المغرب يبحث عن بدائل مستدامة للغاز الجزائري

المغرب يبحث عن بدائل مستدامة للغاز الجزائري

01 نوفمبر 2021
كان المغرب يستعمل الغاز موضوع الاتفاقية من أجل تشغيل محطتين لتوليد الكهرباء (فرانس برس)
+ الخط -

قلل المغرب من تأثير القرار الذي أعلنت عنه السلطات الجزائرية، والقاضي بعدم تجديد الاتفاق بشأن خط أنبوب الغاز المغاربي- الأوروبي، مؤكدا أنه يبحث عن بدائل مستدامة للغاز الجزائري.

وقال المكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن والمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، إن القرار "لن يكون له حاليا سوى تأثير ضئيل على أداء النظام الكهربائي الوطني".

وأشارت المؤسستان، في بيان مساء أمس الأحد، إلى أنه "نظرا لطبيعة جوار المغرب وتحسبا لهذا القرار، فقد تم اتخاذ الترتيبات لضمان استمرارية إمداد البلاد بالكهرباء"، مضيفة أنه "تتم حاليا دراسة خيارات أخرى لبدائل مستدامة على المديين المتوسط والطويل".

ويأتي بيان المؤسستين بعد قرار الرئيس الجزائري، الذي أكد، أمس الأحد، عدم تجديد اتفاقية كانت تقضي بتزويد المغرب بحوالي 640 مليون متر مكعب في العام على مدى 10 أعوام، وهي اتفاقية وقعت في 2011.

وتلك الإمدادات كان يتلقاها المغرب بواسطة أنبوب الغاز الذي يصل الجزائر بإسبانيا مرورا بالأراضي المغربية، عبر الأنبوب الذي لم تجدد الاتفاقية الخاصة به، التي انتهى العمل بها في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الجاري.

وكان المغرب يستعمل الغاز موضوع الاتفاقية من أجل تشغيل محطتين لتوليد الكهرباء، حيث يتعلق الأمر بمحطة عين بني مطهر التي تصل طاقتها إلى 470 ميغاواط، ومحطة تهدارت التي تصل طاقتها إلى 385 ميغاواط.

ويتصور الاقتصادي إدريس الفينا أن القرار الذي اتخذته الجزائر "لا يعاكس المصالح المغربية، على اعتبار أنه لن تكون له تأثيرات كبيرة، بل تتضرر بسببه الجزائر التي ستعتمد فقط على أنبوب واحد مستقبلا، وهو أنبوب قد يتعرض لإعطاب، ما يهدد بتعثر تزويد إسبانيا بالغاز".

خارج الموازنة

وقد أكدت وزيرة الاقتصاد والمالية المغربية، نادية فتاح العلوي، أن رسوم عبور الغاز الجزائري نحو إسبانيا، والتي تتخذ شكل غاز، لم يتم احتسابها ضمن إيرادات مشروع موازنة العام المقبل، الذي يناقشه البرلمان المغربي.

وقد وصلت قيمة الغاز الذي تلقاه المغرب عبر الأنبوب إلى حوالي 160 مليون دولار كمتوسط سنوي، أي ما يمثل 0.65% من الميزانية العامة للمملكة.

وتصل إمدادات الأنبوب إلى حوالي 650 مليون متر مكعب من بين 1.3 مليار متر مكعب مستوردة من قبل المملكة، ما يعني أن غاز الأنبوب يمثل حوالي 65% من حاجيات المغرب المستوردة من الغاز.

ولا يمثل الغاز نسبة حاسمة في إنتاج الكهرباء في المغرب، حيث يمثل حوالي 10%، بينما تأتي 60% من النفط و25% من الفحم، و10% من الطاقات المتجددة.

ولم يكشف بيان المكتب الوطني للهيدروكابورات والمعادن والمكتب الوطني للماء والكهرباء عن البدائل التي تعتمد عليها لتعويض الغاز الجزائري، إلا أن الحسين اليماني، رئيس نقابة الغاز والبترول، يؤكد أنه يمكن العودة لاستعمال الفيول، مع البحث عن مزودين جدد للغاز.

وتفيد بيانات العام الماضي بأن الولايات المتحدة كانت المزود الأول للمغرب بـ420 مليون دولار، متبوعة بالجزائر 370 مليونا، وإسبانيا 150 والنرويج 95، وبلدان أخرى بـ250 مليون دولار.

يذهب الخبير في التنمية المستدامة والطاقة، المهدي الداودي، إلى أن الغاز الجزائري يستعمل في محطتين اثنتين، حيث لا تمثلان نسبية كبيرة في إنتاج الكهرباء كما يحاول المسؤولون الجزائريون تصوير الأمر، مشددا في الوقت نفسه على أن الغاز الجزائري كان يستعمل من أجل إنتاج جزء من الكهرباء، ولا يوجه لأغراض صناعية.

ويؤكد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن المغرب استطاع في بعض السنوات تحقيق فوائض على مستوى إنتاج الكهرباء، حيث دأب على تصديره إلى بلدان مثل إسبانيا.

