المغرب العربي في مرمى أزمات الاقتصاد الأوروبي

المغرب العربي في مرمى أزمات الاقتصاد الأوروبي

02 مارس 2022
تجارة دول المغرب العربي مع أوروبا تمثّل أكثر من نصف تجارتها مع العالم (Getty)
+ الخط -

تترقب دول المغرب العربي، تطور المؤشرات والتوقعات الاقتصادية للقارة العجوز، خاصة داخل الاتحاد الأوروبي، والتي تنذر بارتفاع للتضخم يقابله تقلص توقعات النمو لسنتي 2022 و2023 ولا سيما بعد فترة صعبة مر بها في ظلال تداعيات الجائحة الصحية، ثم أزمة حادة للطاقة وزيادة كبيرة في سعر النفط والغاز الطبيعي.

وما يزيد من القلق على مؤشرات الاقتصاد الأوروبي دخوله في دائرة تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية المشتعلة وتعرض العديد من القطاعات إلى خسائر باهظة، وبالتالي قد يتأثر النمو سلباً في حالة إطالة أمد الحرب، أو في حال لجوء روسيا إلى استخدام سلاح الغاز الطبيعي في الحرب الحالية وحبسه عن القارة التي تعتمد بنسبة كبيرة عليه، ذلك أن غاز روسيا يغطي 40% من استهلاك أوروبا.

وفي هذا الإطار، بدأت دول المغرب العربي وخاصة الجزائر والمغرب وتونس تعيد حساباتها والاستعداد لما سيترتب علي مآلات الاقتصاد الأوروبي، خلال الفترة المقبلة.

وتمثل التجارة مع أوروبا أكثر من نصف إجمالي تجارة دول المغرب العربي مع مختلف دول العالم. كما تعتمد اقتصادات دول المغرب العربي بشكل كبير على تحويلات المهاجرين المالية في القارة العجوز.

الجزائر أول المتضررين

تعد الجزائر أول المترقبين عربياً للمؤشرات الاقتصادية للقارة الأوروبية، لأن التكتل الأوروبي يعتبر الشريك التجاري الأول للجزائر، وأكبر المستثمرين في الجزائر، خاصة في مجال النفط والأشغال العامة، والخدمات، بالإضافة لكونه مصدراً للعملة بفضل تحويلات المهاجرين الجزائريين.

وخفض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو في أوروبا بمقدار 0.4 % إلى 3.9 % في 2022، وقال إن النمو سيتباطأ إلى 2.5 % في 2023.

ومن شان هذه المراجعة وما يحيط بها من ارتفاع غير مسبوق للتضخم والمديونية وتذبذب في الطلب أن تلقي بظلالها على الجزائر نظرا لما تمثله المنطقة من شريك مهم على جميع الأصعدة.

كما راجع صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو الاقتصادي العالمي بالتخفيض إلى 4.4 % وكانت توقعات أكتوبر/تشرين الأول الماضي تشير إلى بلوغ نمو الاقتصاد العالمي في 2022 نسبة 4.9%.

وبلغت المبادلات التجارية بين الجزائر ودول الاتحاد الاوروبي 22 مليار دولار السنة الماضية، ويترجم هذا الرقم نسبة 51.75 بالمائة من المبادلات التجارية الإجمالية للجزائر، وإن كان 90 بالمائة من المبادلات هي صادرات نفطية جزائرية.

وفي هذا السياق، يرى الخبير الاقتصادي الجزائري ومدير مكتب "ايكونومي إيتود" بباريس، كمال بن دهقان أن "مؤشرات النمو والتضخم في القارة الاوروبية وعلى غرار باقي دول العالم، تنذر بحاضر صعب ومستقبل معقد، بالنظر إلى عدة أسباب منها المتعلقة بالجائحة الصحية التي شلت العديد من الاقتصاديات في أوروبا، خاصة دول الجنوب كإسبانيا وإيطاليا، وهما دولتان مهمتان بالنسبة للجزائر، وكذلك الأمر فرنسا، فهذه الدول تشتري النفط والغاز الجزائريين، لكنها وجهة لبعض الصادرات الجزائرية الأخرى منها الزراعية والإنتاجية".

