المفاوضات البريطانية الأوروبية معلّقة على صنّارة السمك... ما القصة؟

المفاوضات التجارية البريطانية الأوروبية معلّقة على صنّارة "السمك"... ما القصة؟

23 ديسمبر 2020
صيد السمك في بريطانيا (Getty)
+ الخط -

تسعة أشهر من المحادثات بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي بشأن اتفاقية التجارة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد معلقة في صنارة سمك، حيث يحاول المسؤولون الوصول إلى نتيجة اليوم الأربعاء حول قضية السماح للشركات الأوروبية باستكمال الصيد في المياه البريطانية.

وتدخل رئيس الوزراء بوريس جونسون، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، شخصياً يومي الاثنين والثلاثاء، حيث أجروا عدة محادثات هاتفية، في محاولة أخيرة للتوصل إلى اتفاق قبل مغادرة المملكة المتحدة للسوق الموحدة في نهاية الشهر.

وقال ميشيل بارنييه، كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي، إن الجانبين مستعدان للقيام "بجولة أخيرة في المفاوضات".

تركز المناقشات على خلافين رئيسيين حول الأسماك: ما الحدود التي يجب أن تصل إليها قوارب الاتحاد الأوروبي في المياه البريطانية وحجم استفادة الطرفين، وما الرسوم العقابية التي سيتعين على الاتحاد الأوروبي فرضها إذا حدت المملكة المتحدة من هذا الوصول في المستقبل.

ووضع الجانبان الاتفاق بشأن الصيد شرطاً مسبقاً لأي صفقة أوسع تتعلق بعلاقتهما المستقبلية، حتى لو كانت قوارب الاتحاد الأوروبي التي تصطاد الأسماك التي تبلغ قيمتها 650 مليون يورو (790 مليون دولار) في مياه المملكة المتحدة كل عام جزءاً بسيطاً من قيمة السلع المتداولة بين بريطانيا والكتلة.

وقال بارنييه في اجتماع لسفراء الدول الأعضاء في الكتلة البالغ عددها 27 دولة  الثلاثاء إن هناك تقدماً في المحادثات، ويمكن توقيع اتفاق قبل عيد الميلاد - إذا كان البريطانيون مستعدين لتقديم المزيد من التنازلات بشأن الصيد، وفقاً لدبلوماسيين تحدثوا لوكالة "بلومبيرغ" جرى إطلاعهم على المناقشات.
وقال مسؤولون إن المحادثات قد تستمر إلى ما بعد عيد الميلاد أو تفشل تماماً. فيما أكد بارنييه أن فريقه مستعد لمواصلة التفاوض بعد انتهاء الفترة الانتقالية لما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في 31 ديسمبر/ كانون الأول إذا كان هذا هو المطلوب لإتمام الصفقة.

أبرز نقاط الخلاف

في وقت سابق من الأسبوع، تقدمت المملكة المتحدة باقتراح من شأنه أن يخفض قيمة الأسماك التي تصطادها قوارب الاتحاد الأوروبي في المياه البريطانية بنسبة 30%، وهو انخفاض أقل بكثير من 60% الذي كانت تطلبه الأسبوع الماضي. كذلك قدم الاتحاد الأوروبي تنازلات، فقد كان يريد التخفيض إلى 18% فقط قبل أسابيع قليلة، ثم رفع النسبة إلى 25% في الأيام القليلة الماضية. 

وترفض الكتلة الأوروبية قبول تخفيض بأكثر من 25% في قيمة الأسماك التي يجري صيدها، قائلة إنه كان من الصعب على دول مثل فرنسا والدنمارك قبولها، وفقاً لمسؤولين مطلعين على المناقشات.

إلى جانب النسبة المئوية لحجم الصيد، يتجادل الجانبان بشأن المدة الزمنية التي ستُمنَح للصيادين للتكيف مع القواعد الجديدة. طالبت المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبي بقبول فترة انتقالية مدتها خمس سنوات بعد أن اقترحت سابقاً ثلاث سنوات. فيما كانت الكتلة قد دعت في البداية إلى اعتماد مدة 10 سنوات، وعرضت الآن سبع سنوات.

يريد الاتحاد الأوروبي أن يكون قادراً على فرض تعريفات جمركية على المملكة المتحدة، إذا قامت الحكومة بعد الفترة الانتقالية بتقييد الوصول إلى مياهها. وقالت المملكة المتحدة، في أحدث عرض لها، إنها ستقبل الرسوم الجمركية على مصايد الأسماك، ولكن ليس في مجالات أخرى، مثل الطاقة، على النحو الذي يطلبه الاتحاد. ومما يزيد الأمور تعقيداً، أن الكثير من الأسماك والمحار التي تصطادها القوارب البريطانية تُباع في البر الأوروبي. 

لماذا القتال على الأسماك؟
تمتلك المملكة المتحدة بعض مناطق الصيد الأكثر خصوبة في أوروبا، ويسحب أسطولها ثاني أكبر كمية صيد في الاتحاد الأوروبي سنوياً. كانت مصايد الأسماك نقطة شائكة في مبادرة المملكة المتحدة للانضمام إلى الكتلة في سبعينيات القرن الماضي، وقد أعرب الصيادون البريطانيون عن أسفهم للتضحية بقطاعهم خلال المفاوضات لتحقيق أهداف تجارية أخرى.