ويلاحظ أن المغرب يمكنه أن يغطي إنتاج الكهرباء الذي كانت توفره المحطات التي كان يجرى تشغيلها بالغاز الجزائري عبر محطات أخرى، مثل محطات الجرف الأصفر وجراحة وآسفي.

ويرى الخبير ذاته أن المغرب قد يعمد إلى استيراد الكهرباء، عبر الألياف التي تربط بينه وبين إسبانيا، إذ كان قد استورد في فترة سابقة 18% من حاجياته من الكهرباء عبر تلك الألياف.

ويعتبر عبد الرحيم كسيري، المنسق الوطني للائتلاف المغربي من أجل المناخ والتنمية المستدامة، ورئيس لجنة البيئة بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أن المغرب سيتأثر نسبيا بالقرار الجزائري، غير أنه يمكنه استيراد تلك المادة من قطر أو نيجيريا مثلا.

لكن كسيري يوضح، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه في الوقت الذي يطرح موضوع الغاز، يتوجب التوجه نحو تقليص استعمال الفحم، وتسريع السياسة التي ينتهجها في مجال الطاقات المتجددة التي وضعت لها خطة واضحة في السنوات الأخيرة، مع التوجه نحو التفكير في الطاقة النووية.

بدائل ممكنة

ويرى جواد الكردودي، رئيس المعهد المغربي للعلاقات الدولية، أنه يمكن تعويض الغاز بالفحم في المحطتين اللتين تشتغلان بالغاز الجزائري، كما يمكن أن تفضي المفاوضات الجارية حاليا إلى التزود بالغاز عبر إسبانيا باستغلال الأنبوب.

ويذهب الكردودي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن المغرب يمكنه استعمال بواخر لاستيراد الغاز، مشيرا إلى طلب العروض الذي أطلق في مارس/ آذار، والذي سيفضي بعد إسناد الصفقة قريبا إلى بناء محطات لتحويل الغاز المسال إلى غاز طبيعي.

ولم يستبعد مصدر مطلع أن يعمد المغرب إلى شراء الغاز من إسبانيا، حيث سيستعمل الأنبوب الذي يربط إسبانيا بالجزائر من أجل إيصال الغاز إلى المملكة، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن فاتورة الغاز سترتفع، ما قد يطرح فكرة التحوط من تقلبات الأسعار في السوق الدولية.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وذهب مصدر مطلع إلى أن المغرب يمكنه اللجوء إلى استغلال الأنبوب، مشيرا إلى أن هناك توجها نحو إعادة تشغيله من إسبانيا عبر ضخ الغاز القطري، كما يمكن استيراد الغاز من نيجيريا.

ويشير المصدر إلى أنه يمكن للمغرب اللجوء إلى استعمال بواخر من أجل استيراد الغاز عبر موانئ لها دور كبير في استيراد الوقود، مثل ميناء الجرف الأصفر وميناء المحمدية والناظور.

وقد يطرح في العام المقبل اللجوء إلى الأدوات المالية المشتقة للتحوط ضد المخاطر المرتبطة بطلبات أسعار الوقود. فقد توقعت وزيرة الاقتصاد والمالية أن يتراجع سعر غاز البوتان في مايو المقبل، غير أنها لم تستبعد اللجوء إلى التحوط ضد تقلبات أسعاره في حالة عرفت قفزات كبيرة في السوق الدولية.

قلق إسباني 

ويظهر أن المغرب أقل تضررا من خط الإمداد إلى إسبانيا، التي لم تخف قلقها من احتمال حدوث تعثر في التزود بالغاز عبر أنبوب "غازميد"، الذي يعبر البحر الأبيض المتوسط، هذا في الوقت الذي تسعى الجزائر إلى طمأنتها عبر التأكيد على إمكان استعمال البواخر من أجل إيصال الغاز المسال إلى البلد الأوروبي.

ويرى الاقتصادي المغربي إدريس الفينا أنه رغم الضمانات التي قدمتها الجزائر لإسبانيا، إلا أن هذه الأخيرة قلقة بخصوص تزويدها بالغاز، ما يجعلها تبحث عن مصادر أخرى للغاز، خاصة عبر السوق الأميركية.

وكان الوزير الأول الإسباني بيدرو سانشيز قد أكد، في بداية أكتوبر/ تشرين الأول، أنه اقترح على اللجنة الأوروبية اللجوء إلى الشراء الجماعي للغاز على غرار ما تم بالنسبة للقاحات، لأن ذلك سيعضد القدرة التفاوضية للاتحاد الأوروبي في ظل ارتفاع أسعار الطاقة.

وينتظر أن تقدم المفوضية الأوروبية، في ديسمبر/ كانون الأول المقبل، حزمة مقترحات تشريعية تهم الغاز، خاصة أن الارتفاعات التي عرفتها أسعار الغاز في أكتوبر/ تشرين الأول لن تكون الأخيرة، بما لذلك من تأثيرات على المستهلك الإسباني.

المساهمون