المواطن المطحون والجزر المنعزلة وقرار "المركزي" المصري

المواطن المطحون والجزر المنعزلة وقرار "المركزي" المصري

16 فبراير 2022
لبعض القرارات تأثيرات خطرة على المستهلك والمواطن وقطاع الإنتاج بكامله (Getty)
+ الخط -

أصدر البنك المركزي المصري، يوم الأحد الماضي، قرارًا يقضي بوقف التعامل بمستندات التحصيل في تنفيذ كل العمليات الاستيرادية، والعمل بالاعتمادات المستندية فقط، مع استثناء فروع الشركات الأجنبية والشركات التابعة لها، والسماح للبنوك بقبول مستندات التحصيل الواردة عن بضائع تم شحنها قبل صدور القرار.

القرار الذي من المقرر تطبيقه في بداية شهر مارس/ آذار المقبل، أثار جدلا شديدا وغضبا واسعا داخل مصر، ليس فقط لاستثنائه الشركات الأجنبية وفروعها من التطبيق، وبالتالي منح الأجانب استثناءات تفضيلية غير متاحة للقطاع الخاص المصري.

لكن الجدل والغضب الشديدين بسبب تأثيراته الخطيرة على المستهلك والمواطن والأسواق وقطاع الإنتاج بكامله، بل وقد يعيد إلى الواجهة بعض الممارسات الخطيرة التي كانت تحدث قبل تعويم الجنيه المصري في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، ومنها المضاربات على الجنيه المصري وظهور سوق سوداء للعملة مجددا.

فقد رفض مجتمع الأعمال قرار البنك المركزي، بل وهاجمه بشدة اتحاد الصناعات المصرية الذي يعد الكيان الأقوى المعبر عن قطاع الصناعة والإنتاج في البلاد، وطالب الحكومة بالضغط على البنك المركزي للعدول عنه، كما هاجمه كل من اتحاد الغرف التجارية المصرية وجمعية رجال الأعمال المصريين، بل وانتقده برلمانيون فوجئوا أيضا بصدور القرار كما فوجئ به السوق ومجتمع الأعمال.

المؤكد هنا أن فرض أي قيود على عملية الاستيراد تنتج عنه مخاطر كثيرة، منها حدوث قفزة في الأسعار، وضغوط إضافية على المواطن، وزيادة في الطلب على الدولار خارج الإطار الرسمي، أي من خارج البنوك.

والمؤكد هنا أن فرض أي قيود على عملية الاستيراد وحركة التجارة الخارجية تنتج عنه مخاطر كثيرة، منها حدوث قفزات في الأسعار وضغوط إضافية على المواطن وزيادة الطلب على الدولار خارج الإطار الرسمي، أي خارج البنوك، وعزوف تجار عن الاستيراد مع زيادة التكلفة، واختفاء بضائع وسلع ضرورية من الأسواق، خاصة أن مصر تستورد أكثر من 60% من احتياجاتها الغذائية من الخارج، وكذا اختفاء قطع غيار وسلع وسيطة ومواد خام، وهي كلها أمور ضرورية لقطاعي الصناعة والتصدير.

والمؤكد أيضا أن فرض تلك القيود إما يعني وجود مشكلة قائمة تجرى معالجتها، أو أنه إجراء تحوطي من قبل البنك المركزي لتفادي وقوع مشكلة مقبلة، وهذا من حقه بالمناسبة.

والمؤكد أن قراراً كهذا سيربك عملية الاستيراد بالكامل، نعم، قد يقلل عجز الميزان التجاري، لكن على حساب السوق والمستهلك والمنتج الذي يعاني أصلا من قيود شديدة وزيادة في تكلفة الإنتاج.

من حق البنك المركزي الحفاظ على الاحتياطي الأجنبي لضمان سداد أعباء الديون الخارجية والواردات ودعم استقرار سوق الصرف، ومن حقه تخفيف الطلب على الدولار، خاصة مع الضغوط المتوقعة الناتجة عن الزيادة المحتملة في سعر الفائدة على الدولار في الأسواق العالمية، والهروب المتوقع للأموال الساخنة، سواء من البورصة أو أدوات الدين، مثل السندات وأذون الخزانة المصرية، وتراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

لكن في المقابل، يجب أن يواكب فرض مثل هذه القيود أمران مهمان: الأول الحفاظ على سوق مستقر للأسعار، بحيث لا يتحمل المستهلك وحده تبعات قرارات البنك المركزي الفجائية أو تبعات أي قرارات تقييدية أخرى متوقعة من الحكومة.

فالمواطن يكفيه ما فيه من قفزات متواصلة في الأسعار وزيادة في الأعباء المعيشية والضرائب والرسوم والبنزين والسولار والغاز، وليست لديه القدرة على تحمل أعباء جديدة.

والأمر الثاني هو مراعاة القرار مصالح قطاع الصناعة ومجتمع الأعمال، لأن فرض قيود كتلك يمكن أن يؤثر سلبا على الصادرات والإنتاج المحلي، وبالتالي على الأسعار، ويؤدي إلى تعميق الركود الحالي في الأسواق المحلية، خاصة مع مقاطعة المستهلك كثيراً من السلع بسبب ارتفاع سعرها.

ويكفي القول إن أسعار الأدوية شهدت قفزات في الفترة الأخيرة، كما شهدت أسعار السلع الغذائية وفواتير الكهرباء والمياه والوقود زيادات مماثلة.

 

ومع الهجوم الشديد الذي تعرض له قرار البنك المركزي الأخير، فإن السؤال المطروح هنا هو: هل هناك جهة ما في الدولة تنسق بين هذه الأمور المتعارضة بحيث لا يتضرر أحد من قرار مثل الذي أصدره البنك المركزي، خاصة المستهلك وسوق الصرف الأجنبي؟

أم أن كل جهة في الدولة تعمل في جزر منعزلة، وبالتالي، تكون لمثل هذه القرارات وغيرها تأثيرات خطيرة على المواطن والاقتصاد، كما هو متوقع مع قرار البنك المركزي الأخير الذي أصدره من دون التشاور مع أحد، أو من دون تجهيز السوق والتمهيد له؟

المساهمون