ويتابع: "بالتالي فإن تراجع النمو يقابله تراجع الطلب على الطاقة، وهذا قد يؤثر على الصادرات الطاقوية الجزائرية إلا أن التطورات الجيوسياسية، خاصة في شمال القارة، قد يجعل من الجزائر شريانا لإمداد القارة العجوز بالغاز الطبيعي".
ويضيف المتحدث ذاته لـ"العربي الجديد" أنه "في الطريق الآخر فإن التضخم سيؤثر بشكل عكسي على الواردات الجزائرية من أوروبا، خاصة السلع والخدمات التي ستعرف ارتفاعا، فلو نلاحظ مثلا، الأسعار ارتفعت بما يفوق 7 بالمائة في إسبانيا و5 بالمائة في فرنسا في الأشهر الأخيرة، والأكيد أن ما يأتي للجزائر من هاتين الدولتين الشريكتين الأساسيتين تجاريا لها، خاصة المواد الأولية والغذائية، ستعرف ارتفاعا في أسعارها".

وانتقلت المخاوف من بوادر انكماش النمو في القارة الأوروبية لتحوم حول تحويلات المهاجرين الجزائريين التي شهدت تراجعاً منذ بداية تفشي "كورونا"، بسبب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي عاشتها المجتمعات الأوروبية.

ويرى عضو الاتحاد العام للجزائريين في المهجر (جمعية غير حكومية تنشط في جنوب أوروبا)، بشير فطومي، أن تحويلات الجزائريين المهاجرين ستتقلص أكثر مستقبلا، وهذا بفعل مخلفات الجائحة وانكماش النمو في الدول الأوروبية على المغتربين، الذين تقلصت مداخيلهم، ومنهم حتى من فقد عمله، وبالتالي من البديهي أن يفضل المغترب الاحتفاظ بأمواله لمواجهة الظروف الطارئة على إرسالها إلى بلده".

وكشف فطومي لـ "العربي الجديد" أن تحويلات مهاجري الجزائر هوت سنة 2021، إلى 1.8 مليار دولار مقابل 2.4 سنة 2020، ومن المتوقع أن تواصل منحاها التنازلي هذه السنة في ظل وجود بوادر تواصل جمود نسب النمو في مستويات منخفضة يقابلها ارتفاع محتمل للتضخم سيلتهم كل مدخرات المهاجرين".

اقتصاد المغرب يترقب الدعم الأوروبي

يراقب المغرب أداء اقتصاد دول الاتحاد الأوروبي التي تستورد نسبة كبيرة من المنتجات المحلية، من أجل دعم النمو في المملكة التي تعرف في العام الحالي تأخر التساقطات المطرية الحاسمة في ذلك النمو. وعمدت المفوضية الأوروبية مؤخرا، إلى مراجعة معدل النمو في منطقة اليورو ومجمل الاتحاد الأوروبي، حيث خفضته من 4.3 في المائة إلى 4 في المائة.

وأكد المفوض الأوروبي، باولو جنتلوني، مؤخرا، أن العديد من العوامل أثرت على الاقتصاد الأوروبي من قبل الانتشار السريع لـ"أوميكرون" وارتفاع التضخم بسبب أسعار الطاقة والاختلالات على مستوى سلاسل التوريد.

ويراهن المغرب على الطلب الخارجي، الآتي، بشكل خاص، من الاتحاد الأوروبي، فقد تجلى من بيانات مكتب الصرف، أن الصادرات في العام الماضي ارتفعت بنسبة 24.3 في المائة، بالموازاة مع زيادة الواردات بنسبة 25 في المائة.

وتتوقع المندوبية السامية للتخطيط (حكومية)، أن يرتفع الطلب العالمي الموجه للمغرب بنسبة 7.3 في المائة في العام الحالي، مقابل 10 في المائة في العام الماضي، بعد انخفاض بنسبة 10.9 في المائة في 2020.