في السنوات الأخيرة، جرى صيد أكثر من نصف الأسماك والمحاريات على بعد 200 ميل بحري (370 كيلومتراً) من ساحل المملكة المتحدة من قبل دول الاتحاد الأوروبي الأخرى. تسعى فرنسا، الدولة العضو في الاتحاد التي تصطاد عادةً معظم الأسماك من حيث القيمة في المياه البريطانية، إلى ضمان حفاظها على ذات مسافة الوصول.
وقبل بدء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في نهاية عام 2020، كانت المملكة المتحدة تستعد لمغادرة اتفاقية الصيد المشتركة مع الاتحاد الأوروبي، ما يعني أن القوارب الأجنبية ستحتاج إلى الحصول على تراخيص الصيد والتزام القواعد البريطانية.

تعهد رئيس الوزراء، بوريس جونسون، بأن تحتفظ بريطانيا بالسيطرة على مياهها، وحذرت المفوضية الأوروبية من أن اتفاقية التجارة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا يجب أن تتضمن اتفاقية بشأن صيد الأسماك. 

ووفق الإحصائيات التي نشرتها "بلومبيرغ" يُباع ما يزيد على 1.5 مليار دولار في كل اتجاه بين بريطانيا وأوروبا سنوياً. توفر مياه المملكة المتحدة اسماك الرنجة لهولندا، فيما المواطنون في البر الرئيسي الأوروبي يستهلكون سمك السلمون المستزرع قبالة شواطئ اسكتلندا. إذا حدت أوروبا من الشراء، فقد تشهد المملكة المتحدة أيضاً فائضاً لا سوق له. ولعل الأمر الأكثر إثارة للدهشة، أن جزر فوكلاند الواقعة في جنوب المحيط الأطلسي، التي تعتبر من ضمن الأراضي البريطاني، تعد مورداً رئيسياً للحبار إلى جنوب أوروبا، ومن غير الواضح كيف يمكن أن تؤثر محادثات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بتلك الشحنات.

تحديات للمجتمعات الساحلية
على الرغم من أن صناعة صيد الأسماك ليست حيوية بالنسبة إلى المملكة المتحدة، حيث تمثل 0.1% فقط من الاقتصاد البريطاني، فقد أسهم تراجعها طويل المدى في زيادة التحديات التي تواجه المجتمعات الساحلية. يستقبل الاتحاد الأوروبي ما لا يقل عن 64% من صادرات المملكة المتحدة منذ عام 2010، وعلى الرغم من قيام كلا الجانبين بتنويع التجارة مع البلدان الأخرى، إلا أنهما سيرغبان في الحفاظ على تدفق الأسماك عبر الحدود وتجنب الاشتباكات بين السفن في البحر، كما حدث في ما يسمى حروب سمك القد التي شنتها بريطانيا وأيسلندا بين الخمسينيات والسبعينيات من القرن الماضي.
وهبط الصيد المحلي في المملكة المتحدة 948 ألف طن من الأسماك في عام 1970، قبل وقت قصير من انضمام البلاد إلى الاتحاد الأوروبي. بحلول عام 2015، أي العام الذي سبق استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، انخفض ذلك بأكثر من النصف إلى 415 ألف طن. خلال الفترة نفسها، انخفض عدد الصيادين البريطانيين إلى 12000 من 21400.

تشير الدلائل إلى أن مجتمعات الصيد صوتت بقوة لأجل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتوقعت فرض قيود على القوارب من أوروبا لتنشيط أعمالها. وتقول جمعيات الصيد البريطانية إن على الحكومة أن تحذو حذو النرويج التي تتفاوض سنوياً بشأن الوصول إلى مياهها وتمنع دخول القوارب من الدول التي ليس لها اتفاق معها.

وأبرمت المملكة المتحدة في سبتمبر/ أيلول اتفاقية لمصائد الأسماك مع الدولة الاسكندنافية - وهي الأولى لها منذ مغادرة الاتحاد الأوروبي - التي بموجبها ستضع الدولتان حصصاً سنوياً وتتفاوضان للوصول إلى مياه بعضهما. كان NFFO يدعو المملكة المتحدة إلى إبرام شروط مماثلة مع الاتحاد الأوروبي.

 ما هي الدول الأكثر تضرراً؟
والدول الأكثر تضرراً من أزمة السمك، هي أيرلندا وإسبانيا وفرنسا وبلجيكا وهولندا وألمانيا والدنمارك والسويد. في حين أن قواعد الاتحاد الأوروبي قد سمحت لجميع الدول الأعضاء بالصيد في مياه بعضها، فإن تلك الدول مياهها أقرب إلى تلك الموجودة في المملكة المتحدة أو التي يوجد صيادوها على نطاق واسع حول ساحل المملكة المتحدة. 
وتلقى حزب المحافظين التابع جونسون له دعماً قوياً في انتخابات 2019 من مجتمعات الصيد وتعهد جونسون بعد الانتخابات بأن "يعمل بلا هوادة" للحفاظ على دعمهم. أخبر الناخبين الاسكتلنديين مراراً أنه سيحمي صناعة صيد الأسماك لديهم.

المساهمون