الموازنة السورية الجديدة: كوارث معيشية وعجز كبير

الموازنة السورية الجديدة: كوارث معيشية وعجز كبير

22 أكتوبر 2021
السوريون يدفعون ثمن تدهور الأوضاع الاقتصادية (فرانس برس)
+ الخط -

تعطي القراءة الأولية لمشروع الموازنة العامة للدولة لعام 2022، التي أعلنت عنها حكومة النظام السوري، أول من أمس، انطباعا بأن هناك تحسنا ملموسا في أرقامها كافة، لكن عند التدقيق بهذه الأرقام التضخمية، وبالمقارنة مع موازنات السنوات السابقة، يؤكد مراقبون أن الوضع الاقتصادي في سورية مقبل على كوارث حقيقية في العام القادم، وبالذات على المستوى المعيشي، وسعر الصرف مقابل الدولار، وما يرتبط به من غلاء في جميع أسعار السلع.
وأعلنت حكومة النظام عن مشروع موازنة العام 2022، بقيمة 13.325 تريليون ليرة سورية، ما يعادل 4 مليارات دولار، بزيادة نحو 5 تريليونات ليرة عن موازنة العام السابق البالغة 8.5 تريليونات ليرة.

عجز كبير
وقال وزير مالية النظام السوري، كنان ياغي، إن العجز في مشروع الموازنة للعام القادم يقدر بنحو 4118 مليار ليرة، وإن حجم الدعم فيها يصل إلى 5530 مليار ليرة سورية.
وأوضح ياغي أن العجز ستتم تغطيته من خلال اقتراض مبلغ 600 مليار ليرة عن طريق سندات خزينة، بالإضافة إلى موارد خارجية، والباقي سيتم تغطيته عن طريق مصرف سورية المركزي كاعتمادات مأخوذة من الاحتياطي في المصرف.
وأضاف وزير المالية أن حجم الدعم في مشروع الموازنة العامة بلغ 5530 مليار ليرة سورية، ارتفاعا من 3500 مليار ليرة في الموازنة السابقة.

وأوضح أن تلك الكتلة ستوزع على مجموعة بنود، أهمها دعم المشتقات النفطية البالغ 2700 مليار ليرة، ودعم الدقيق التمويني الذي يبلغ 2400 مليار ليرة، إضافة إلى 300 مليار ليرة لدعم السكر والأرز، و50 مليار ليرة لصندوق دعم الإنتاج الزراعي ومثلها لصندوق المعونة الاجتماعية، و30 مليار ليرة لصندوق الري الحديث وصندوق الجفاف.
وقال ياغي إن الاعتمادات الأولية لمشروع الموازنة البالغة 13325 مليار ليرة، مقسمة على الشكل التالي، 11325 مليار ليرة نفقات جارية، و2000 مليار ليرة نفقات استثمارية، لافتا إلى أن تغطية تلك الاعتمادات ستتم عن طريق الإيرادات العامة للدولة والفوائض المالية.

أول كارثة
وتعليقا على الأرقام السابقة، أوضح المحلل الاقتصادي من دمشق، رضوان حمادي، أن أول كارثة يتضمنها مشروع الموازنة لعام 2022، هي دفع سعر صرف الليرة السورية للمزيد من الانخفاض مقابل العملات الصعبة، وهو ما يجعلنا نتنبأ، بحسب قوله، بأن الدولار في العام القادم قد يتجاوز الـ 5000 ليرة سورية.
وبين حمادي في تصريح لـ "العربي الجديد" أن موازنة العام الماضي كانت 8.5 تريليونات ليرة، وهي تساوي لدى إقرارها مطلع العام الجاري، نحو 4 مليارات دولار، ثم بعد أقل من شهرين، انهار سعر صرف الليرة وأصبحت تعادل نحو 2.5 مليار دولار، لافتا إلى الدولار كان يساوي 2200 ليرة في مطلع العام الجاري، ثم ارتفع إلى 4700 ليرة في الشهر الثالث منه، ليستقر بعد منتصف العام وحتى اليوم، عند نحو 3500 ليرة.

وأكد المحلل الذي يعمل مستشارا في إحدى الشركات الاستثمارية، ومدرسا في الثانويات التجارية في دمشق وريفها، أن سبب هذا الانهيار في سعر الصرف يعود بالدرجة الأولى إلى زيادة المعروض من الليرة السورية التي تضمنتها الموازنة العامة للدولة، بالمقارنة مع السنة السابقة، ما يشير بحسب رأيه، إلى أن زيادة مبلغ نحو 5 تريليونات ليرة في موازنة العام 2022، البالغة 13325 تريليون ليرة، دون أن تكون هذه الزيادة آتية من مصادر خارجية، كالتجارة والاستثمار، تؤكد حكما بأن الليرة السورية سوف تفقد على الأقل 30 بالمئة من قيمتها خلال العام القادم.