وتترقب أن يتواصل تحسن الطلب العالمي الموجه للمغرب وتعزيز الاستثمارات الخارجية المباشرة، والحفاظ على تحويلات المغتربين المغاربة، التي وصلت إلى مستوى غير مسبوق في العام الماضي.

وتؤشر التدابير التي ينتظر أن يتخذها الاتحاد الأوروبي، والرامية إلى تخفيف التدابير الاحترازية، على تأثير إيجابي على الاقتصاد المغربي في العام الحالي، مقارنة بالعامين الماضيين.

ويتجلى أن تلك التدابير التي يوازيها لجوء المملكة إلى فتح الحدود الجوية، ستساعد على دعم النشاط السياحي بالمملكة، حسب العامل في القطاع، محمد أيت رشيد، الذي يؤكد لـ"العربي الجديد" انتعاش الحجوزات المعبر عنها من أوروبا بعد عودة حركة الطيران نحو المغرب في السابع من فبراير الجاري.

ومن جانبه، يرى الرئيس المؤسس لمنظمة "ريميساس" المتخصصة في تتبع تحويلات المغتربين، إنييغو موري، أن التحويلات المتأتية من الاتحاد الأوروبي، ستبقى في العام الحالي مسعفة للمغرب، بعدما بلغت مستوى قياسيا في العام الماضي بحوالي 10 مليارات دولار.

ويعتبر موري في حديثه لـ"العربي الجديد" أنه حتى في حال انخفضت في العام الحالي، فإن حلولا أخرى من المغتربين المغاربة في البلدان الأوروبية ستكون حاضرة لتساهم في دعم السياحة والطلب الداخلي، خاصة في الصيف المقبل.

وتأتي أهمية المبادلات بين المغرب والاتحاد الأوروبي، من كون الأخير يمثل حول 60 في المائة من مبادلات المملكة، حيث تجلت أهميتها في العام الأول للأزمة الصحية عندما بلغت 35 مليار يورو، من بينها 15 مليار يورو من الصادرات المغربية.

ويراهن المغرب على عودة الطلب الأوروبي، إذ يهم ذلك بشكل خاص قطاع السيارات والمنتجات الفلاحية والغذائية والنسيج والألبسة، علما أن تلك القطاعات تواجه منافسة شديدة في بلدان الاتحاد الأوروبي، ولا سيما من قبل بلدان يساهم انخفاض عملتها في توسيع حضورها في ذلك الفضاء.

غير أن التضخم المستجد في الاتحاد الأوروبي سيكون حاضرا في العلاقات بين المغرب والاتحاد الأوروبي، فقد توقعت المفوضية الأوروبية أن ترتفع الأسعار في العام الحالي بـ3.5 في المائة في منطقة اليورو، و3.9 في المائة في الاتحاد الأوروبي.

ويؤكد الخبير في القطاع البنكي مصطفى ملكو، لـ"العربي الجديد" أنه إذا كان التضخم المستورد من أوروبا سيشغل الفاعلين الاقتصاديين في المغرب، بما لذلك من تداعيات على أسعار السوق الداخلية والتصدير، فإن احتمال رفع معدلات الفوائد، ترفع من كلفة الدين في حال قرر المغرب اللجوء للاستدانة من السوق الدولية.

ويرى مراقبون أنه رغم بيانات صندوق النقد الدولي والمفوضية الأوروبية ومؤسسات التوقع في ذلك الفضاء الاقتصادي، التي تشي بنوع من القلق، خاصة في ما يتصل بتطور الأسعار، إلا أنه مقارنة بالعامين الماضيين، يرتقب أن ينتعش الطلب نحو المغرب، بما يدعم النمو الاقتصادي المنتظر في حدود 3 في المائة.

تداعيات ضعيفة على تونس

تتزامن المساعي التونسية للخروج من مرحلة الانكماش الاقتصادي واستعادة محركات الإنتاج مع تباطؤ النمو وارتفاع نسب التضخم في دول الاتحاد الأوروبي الشريك الاقتصادي الأول والتقليدي للبلاد التي يستأثر بأكثر من 70 بالمائة من الصادرات التونسية.

