين أروقة السوق، يتراوح سعر كيلو البندورة المعدة للدبس بين 10 و15 ألف ليرة سورية، وهو سعر مرتفع بالنسبة للقوة الشرائية المتدنية. أما كيلو الفليفلة الحمراء فيصل إلى 18 ألف ليرة، ما يجعل إنتاج دبس الفليفلة، أحد أهم أنواع المونة، مغامرة مكلفة للأسر المنتجة". ويتابع: "الأمر لا يتوقف عند الخضار، فحتى المواد الأساسية تشهد ارتفاعات قياسية، حيث يباع كيس السكر (50 كيلوغراماً) بأكثر من مليوني ليرة، ما يرفع تكلفة إنتاج المربيات والمونة المحلاة إلى حدود غير مسبوقة".

وفي السياق نفسه، يعلّق الخبير الاقتصادي مروان درويش في حديث لـ"العربي الجديد"، قائلاً: "مشاريع المونة المنزلية الصغيرة، رغم صعوبتها، تمثل متنفساً مهماً وشريان حياة للنساء فاقدات المعيل، في ظل ظروف معيشية بالغة القسوة". ويضيف درويش أن "إنتاج المونة يندرج ضمن ما نسميه الاقتصاد المنزلي غير الرسمي، وغير المدرج في الإحصاءات الرسمية، لكنه اقتصاد مقاوم بامتياز، يمكّن المرأة من تحقيق دخل ولو محدود يساعد أسرتها على البقاء ويحفظ كرامتها". لكنه يحذر من أن المشكلة الجوهرية تكمن في محدودية السوق المحلي المشبع أساساً، وعدم وجود قنوات تسويق واسعة أو دعم يحوّل هذا النشاط المتعب من مجرد مهرب مؤقت إلى مصدر رزق مستدام يخرج الأسر من دائرة الفقر.

المساهمون