رفع الأسعار
وأكثر ما يلفت الانتباه في مشروع موازنة العام 2022، هو مبلغ الدعم المخصص للمشتقات النفطية، والبالغ 2700 مليار ليرة (نحو 950 مليون دولار وفقا لأسعار الصرف الحالية)، وهو أكثر بألف مليار عن موازنة العام الماضي، الذي كان يساوي أيضا نحو 950 مليون دولار لدى إقراره في مطلع العام الجاري، لكنه فيما بعد أصبح هذا المبلغ يساوي أقل بكثير، بعد انخفاض سعر صرف الليرة.
وحسب المحلل الاقتصادي من دمشق، مروان قويدر، فإن "المتأمل في الأرقام السابقة، يعتقد بأن شيئا لم يتغير بالنسبة لدعم المحروقات، حتى لو انخفضت الليرة السورية إلى نحو 5000 مقابل الدولار، لكنه أشار إلى أن المتغير الأهم في هذا الأمر هو أسعار النفط العالمية، التي كانت مطلع العام الجاري بحدود 40 دولارا للبرميل، بينما يتوقع لها أن تصل إلى نحو 100 دولار للبرميل خلال العام القادم.
وتستورد سورية شهريا أكثر من 3 ملايين برميل نفط، تبلغ قيمتها وفقا لأسعار النفط الحالية البالغة نحو 83 دولارا للبرميل، نحو 250 مليون دولار شهريا، أي أن سورية بحاجة لنفط بقيمة أكثر من 3 مليارات دولار سنويا، وهو ما يقترب من كامل الموازنة العامة للدولة.
وأوضح قويدر لـ "العربي الجديد" أن ذلك يعني أن النظام يحضر لزيادة أسعار المحروقات في العام القادم، مثلما فعل في العام الجاري، عندما رفع سعر البنزين 4 مرات، وسعر المازوت بنسبة أكثر من 250 بالمئة بضربة واحدة، في يوليو/ تموز الماضي، من 180 ليرة إلى 500 ليرة لليتر.
وأشار إلى أن وسائل إعلام النظام، أعلنت منذ عدة أشهر بأن هناك نقاشا داخل الحكومة لرفع سعر المازوت إلى 1000 ليرة لليتر مطلع العام القادم، أي رفعه بنسبة مئة بالمئة، مضيفا بأن ذلك سوف يدفع أكثر من 200 سلعة للارتفاع الجنوني، بالإضافة إلى رفع أجور النقل وغيرها من الخدمات المرتبطة بالمحروقات.

ولفت قويدر إلى أن مبالغ الدعم الأخرى في مشروع موازنة 2022، والموزعة على الخبز والسكر والشاي والرز والزراعة والري وغيرها، والتي تقدرها الحكومة بـ 2400 مليار ليرة، أيضا تشير إلى تراجع وانسحاب الحكومة من التزاماتها تجاه الشعب السوري، مشيرا إلى أن هذه المبالغ بالكاد تغطي نفقات استيراد القمح، البالغة أكثر من نصف مليار دولار سنويا، فيما تحتاج سورية سنويا إلى استيراد أرز بأكثر من 100 مليون دولار ومثلها من السكر.
وتوقع قويدر في ختام حديثه أن تعمد الحكومة إلى سد هذا العجز الكبير في الموازنة، من خلال زيادة الضرائب ورفع الدعم عن الكثير من المواد التموينية والمحروقات، وقد تعمد إلى تحسين الرواتب والأجور المقدرة حاليا بنحو 20 دولارا في الشهر، بحيث تظل حول هذا المستوى فيما لو تعرضت الليرة السورية لأي انخفاض قادم.
ويعاني السوريون من موجات غلاء متتالية في أسعار السلع والخدمات وخاصة مع تواصل تدهور الليرة السورية مقابل العملات الأجنبية. وطاول الغلاء الوقود والأغذية والسلع الضرورية ومختلف الخدمات، ما فاقم من معيشة المواطنين.
وحذرت وكالات إغاثة تابعة للأمم المتحدة في تقرير سابق من أن سورية تواجه أزمة غذاء غير مسبوقة، حيث يفتقر أكثر من 9.3 ملايين شخص إلى الغذاء الكافي.
وذكرت المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي، إليزابيث بايرز، في تصريحات سابقة أن أسعار السلعة الغذائية ارتفعت بأكثر من 200 بالمئة في أقل من عام بسبب الانهيار الاقتصادي في لبنان المجاور، وإجراءات العزل العام التي فرضتها سورية لاحتواء مرض كوفيد-19 خلال الفترات الماضية.

المساهمون