وتتركز كثافة التعاملات الاقتصادية بين تونس مع كل من فرنسا وألمانيا وإيطاليا وهي بلدان تسجل الصادرات التونسية نحوها زيادة بحسب آخر بيانات لمعهد الإحصاء الحكومي.

ومؤخرا خفّض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو في أوروبا إلى 3.9% في 2022، وقال إن النمو سيتباطأ إلى 2.5% في 2023 مع توقعات بارتفاع غير مسبوق للتضخم والمديونية وتذبذب في الطلب في القارة العجوز.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

العلاقات الثقافية والتجارية التي تربط بين تونس والاتحاد الأوروبي من أعرق العلاقات وذلك بحكم العامل الجغرافي والتاريخي الذي يقرب كثيرا بين الطرفين، لذا يعود إبرام أول اتفاق تجاري بين تونس والمجموعة الاقتصادية الأوروبية إلى سنة 1969 حيث تبعه التوقيع على اتفاق تعاون سنة 1976.

ويرجّح الخبير المالي خالد النوري، تأثيرا ضعيفا لتداعيات تراجع النمو في الاتحاد الأوروبي على تونس، مشيرا إلى أن اقتصاد تونس يعاني مشاكل هيكلية في علاقة بالأزمة الداخلية وهو ما أثر سلبا على تدفق الاستثمارات عموما.

وأفاد في تصريح لـ"العربي الجديد" بأن البيانات الرسمية المتعلقة بالمعاملات التجارية مع منطقة اليورو تؤكد أن الصادرات نحو البلدان الأوروبية تشهد تطورا ولم تتأثر بتراجع الطلب هناك.

ورجح أن تحافظ الصادرات التونسية تجاه زبائنها الأساسيين وهم فرنسا وألمانيا وإيطاليا على مستوياتها العادية خلال المدة القادمة، مؤكدا أن أغلب هذه الصادرات مواد غذائية ومنسوجات وهي قطاعات في حراك دائم بحسب قوله.

في المقابل قال الخبير الاقتصادي خالد النوري، إن تونس تبذل جهودا من أجل استعادة أسواقها من السياح الأوروبيين، مشيرا إلى أن هناك وعود من كبار متعهدي الرحلات بعودة السياح الفرنسيين والألمان إلى فنادق تونس هذا الصيف.

وأفاد في سياق متصل بأن الوجهة التونسية من أقل الوجهات كلفة في خريطة السياحة العالمية، وهو عامل محفّز لمنظمي الرحلات للاستفادة من هذه الامتيازات، معتبرا أن الوجهات قليلة التكلفة توجه للسياح المتضررين من التضخم والأزمات الاقتصادية في بلدانهم.

يرجّح الخبير المالي خالد النوري، تأثيرا ضعيفا لتداعيات تراجع النمو في الاتحاد الأوروبي على تونس، مشيرا إلى أن اقتصاد تونس يعاني مشاكل هيكلية في علاقة بالأزمة الداخلية

وخلال الربع الأخير من سنة 2021، سجلت الصادرات التونسية مع الاتحاد الأوروبي (70.2% من جملة الصادرات) تطورا إيجابيا بنسبة 13.9 %، وقد ارتفعت الصادرات مع بعض الشركاء الأوروبيين منها فرنسا بنسبة 10.7% وإيطاليا 31.4% وألمانيا بنسبة 24.9%.

في المقابل، سجلت الصادرات التونسية تراجعا مع بلدان أوروبية أخرى على غرار إسبانيا بنسبة 16.4% واليونان بنسبة 5.6%.

وتُعد تونس أول بلد من الضفة الجنوبية للمتوسط الذي وقع اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي وذلك في يوليو/ تموز 1995، والذي دخل حيز التنفيذ سنة 1998.

وتبذل تونس محاولات دائمة لفك التبعية الاقتصادية تجاه دول الاتحاد الأوروبي، لكن الإرث الثقيل للارتباطات مع هذه السوق يبعثر كل محاولات نحو تحويل ثقل التصدير نحو أسواق جديدة، ولا سيما منها العربية والأفريقية التي تتيح فرصا مهمة للمصدرين.

المساهمون